خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “العطش” للكاتب النرويجي “جو نيسبو” رواية بوليسية مميزة، لأنها ثرية بالأحداث المتشابكة والمفاجئة، وثرية بالشخصيات التي رسمها الكاتب بعمق، كما زودها الكاتب بمعلومات هامة بخصوص الأحداث التي يحكي عنها.
الشخصيات..
اليسا هيرمانستن: ضحية جريمة قتل، أول ضحية تظهر في الرواية، محامية تعمل كثيرا، وليس لديها عائلة، كانت تسعى للتعرف على رجل من خلال تطبيق على الانترنت متخصص في ذلك.
هاري هولر: البطل الرئيسي في الرواية، وهو محقق شهير ومتميز، يكشف الغاز الجرائم ويكرس حياته لهذا العمل المجهد، لكنه وبعد زواجه قرر التفرغ لحياته الخاصة والعمل كمدرس للطلاب في الشرطة ليعلمهم كيفية حل ألغاز الجرائم.
كاترين برت: بطلة في الرواية، وهي تعمل شرطية في مجال التحقيق في الجرائم، وقد حصلت على ترقية نتيجة لنجاحها في عملها، لكنها مع ذلك كانت قد انفصلت عن حبيبها وتعاني من الوحدة، والشعور بالرهبة من منصبها الجديد، وكانت تشغلها فكرة إدارة فريق كامل للتحقيق في الجرائم.
ميكائيل بيلمان: قائد الشرطة، هو مدير لمؤسسة الشرطة، وقد حصل على هذا المنصب بالتحايل وبالصعود على أكتاف الآخرين والاستفادة من قدراتهم، وظل يتلاعب بالموظفين لديه ليحقق مكاسب سياسية لأنه كان يريد الحصول على منصب وزير العدل.
مهمت: صاحب الحانة التي جلست فيها أول ضحية للقتل في الرواية، رجل تركي، تواجهه صعوبات في إدارة مقهاه وعليه ديون كثيرة، يتعاون مع الشرطة وينتهي مصيره بالموت.
برنشن: شرطي فاسد، نقله بيلمان إلى قسم التحقيق في الجرائم لأنه صديق له وكان يعاونه في أعماله، ويسرب “برنشن” المعلومات إلى الصحافة مقابل الحصول على المال، وهو يحب زوجة “بيلمان” لكنه لا يستطيع فعل أي شيء لأنه ظل طوال حياته يتم التعامل معه على أنه غير جذاب في المظهر الخارجي ويعامله الآخرون دوما على أنه أحمق.
بيورن هولمر: صديق “كاترين”، وهو يعمل في قسم الطب الشرعي، ويتعاون في كشف لغز الجرائم، وقد عادت إليه “كاترين” وأوشكا على إنجاب طفل.
سميث: طبيب في مجال علم النفس، يهتم بالتخصص في مجال المختلين نفسيا والذين يسعون إلى امتصاص الدماء، لكن يسخر منه الأطباء لأن مصاصين الدماء لا يشكلون حالة تستحق الدراسة، ولكي يثبت أهمية ذلك الموضوع وآراءه حول وجود ظاهرة امتصاص الدماء كنوع من أنواع المرض النفسي والاختلال، يحرض أحد مرضاه على ارتكاب جرائم متسلسلة ويساعده بمعونة مريض آخر ويحرك اللعبة بخيوط من الخارج، لكي يجهز أطروحته للدكتوراه عن جرائم مصاصي الدماء وتفسير ذلك، ليكتشف “هاري” تورطه بعد طريق طويل من البحث والتشويق ومحاولة حل الألغاز.
ليني هيل: مريض يعاني من اضطرابات نفسية كثيرة تؤثر على تفاعله مع النساء، وبالتالي لا يستطيع عمل علاقات سوية بهن، فيقرر ملاحقتهن والشعور بامتلاكهن لكنه مع ذلك لا يتجرأ على الانتقال إلى الخطوة التالية والقيام بممارسة العنف ضدهن، فهو فقط يكتفي بمراقبتهن ودخول منازلهن والاحتيال على ذلك وسرقة مفاتيحهن وعمل نسخ مقلدة عنها. لكنه مع ذلك مسالم وانطوائي وقد استغله الطبيب “سميث” في تزويد القاتل المتسلسل بالمعلومات والضحايا من النساء، وبكل الأدوات التي تمكنه من ارتكاب الجرائم.
