على مشارف “2023” .. سؤال “حافة الهاوية”: كيف فقد الغرب سيطرته على العالم في 2022 ؟

على مشارف “2023” .. سؤال “حافة الهاوية”: كيف فقد الغرب سيطرته على العالم في 2022 ؟

وكالات – كتابات :

من حرب “أوكرانيا” إلى كارثة (كورونا) المتجددة في “الصين”، ومن التضخم إلى التغيّر المناخي.. وما بين كل ذلك من صراعات وحروب؛ كيف فقد الغرب السّيطرة خلال 2022 ؟

يُعاني العالم من أزمات متعددة كل عام، بعضها يكون كوارث طبيعية والبعض الآخر يكون من صُنع البشر، إلا أن عام 2022؛ قد شهد أحداثًا حفرت مكانها في التاريخ دون شك، منها الحرب في “أوكرانيا” التي أثرت سلبيًا على جميع دول العالم وشعوبه، رغم أن رحاها تدور على الأراضي الأوكرانية حصريًا، باستثناء بعض الهجمات النادرة في العمق الروسي؛ بحسب الدعايات الأميركية والغربية.

وعلى الرغم من أن الحرب في “أوكرانيا”، التي تصفها “روسيا” بأنها: “عملية عسكرية خاصة”؛ بينما يدعي الغرب بأنها: “غزو”، ليست المرة الأولى التي يندلع فيها صراع مسّلح منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، فإن اندلاعها في شباط/فبراير جعل عام 2022، واحدًا من أسوأ الأعوام خلال تلك الفترة، إن لم يكن أسوأها على الإطلاق؛ كما يدعي تقرير بريطاني موجه.

مجلة الـ (إيكونوميست) البريطانية؛ نشرت تقريرًا عنوانه: “ما الذي عناه عام 2022 بالنسبة للعالم ؟”، رصد كيف أن العام، الذي يستعد للرحيل، وضع العالم في اختبار من النوع شبه المستحيل.

حرب “أوكرانيا” وانتخابات الغرب..

إذ طرح عام 2022؛ أسئلةً صعبة من الحرب في “أوكرانيا” إلى (كوفيد-19) في “الصين”، ومن التضخم إلى التغيُّر المناخي، ومن التوترات “الصينية-الأميركية” إلى الانتخابات المحورية.

ولم يُدخِل هذا الاختبار القاسّي العالم في اتجاهٍ جديد فقط، بل يبدو أنه أظهر العالم بصورة جديدة تتشكل حاليًا.

كانت المفاجأة الكبرى – ومحل الترحيب الأكبر من الغرب – هي مرونة الدول الليبرالية في الغرب بصورةٍ عامة، فحين أَمَرَ الرئيس؛ “فلاديمير بوتين”، القوات الروسية بدخول “أوكرانيا”، في 24 شباط/فبراير 2022، كان يتوقع إنهيار حكومة دولة فاسدة. كما كان يُراهن على فشل الغرب المتفسخ والمنقسم منذ قرن، بعد الانسحاب المُذّل من “أفغانستان”؛ في 2021، في إدانة “روسيا” من خلال تقديم دعم ضخم لـ”أوكرانيا”.

في الواقع، تحول الرئيس الأوكراني؛ “فولوديمير زيلينسكي”، وشعبه إلى مصدر إلهام بشأن تقرير المصير والحرية، وكيف أنهما يستحقان الموت من أجلهما، بحسب الرؤية الغربية بطبيعة الحال (التي تروج لها في دعاياتها المتكررة؛ والتي لن يخرج هذا التقرير البريطاني عليها).

وفي هذا السياق؛ ألقت الحكومات الغربية بثُقّلها خلف البطل الجديد للديمقراطية بعد تصاعد الدعم الشعبي، ويُقّدم الغرب، بقيادة إدارة “جو بايدن”، الأسلحة والمسّاعدات على نطاق لم يكن حتى الصقور المتشّددون يتصورونه.

وفي الانتخابات الداخلية، جعل الناخبون أصواتهم مسّموعة، ووقفوا في وجه الشعبويين الذين يخرقون المحظورات، ففي “أميركا”، وعلى الرغم من نسّب الدعم الشعبي المريعة؛ لـ”جو بايدن”، استخدم الوسطيون بطاقات اقتراعهم ليُحّافظوا على الحقوق الأساسية.

