تعد المسلسلات ذات البطولة الجماعية من أكثر أنواع الدراما تأثيرا على المشاهد، لأنها لا تقصر على مبدأ النجم الواحد في حالة اخفق في إقناع المتلقي بأدائه، فان مصير العمل سيكون الفشل. وقد سادت هذه الموجة من الإعمال التلفزيونية في فترة الثمانينيات والتسعينيات القرن الماضي من خلال تقديم روائع الشاشة العربية: ليالي الحلمية ، الشهد والدموع ، المال والبنون، بوابة الحلواني، رأفت الهجان، هوانم جاردن ستي، الراية البيضا، بشائر، الوتد وغيرها برغم أن هذا النوع من المسلسلات تحتاج إلى ميزانية مكلفة، وكاتب متمكن، ومخرج يستطيع يقرأ الأدوار بعناية فائقة، ويوظفها في إطارها الصحيح.
بعد رحيل رواد هذا النوع من الأعمال عن عالمنا ( نور الشريف، يوسف شعبان، محمود عبد العزيز) ولدَ هذا الرحيل فراغاً حاول بعض الفنانين ملؤه، ولكن إعمالهم لم تحظ بتلك الحفاوة والترحيب كما في السابق. الفنان المبدع يحيى الفخراني من هؤلاء برغم انه بذل جهدا كبير في إن تكون إعماله( عباس الأبيض، الخواجة عبدالقادر، ونوس ) بمستوى نجوميته لكن يبدو أن حلاوة (سليم ألبدري ) في ليالي الحلمية، و( أوبرا) في أوبرا وعايدة و(بشر) في زيزينيا، مازالت تلاحقه حتى اليوم فضلا على انه في السابق كان أكثر من نجم ينافسه على ادوار البطولة، ولعل حدة المنافسة هو الذي ولد نوعا من الإصرار إن يتميز كل ممثل بشخصيته. هذا الأمر ينجر إلى الفنان المتألق صلاح السعدني حيث اقترن اسمه بـ(العمدة سليمان الغانم) في ليالي الحلمية، و(ياسين)في ثلاثية نجيب محفوظ، و( حسن ارابيسك) في ارابيسك. ولم يحقق النجاح المنشود في عمارة يعقوبيان والقاصرات. ربما ينفرد النجم عادل إمام عن غيره من الممثلين عندما غير بوصلة إبداعه من السينما إلى التلفزيون بعد خصام طال عقود من أحلام الفتى الطائر حتى دموع عيون وقحة، فقد قدم إمام إعمالا أبهرت المتابعين العرب: فرقة ناجي عطاالله ، العراف ، أستاذ ورئيس قسم، مأمون وشركاؤه ، صاحب السعادة، ولكن هذا النجاح والتألق بدأت تخف وتيرته في: عفاريت عدلي ، فلانتينو، عوالم خفية ، حتى جعل نجم الكوميديا الأول يفكر في ابتعاد عن التلفزيون مؤقتا.
بعد هذه المرحلة حاول القائمون على الدراما تكرار التجارب السابقة من خلال البحث عن موضوع شيق يجمع اكبر قدر ممكن من نجوم الفن، ونجحوا في (سرايا عابدين) و(الجماعة)، وفشلوا في( الجماعة)و (الاختيار) لأنه هذا الأخير ينصف على نوع التوثيقي الدعائي الذي يمكن عرضه مرة واحدة بسبب معاصرته، وقرب الإحداث التي تناولها، فضلا على انتقالاته السريعة للإحداث التي أربكت المتابع برغم من الإمكانيات الهائلة التي حشدت، وبراعة الممثلين في إتقان أدوارهم، عكس المسلسلات السابقة يصلح عرضها لجميع الفترات الزمنية. أما مسلسل (نسل الإغراب) فقد جمع عدد لا بأس به من النجوم، ولكنه ضاع في موجة القتل والتدمير التي خيمت عليه لدرجة تحول إلى جبهة قتال ودمار، والمتلقي ينفر اليوم من هكذا مشاهد، ويحتاج إلى الابتعاد عن العنف المنتشر في إنحاء العالم. أما الفنان محمد رمضان فقد استطاع إن يحقق حضوراً كبيراً في : الأسطورة ، البرنس ،نسر الصعيد، ابن حلال ، بعد إن شاركه جملة من الفنانين الذين كان لهم فضل كبير في هذا الصعود السريع، ولكن هذه الفورة بدأ يقل تأثريها في(موسى ،والمشوار).
من الواضح إن مسلسلات البطولة الجماعية تحتاج إلى إمكانيات فنية ومادية وموضوع يستطيع جمع اكبر قدر من النجوم في عمل واحد، لاسيما إن بعض الممثلين بدأ يشعر انه النجم الأوحد الذي لا يريد إن يشاركه الآخرين، مما جعل القائمون على هكذا نوع من الأعمال يختارون الطريق الأسهل، والابتعاد عن تجربة تدور حولها صراعات، وأمزجة من صعوبة إقناعها في التخلي عن أنانية النجم الأول. ربما يوجد سبب آخر في انحصار هذا النوع من المسلسل هو إن هناك موجة تذهب إلى تفضيل المسلسلات الكوميدية على أختها التراجيدية لسهولة موضوعها وخفة ظله متناسين إن هذا النوع لا يعمر طويل خلا بعضها التي حققت جماهير بسبب امتزاج الضحكة بالعبرة الاجتماعية كما في مسلسل(يوميات ونيس) بطولة محمد وسعاد نصر في تسعينيات القرن الماضي و( رجل وست ستات) بطولة اشرف عبد الباقي ولقاء الخميسي في بداية القرن الواحد والعشرين وفي حين لم تحقق مثيلاتها النجاح المطلوب كالكبير أوي و عبود ماركة مسجلة ونيللي وشريهان وغيرها من المسلسلات التي ركزت على جانب الكوميديا وأهملت الجانب الاجتماعي . وقد يكون هناك سبب وجيه في التجلي عن نهج البطولة الجماعية هو إن أن كتاب هذا النوع من المسلسلات يستطيعون من خلال كتاباتهم صنع ملحمة مؤثرة فيها كل مقومات النجاح كنجيب محفوظ والسباعي و أسامة أنور عكاشة مع القدرة على استيعاب الكم الهائل من الشخوص وحركة الزمن فضلا على شعبيتها المتجذرة في الحارة والمدن القديمة وكيفية رسم حركة الناس بعناية فائقة.
قد يعد بعض المنتجين الإقدام على هكذا الأعمال مغامرة في حالة عدم الإعداد لها بصورة جيدة كي تكون مكملة لما سبق، وتعد بعض الذكريات الجميلة عن مسلسلات مازالت عالقة في ذهنية المتلقي العربي حتى اليوم . ربما يكون هذا التخوف مشروعا في ظل شيوع الأعمال ذات الإيقاع السريع وغير مكلفة ماديا لاسيما بعد ظهور موجة من الممثلين يحاولون إن يكرروا أنفسهم في كل مرة ، واختاروا الطريق الأسهل في الوصول إلى غايتهم. وفي حين فضل بعض من شغلوا الساحة الفنية إن يكونوا ضيوفا في هذا الإعمال خوفا من التهميش والعوز المادي ونسيان الجمهور الحالي لهم .