فالنتين: قاتل متسلسل، يعاني من اختلال نفسي كبير لأنه جاء نتيجة اغتصاب والدته من قبل مجرم آخر يدعى “الخطيب”. هذا “الخطيب” يغتصب النساء ويصر على إجبارهن على الاحتفاظ بأطفالهن منه، وكانت والدة فالنتين إحدى تلك النساء وقد كرهت ابنها وكانت تعامله بشكل قاسي وتحبسه في الخزانة، وتحرمه من الطعام ولا تعتم به أو تراعيه، كما أن “فالتين” ورث في جيناته الرغبة في الاغتصاب والاعتداء على النساء من والده، فبحسب الرواية الجريمة تورث في الجينات من الأباء إلى الأبناء.
الراوي..
الراوي عليم يعرف كل شيء، ويتنقل في الأماكن بسهولة، ويحكي عن الشخصيات ويهتم برسمها بعمق، يحكي عن تاريخها وماضيها وعن أفكارها وأحاسيسها وصراعاتها النفسية ومخاوفها، ويهتم ببلورة تلك الشخصيات حتى وإن كانت شخصيات ثانوية سوف تظهر في مساحة قليلة في الرواية وتختفي، فهو يحكي عنها بعض المواقف التي يفهم منها القارئ بعض الأمور عن الشخصية.
السرد..
الرواية طويلة، عدد صفحاتها 595 من القطع المتوسط، ورغم ذلك تتميز بنسبة عالية من التشويق والإثارة، عزز ذلك التشويق المعلومات الثرية الذي يسوقها الكاتب عن جرائم مصاصين الدماء في الماضي وعن التفسيرات الخاصة بعلماء النفس حول الجرائم المتسلسلة، وعن جرائم حدثت بالفعل وملابساتها. كما كان خط سير حل الألغاز مشوقا وجاذبا للقارئ دون تطويل، كما تداخلت التفاصيل الحياتية والإنسانية للشخصيات من علاقات حب وعلاقات بين الآباء والأبناء مع القصة البوليسية المشوقة، كما أن النهاية جاءت مفتوحة حيث ظهر “الخطيب” بعد أن خرج من السجن في إشارة إلى استمرار جرائم الاغتصاب والقتل.
الوحشية في التعامل مع النساء..
انصبت الجرائم التي دارت في الرواية على النساء، حيث كان القاتل المتسلسل مولع باغتصاب النساء بعد قتلهن بوحشية، حيث كان يضاجع الجثث بعد موتها ونزفها دماء كثيرة، وكان مصحوبا برغباته الجنسية الشاذة امتصاصه لدماء ضحاياه، وكان تفسير الرواية أن ذلك نتيجة لسعى المجرم إلى السيطرة على الضحايا. وقد استشهدت الرواية بكون الإنسان في بداية حياته على وجه الأرض كان يشرب دماء ضحاياه ليشعر بالسيطرة والقوة، وأيضا لكي يأخذ جزء من روح ونفوذ ذلك الإنسان، وقد وسعت الرواية في تفسير الأسباب النفسية لارتكاب مثل هذه الجرائم الشنيعة المتسلسلة.
وكان اعتداء القاتل المتسلسل على النساء بسبب معاملة أمه القاسية له والتي أثرت فيه وجعلته مريضا، كما كان السبب أن جيناته الوراثية أهدته خلل والده النفسي، وكانت النساء هن الضحايا لأنهن أقل قوة رغم أن المجتمع النرويجي مجتمع أوربي متحضر. وقد كانت أداة الجريمة أداة غريبة، حيث استخدم القاتل فك حديد يستخدم في اليابان القديمة لأغراض الحرب، كما استخدم في فترة العبودية لكي يتسلى الأغنياء بقتل العبيد لبعضهم البعض.
وقد جمع الضحايا اللاتي تم قتلهن من قبل القاتل المتسلسل أنهن جميعا كن يبحث عن الحب، من خلال تطبيق على الانترنت يسهل التقابل بني النساء والرجال بغرض عمل علاقات حب، مما يعكس فكرة هامة عن هذا المجتمع الأوربي الذي يعاني فيه الإنسان من الوحدة، رغم نجاحه في العمل وفي الحياة العملية حتى أنه يضطر إلى استخدام تطبيق لكي يستطيع عمل علاقة حب.
العلاقة بين الشرطة والإعلام والجريمة..