وخسر تقريبًا كل منكري الانتخابات المتشّددين الذين دعمهم؛ “دونالد ترامب”، في السّباقات الانتخابية المحتدمة المنافسة.

إذ كان الحزب (الجمهوري) يروّج بقوة لحدوث: “موجة حمراء”؛ في الانتخابات النصفية 2022، لكن أتت الرياح بما لا تشتهي سفن الحزب، وصمد الديمقراطيون بشكلٍ مفاجيء، واعتبر كثيرون أن “دونالد ترامب” هو الخاسّر الأكبر.

حيث تمكن الديمقراطيون من المحافظة على أغلبيتهم الهشة جدًا في “مجلس الشيوخ”، بل تمكنوا من زيادة نسبة تلك الأغلبية، فحصل حزب “بايدن” على: 51 مقعدًا بالفعل في “مجلس الشيوخ”، من إجمالي: 100 مقعد، مقابل: 49 مقعدًا لحزب “ترامب”.

وفي “فرنسا”؛ موَّهت “مارين لوبان” أصولها اليمينية المتشّددة، لكنَّها مع ذلك انهزمت أمام “إيمانويل ماكرون”.

ومالت “جورجيا ميلوني” إلى الوسط، بعدما أصبحت أول رئيسة وزراء يمينية متطرفة في “إيطاليا” بعد الحرب العالمية الثانية.

وحتى في “بريطانيا” المتّعثرة، يُقدِّر حزب (العمال) وحزب (المحافظين) الحاكم؛ أنَّ الانتصار في الانتخابات يكمن بعيدًا عن المتطرفين الشعبويين في اليمين واليسار.

العالم منقسّم بصورة غير مسّبوقة !

وبينما تسعى الديمقراطيات الغربية المضطربة إلى الصمود في وجه التحديات الضخمة، تواجه الأنظمة في “موسكو” و”بكين” ظروفًا لا تقل صعوبة، فالرئيس الروسي هو المثال الأبرز، لكنَّه ليس المثال الوحيد.

فبعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات عقب وفاة؛ “مهسا أميني”، قيد الاحتجاز، والتي اعتُقِلَت لعدم إلتزامها بالقواعد في إرتداء حجابها، لجأت قوات الأمن في “إيران” لإطلاق النار على وجوه وصدور النساء المحتجات، الآن وقد فقد النظام الإيراني ثقة شعبه، لم يُعد لديه من وسيلة سوى العنف.

ووسَّع الرئيس؛ “شي جين بينغ”، هيمنته على الحزب (الشيوعي الصيني)، فنصَّب نفسه رئيسًا دائمًا للحزب وأقوى زعيم منذ “ماو تسي تونغ”، لكنَّ خطواته لتهدئة سوق العقارات وكبح جماح التكنولوجيا الاستهلاكية ومنع انتشار فيروس (كورونا) ألحقت أضرارًا كبيرة بالاقتصاد. ففي ظل انتشار الفيروس اليوم، بات واضحًا أنَّ حكومته أهدرت شهورًا كان ينبغي فيها أن تُطعِّم كبار السن وتُخزِّن الأدوية وتصنع أسِرَّة للعناية المُركَّزة؛ بحسب ادعاءات التقرير البريطاني.

حتى السّيطرة الاجتماعية الشاملة في “الصين” أظهرت تصّدعات، ومع أنَّ قوات الأمن الصينية قمعت الاحتجاجات واسعة النطاق الشهر الماضي، تشرين ثان/نوفمبر، كانت تلك الاحتجاجات قد اشتعلت جزئيًا نتيجة مشاهدة حشود بلا كمامات في “قطر” تستمتع بكأس العالم.

وبالنسبة لكل أولئك الذين يتبنّون القيم الليبرالية التقليدية، فإنَّ المرونة الغربية تبدو مُشجِّعة، وتُمثِّل تغييرًا كبيرًا بعد تراجعٍ طويل، لكنَّ ما أظهرته تحديات وأحداث عام 2022؛ كشفت أيضًا عن عمق انقسامات العالم وأفسحت المجال أمام مبدأ الحكومة الضخمة.

