18 ديسمبر، 2024 9:36 م

الله في الشرق الأوسط -5

الله في الشرق الأوسط -5

أدناه الجزء الثاني من مقال (الله في الشرق الاوسط) من كتابي ( أحترم جداً هذا الدين) والمنشور عام 2021 بأكثر من تسع لغات .
رابعاً:
الشرق الأوسط كان أرض ظهور الكثير من الأديان المتتالية بسبب قدِم المجتمعات البشرية التي ظهرت فيه، وبالتالي فقد تضخم المورث الديني في مجتمعات هذه المنطقة من العالم بمفاهيم واصول وأحكام هذه الأديان والمتشابهة في كونها تُصوّر (الله) وكأنه قائد دكتاتوري يرحم ويغفر ويُكرِم مَنْ يُكثر المديح له ويُعادي وينتقم مِن مَنْ لا يعترف بقيادته وبالقصص الخيالية الواردة في كتب وشرائع (الأديان) التي ظهرت قبل آلاف السنين، فـ (الله) حسْب جميع الأديان ينتقم ويعذِب كل إنسان يفكر وينتقد الأحكام والقصص الخيالية في (الدين)، ويكون إنتقام الله من الإنسان أما أثناء حياته على الأرض أو بعد موته أو بكلاهما! حتى وإن كان ذلك الإنسان لم يؤذِ أحداً ولم ينتقص مِن حقوق أحدٍ في حياته!

خامساً:

ساهم (الدين) الموروث في أغلب مجتمعات الشرق الأوسط على إنغلاق تلك المجتمعات على نفسها وعلى التاريخ القديم لـ (الدين) فيها، حيث ترى أغلبية أفراد هذه المجتمعات أنّ أحكام الدين أو المذهب الديني المتوارث فيها هي الأحكام الوحيدة الصحيحة بين كل المذاهب والأديان، وان هذه الأحكام صالحة لكل زمان ومكان، وذلك وفقاً للثقافة الدينية المنغلقة على التاريخ القديم والتي يُموّلها ويستثمرها رجال الدين والمذهب الديني والمؤسسات الدينية ودور العبادة المرتبطة بتلك الثقافة، فأغلب أفراد مجتمعات الشرق الأوسط ورغم إنبهارهم بمديات حقوق الإنسان الواسعة وبالتطورات العلمية والحضارية في مناطق عديدة أخرى من العالم، يرون أنّ النظام الذي يُطبق الأسُس الدينية الموروثة هو الأفضل، ويرون أنّ سبب سواد التخلف في كل مجالات الحياة لمعظم مجتمعاتهم الشرقية يرجع الى سوء تطبيق الأحكام الدينية الموروثة وليس بسبب قصور تلك الأحكام، وغالباً ما يستشهدون بعظمة وأنجازات الدُول والممالك الدينية التي نشأت في الشرق الأوسط قبل عشرات القرون، ويتناسى أولئك الشرقيون أنّ (الدين) ليس قالباً جاهزاً يتم تناقله بين أجيال البشر وأنما هو إبتكار بشري قام به أشخاص معدودين بهدف إدارة أوضاع مجتمعاتٍ بشرية عاشت قبل آلاف السنين، حين إدّعى اولئك الأشخاص أنهم يتواصلون مباشرة مع الخالق (الله) الذي كلّفهم بِترأس وإدارة مجتمعاتهم البدائية والخالية حينها من أيّ شكل من أشكال الإدارة لاسيما بعد ظهور العملة النقدية المعدنية (المال) في حياة البشر، وما كثرة نشوء الإنقسامات الحادة والمتواصلة والتي تأخذ طابعاً دموياً في أحيان عديدة بين رجال وأقطاب وقادة الدين الواحد سوى تأكيد على أنّ الدين في حقيقة الأمر ليس هو الصورة الخيالية الرافضة للمال ولمغريات الحياة بحثاً عن الزهد ورضى الله وجنَته الموّعودة والمليئة بالذهب والنساء والخمور، تلك الصورة الخيالية التي يحاول دائما رجال الدين رسمها في رؤوس العامة من الناس لإيهامهم بضرورة تصديق القصص الخيالية والمفاهيم والأصول القديمة المذكورة في الدين، وما يترتب على هذا التصديق من ضرورة الإنصياع الى إرادات وأحكام رجال الدين ومعاداة ورفض أيّ نُظم حديثة بديلة عن نُظم الدين لإدارة شؤون الحياة، بينما تساوي النُظم الحديثة بين الناس وتعمل على ضمان العيش الكريم لجميعهم تاركة لكل فرد حرية أختيار ما يناسبه مِن فكرٍ أو دينٍ أو مُعتقد دون أنْ يَفرض ذلك على الآخرين.

الذين يتحدثون عن كمال الدُول أو المملكات الدينية القديمة يتناسون أنّ مراجعةً متأنيةً لأوضاع حقوق الإنسان في أزمان تلك المملكات الدينية ستُبين بوضوح لا يقبل الشك مدى الظلم الذي كانت تُعانيه أغلبية الناس في ظل تلك الممالك الدينية وذلك وفقاً للمفاهيم الحديثة لحقوق الإنسان في المساواة وحرية الفكر والتعبير وحقوق الإنسان في إختيار نمط حياته الجنسية الخاصة، ناهيك عن الصراعات الدموية المتواصلة التي كانت تجري بين قادة تلك الممالك الدينية والتي تتقاطع تماماً مع أسس كوْن (الدين) يرمز الى الزُهد عن الدنيا وأموالها والسلطة ومغرياتها.

أخيراً نقول أن هروب الكثير من شباب ومفكري الشرق الأوسط من بلدانهم ولجوءهم في الدول الغربية بحثاً عن الأمان وحرية التفكير والتعبير الممنوعة في معظم بلدانهم ساهم في إضعاف الجبهة الداخلية المضادة للأنظمة والأفكار الدينية التي تَفرض الدين على المجتمع بحجة الإيمان بـ (الله) بينما تقوم هي بسرقة أموال وحريات كل أفراد المجتمع واعِدة إياهُم بحصولهم على تلك الأموال والحريات وبشكل مضاعف ولكنْ بعد الموت!

يُردد العديد من المثقفين الشرقين كلاماً قد يختصر صورة (الدين) في مجتمعاتهم حيث يقولون ما يَعني أنّ بلدانهم تفتقر الى مستشفى واحدة متطوّرة لعلاجهم لكن بلدانهم هذه فيها الألوف من بيوت العبادة الفخمة البناء لتُصلّي عليهم بعد الموت!

الأغلبية العظمى من أفراد مجتمعات الشرق الأوسط وبضمنهم أغلب رجال الدين والمذاهب الدينية يدركون جيداً صحة كل ما تضمّنته سطور هذا المقال عن مجتمعاتهم وعن الدين ورجال الدين فيها، لكنّ هذه الأغلبية العظمى تتحاشى الإجهار بهذا خوفاً على مصالحها، وظنّاً منها بإحتمال جهْل الآخرين لمثل هذا الإدراك!

يرى أغلب مثقفي العالم، إنّ الإنسان ورغم ما توصّل اليه من علوم عظيمة ما يزال لغاية يومنا هذا يحاول علمياً الكشف عن أسرار الكوّن وأسرار الحياة والموت، دون أنْ يكون لمثل هذه المُحاولة حُكْم سابق حول فكرة وجود أو عدم وجود (الله).

يتبع ..