كما استفاضت الرواية في رصد العلاقة ما بين مؤسسة الشرطة في النرويج وما بين الصحافة وما بين حدوث جرائم خطيرة ووحشية، حيث تسعى الشرطة دوما لحل الجرائم وكشف ألغازها والقبض على المجرمين، لكن أفرادها يشعرون دوما بالتهديد من قبل المجتمع الذي يرتعب سريعا ويحمل الشرطة مسؤولية حدوث الجرائم وتكرارها وانتشارها.
كما تشعر الشرطة بالتهديد من قبل الصحافة ووسائل الإعلام التي ليس لها معايير ثابتة وعادلة في التعامل مع الأخبار، وإنما تهتم وسائل الإعلام بالأحداث المثيرة والتي تجلب الكثير من المشاهدات والقراءات ومن إقبال الجمهور عليها، خاصة مع التطور التكنولوجي الهائل وكون الانترنت مكون أساسي تستخدمه وسائل الإعلام. فقد صورت الرواية انتهازية بعض العاملين في مجال الصحافة، الذين يركزون على تحقيق نجاحات صحفية والحصول إلى سبق صحفي وأخبار قبل الجميع، حتى أنهم لا يهتمون بأي شيء سوى ذلك، لدرجة أن صحفية مستعدة للتعامل مع مجرم وحمايته والتغطية عليه فقط لتحصل على سبق صحفي كبير.
كما أن قائد الشرطة نفسه فاسد لا يسعى إلى إلا لمصلحته الشخصية ولا يهتم بنشر الأمن في المجتمع، إلا بما يسمح له بتحقيق مكاسب فردية، ويستخدم الإعلام نفسه لتلميع صورته وللتضخيم من قضية ما أو التهوين منها كل ذلك لأجل مصالحه الفردية.
وبالنسبة للجمهور فنجد الرواية تشرح تقلباته ومخاوفه طبقا لما يدور في مؤسسة الشرطة والمؤسسات الإعلامية، فعندما تتوقف الشرطة عن إعطاء المعلومات يشعر الجمهور بالذعر، وعندما تتهافت وسائل الإعلام على تغطية الجرائم بأسلوب الإثارة الرخيص يصاب الجمهور بالذعر، وقد يتلاعب المسئولون عن الشرطة وعن مؤسسات الإعلام بالجمهور ومخاوفهم.
تعقيدات العلاقات الإنسانية..
وحكت الرواية عن تعقيدات العلاقات الإنسانية ما بين الناس في المجتمع، تعقيدات العلاقة ما بين الأب وابنه حين يشعر الابن بتقصير الأب، ويشعر بالرغبة في الانسلاخ عن والده، ويتبدل الموقف بعد أن كان يريد أن يكون نسخة مصغرة من والده يتجه إلى نمط حياة مخالف تماما لما اختاره والده. وتعقيدات العلاقة ما بين الرجل والمرأة خاصة في علاقة “هاري” بزوجته وعلاقة “كاترين” بشريكها، كما حكت عن الأمراض النفسية التي تنتج عن تلك التعقيدات ما بين الابن والأم.
كما طرحت عدة أفكار هامة، مثل أن الجرائم يتم توريثها طارحة فكرة السماح بالإجهاض للنساء في السبعينات في أمريكا، مما أدى إلى تقليل معدلات الجريمة، لأن السيدات حين يتعرض للاغتصاب أو حتى حين يحملن من علاقات عابرة، أصبح متاح لهن التخلص من نتائج تلك العلاقات، بدلا من أن يجلبوا للمجتمع أبناء مجرمين ومختلين نفسيا، أو تربية أطفال مختلين نفسيا نتيجة الحياة الصعبة لامرأة عزباء.
كما طرحت فكرة أن المجرم ربما يكون ضحية لشخص آخر، أو ضحية لمرض نفسي يفترسه، وأنه ليس شريرا بالمطلق وإنما إنسان اختل توازنه النفسي والعقلي والروحي.
الكاتب..
“جو نيسبو”، روائي وصحفي وموسيقار وخبير اقتصادي نوريجي، ولد في 29 مارس عام 1960. اشتهر بكتابة الأدب البوليسي. في مارس عام 2014، حققت كتب “جو نيسبو” مبيعات بلغت أكثر من 3 مليون نسخة في النرويج وحدها، كما بلغت كتبه المترجمة، والتي ترجمت إلى أكثر من 40 لغة، 23 مليون نسخة. كتب “جو نيسبو” أيضًا تحت اسم مستعار هو: “توم جوهانسون”، وتحولت بعض رواياته إلى أفلام سينمائية ضخمة. من الجوائز التي حصل عليها (جائزة بير جينت 2013، جائزة الشمس 2009، جائزة جلاس كي 1998).