ولتعيّين الانقسامات، تظهر مقارنة الدعم شبه العالمي لـ”أميركا”؛ بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، بتصميم الجنوب العالمي على البقاء على الحياد في معركة “أوكرانيا”، عن مدى عمق الانقسامات ومدى تصدع النظام العالمي الحالي، الذي أصبح غير مرغوب فيه على نطاق واسع.

ففي آخر تصويت لـ”الأمم المتحدة” لتوبيخ “روسيا”، امتنع: 35 بلدًا عن التصويت. يشعر الكثيرون بالاستياء من الكيفية التي يؤكِّد بها الغرب أنَّ مخاوفه هي قضايا عالمية المبدأ، في حين أن الحرب في “اليمن” أو منطقة “القرن الإفريقي” مثلاً؛ أو حالات الجفاف والفيضانات المرتبطة بالمناخ تبدو دائمًا قضايا إقليمية.

لماذا فقد الغرب قدرته على قيادة العالم ؟

أصبحت القيم الليبرالية الغربية محاصرة في معظم العالم، فعلى الرغم من هزيمة “غايير بولسونارو”؛ في “البرازيل”، تقبع الديمقراطية تحت الضغط في “أميركا اللاتينية”. ويُحاول “بنيامين نتانياهو”؛ في “إسرائيل”، تجنُّب السجن بتهم الفساد، من خلال تشكيل ائتلاف مع اليمين المتطرف الكاره للعرب، وهو ما نجح فيه مؤخرًا.

ويعج اقتصاد “الهند” بالمشروعات المسّتندة إلى التكنولوجيا، لكنَّ السياسة هناك هي سياسة مغالبة ومستهجنة وقاسية، إذ يسعى “ناريندرا مودي”؛ إلى تحويل “الهند” إلى دولة هندوسية قومية، من خلال اضطهاد وقمع الأقلية المسلمة هناك.

وتتعرض فكرة الحكومة المحدودة لضربة كبيرة في مختلف أنحاء العالم. فبسبب صدمة الطاقة بعد الهجوم الروسي على “أوكرانيا”، تُغدق الحكومات الأوروبية الأموال من أجل تثبّيت الأسعار. وهي أيضًا تُعزز الابتعاد عن “الوقود الأحفوري”، وهو في حد ذاته هدف محل ترحيب، باستخدام السياسة الصناعية بدلاً من السوق.

وكان جواب “أميركا” على ما تراه خطرًا على ريادتها من جانب “الصين” هو وضع الحواجز التجارية وسياسات الدعم من أجل فك الارتباط مع الاقتصاد الصيني وتعزيز الصناعات المحلية، وهذا أمر بالغ السوء ويُضِرُّ بحلفاء “أميركا”.

وانتشرت القومية الاقتصادية، إذ غيَّرت العطايا والمنح خلال الجائحة التوقعات من الدولة. فقد يكون التدمير الخلّاق، الذي يُعيد تخصيص رأس المال والعمالة، غير مسّتساغ بالنسبة للسّكان المسّنين الذين يولون أهمية أقل للنمو الاقتصادي والناخبين الأصغر سنًا الذين يتبنّون سياسات الهُوية.

لكنَّ سّجل رأسمالية الحكومات الضخمة سييء. فبالنظر إلى معدلات التضخم التي وصلت إلى أعلى مستويات لها منذ عقود، والتي نجمت جزئيًا عن السياسات المالية والنقدية غير المناسبة، لا سيما في “أميركا”، من الغريب أن يُريد الناخبون مكافأة السياسيين والمسؤولين من خلال منحهم سلطة على أجزاء من الاقتصاد ليسوا مُؤهَّلين لتسّييرها.

إذا حكمنا إنطلاقًا من المعيار الليبرالي للحكومة المحدودة واحترام كرامة الفرد والثقة في التقدُّم الإنساني، فإنَّ عام 2022؛ كان مختلط النتائج. مع ذلك، هنالك أمل.

لقد كان الغرب متغطرسًا بعد إنهيار الشيوعية السوفياتية، وقد دفع الثمن في “العراق وأفغانستان” والأزمة المالية العالمية بين: (2007 – 2009).

وفي عام 2022، بعدما هزَّته الشعبوية في الداخل والصعود الاستثنائي لـ”الصين”، واجه الغرب تحديات ضخمة، فهل يتمكن من الوقوف على قدميه مرة أخرى ؟

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة