بقلم: أمين الساطي
سأخبركم في هذه القصة كما حدثت معي حرفياً، وأنا بكامل قواي العقلية، على الرغم من تقدمي بالسن، فما زالت صحتي على ما يرام، وإن كنت أعاني أحياناً من أعراض قلق الموت. لقد اعتاد حفيدي أن يجلس وحده لساعات طويلة، يرسم صوراً غريبة بالألوان لوجوه تشبه وجوه سكان المريخ التي نشاهدها عادة في المسلسلات التلفزيونية، وكانت هناك صورة لبنت يسيل من فمها وأنفها الدم، فشعرت بالخوف، لأنها ذكرتني بوجوه زومبي في فيلم الأحياء الأموات.
حاولت أن أقنع حفيدي بأن يتوقف عن رسم هذه الوجوه المقرفة، ويحاول أن يرسم وجوهاً لبنات شقراوات جميلات، لكنه أخبرني بأن الموضوع خارج عن سيطرته، فهناك صديق له اسمه جاك، يظهر له في منتصف الليل، ويوحي له بالأشكال التي يقوم برسمها في النهار. في هذه السن يجب علينا مسايرة الأطفال، لنستطيع أن نفهم ما يجول في خاطرهم، فاقترحت عليه أن ينام معي بالفراش في غرفتي، وعندما يأتي جاك الخيالي في منتصف الليل لزيارته، يوقظني من نومي، لكي أتعرّف عليه.
بالفعل أحسست بتلك الليلة وأنا مستغرق في النوم، وإذ بحفيدي يشدني بعنف من قميصي، لما فتحت عينيَّ وجدت أمامي وجهاً أصفر، كثيف الشعر، غليظ الشفتين، تنظر عيناه البنيتان المفتوحتان ذواتا الجفون المحتقنة بنظرات ثاقبة مباشرة في وجهي، مرتدياً اللون الأصفر من رأسه إلى أخمص قدميه، فأضفى وجوده نوراً مصفراً باهتاً كئيباً في جو الغرفة، وقبل أن أستوعب المنظر اختفى هذا الوجه الغريب، وعندما سألت حفيدي، أخبرني بأن هذا هو صديقه جاك، ولقد رفض أن يبقى معنا، لأنه شعر بأنني لا أحبه، فأصبت بحالة من الإحباط لعدم قدرتي على التواصل معه.
تناسيت هذا الموضوع، فكلنا يعرف أن قصص الأطفال مبنيَّة على الخيال والأحلام التي يعجز الطفل عن تحقيقها، ولكن الشيء الغريب في ذلك أنني شاهدت حفيدي باليوم التالي، يرسم صورة الوجه الأصفر الذي شاهدته البارحة بدقة غريبة، وكأنه صورة فوتوغرافية عنه، فعزوت ذلك إلى أنه مجرد تخاطر بالأفكار، وأن الوجه الذي كنت قد تخيلته أًمامي البارحة قد انتقل مباشرةً من دماغي إلى دماغ حفيدي، وهذه الظاهرة طبيعية، تحدث بين الأفراد الذين تربط بينهم علاقات عاطفية قوية، وحاولت مرة ثانية أن أتناسى الموضوع.
بعد عدة أيام كان حفيدي يجلس على الطاولة، يرسم بعض الوجوه، فشاهدت بينها صورة طبق الأصل لوجهي، فسألت حفيدي عن هذه الصورة، فأجابني متلعثماً والخوف يملأ عينيه، بأن صديقه جاك قد طلب منه أن يرسم صورتي، كما أكد عليه بألا يخبرني بذلك، لأنه سيحضر في منتصف هذه الليلة ليأخذ روحي.
في البداية حاولت ألا أصدق ذلك، لكنني نظرت إلى وجه حفيدي فوجدت البراءة والقلق في عينيه، وبخبرتي بأنَّ الحاسة السادسة عند الأطفال قوية، لأنهم يستشعرون بعفوية بالأحداث وهي قادمة من دون إشارات أو سابق معرفة، لما كنت أعاني من اضطرابات قلق الموت، فما كان مني إلا أن ذهبت بسرعة إلى غرفتي، جهزت حقيبتي، وأخذت بعض الملابس الضرورية، وكل النقود والأشياء الثمينة التي أمتلكها، وغادرت البيت من دون أن يلحظني أحد، ولم أترك أيَّ عنوان أو أثر حتى لا يتبعني جاك المشؤوم إلى مقرّي الجديد.