انتهت دورة قطر لكأس العالم بحفل رائع من الألوان والاجناس والاعراق على شاكلة تنوع الدول المشاركة وشعوبها وسط بهجة وفرح جميع المشاركين والمشجعين والمتابعين الذين يتجاوز عددهم بضع مليارات حول العالم. ففي فرنسا حازت القناة الأولى على مشاهدة اعتبرها الاعلام تاريخية اذ تابع المباراة النهائية بين فرنسا والأرجنتين 24 ,08 مشاهد وصل الى 29,04 مع مشاهد الضربات الترجيحية بين الفريقين. ورغم مرارة الخسارة الفرنسية امام الارجنتين الا ان عددا من الكتاب والأساتذة الجامعيين قد كتب ما شاهده سواء بذهابه الى الدوحة لحضور المباراة ام من تابعها عبر الشاشات ;وكذلك رأينا شهادات للمشجعين الذين حضروا مباريات فريقهم خلال هذا المونديال. بعد الحملة الشرسة التي استهدفت قطر والتي التحق بها سياسيون وعمدات مدن في فرنسا ، عنونت صحيفة اللوموند احدى مواضيعها ان المقاطعة فشلت، لكن الحقيقة هي ان المقاطعة لم تفشل فقط بل انها جعلت من المشاركين فيها موضع استهزاء عام ثلمت مصداقيتهم امام الرأي العام الفرنسي بدليل التعليقات الكثيرة التي كتبت من المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى صفحات اليوتيوب وغيرها من المنصات، غالبية التعليقات ان لم نقل كلها صبت على الإشادة بتنظيم قطر للمباراة وبالتمكن من تقديم دورة استثنائية وتاريخية لن ينساها العالم متهكمين على تصريحات أصحاب حملة المقاطعة من اعلاميين وسياسيين ومثقفين وكتاب وعلى الكيل بمكيالين لمن لا يزال يتحدث منهم بسوء.
ومن ابرز من أجاب عن الحملة الإعلامية الفرنسية لتشويه المونديال بعد عودته من حضور المباراة النهائية بين فرنسا والأرجنتين هو باسكال بونيفاس رئيس معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، الذي قال بأن هذا المونديال تاريخي وان من انتقدها هو الغرب فقط متمثلا ببعض الدول بينما لم نسمع ذلك من دول افريقيا وغيرها وتم اعتبار هذا النقد عجرفة غربية واستطرد في فديو له عن ختام هذه المباراة بالقول : استطاعت قطر توحيد الصف العربي رغم الخلافات الحكومية بين الدول العربية وانظمتها شهد عليها تواجد ولي العهد السعودي الملك محمد بن سلمان ،وانه على عكس ما قيل فأن قطر بلد يمكن التعامل معه وليس كما حاول الاعلام تصويره هنا، وقال : لماذا لا يتكلم المنتقدون عن الأطفال في الكونغو الذين تستغلهم شركات الهواتف لاستخراج المواد الأولية في الصناعة والذين يتقاضون دولارا واحد ، انهم لا يتكلمون عن ذلك ولا يتكلمون عن الموتى في هذه المناجم ! وختم ان كل الدول المشاركة بضمنها الاوربية شهدت على النجاح والتنظيم المبهر. وفي جريدة اللوموند كتب أستاذ العلوم السياسية جان بيار فيلو مقالا بعنوان: حضور فلسطين في مونديال 2022 ذكر فيه ان العلم الفلسطيني والكيفية التقليدية كانا حاضرين طوال فترة المونديال وقد رفع المنتخب المغربي علم فلسطين حتى الدور نصف النهائي ليحتفل المشجعون العرب بنفس الحماس بلعب المنتخب الاستثنائي وبتعلقهم وبارتباطهم الشعبي بالقضية الفلسطينية في تظاهرة جديدة وعميقة من التضامن العربي بغض النظر عن الحسابات والخلافات للقادة العرب، مشاعر لا يفهمها الغرب!
جاءت هذه الردود التي استقبلت بتفهم كبير وباحترام من المتابعين لموضوعيتها لتدحض تخرصات عددا من المدافعين والمكلفين بالدفاع عن السياسة الإسرائيلية والاحتلال ممن يحتلون يوميا أستوديوهات القنوات الإخبارية وبالأخص اليمينية المتطرفة منها لينثوا سمومهم ضد العرب والمسلمين الفرنسيين منذ خمسة أجيال وليسوا من اللاجئين الجدد بسبب مناصرتهم للحق الفلسطيني والعربي. وأول هؤلاء هو المحامي ويليام غولدنادل وهو رئيس جمعية فرنسا إسرائيل “ومحامون دون حدود” المعتمد من عدة صحف ومجلات ومن قناة سي نيوز الإخبارية اليمينية المعادية للمسلمين للحديث بشكل منتظم يوميا في الشأن السياسي بمهمة كلف بها لتشويه صورة العرب والمسلمين خصوصا في فرنسا وليدافع عن كيان الاحتلال وسياسته ضد الشعب الفلسطيني اذ اعتبر بعد مباراة المغرب مع البرتغال وهو صاحب الجنسية الفرنسية الإسرائيلية ان افتخار المسلمين والعرب بالمنتخب المغربي لا يسمح بالتعصب وبالعنف وان التعايش بين العرب والمسلمين الفرنسيين هو مجرد وهم ! اما عن العنف فأن ما حصل في بلجيكا من عنف بعد فوز المغرب فكان بسبب “خروج منظم” لبعض المتطرفين العنصريين المعروفين للشرطة البلجيكية الذين ازعجهم فوز المغرب وخروج العرب للاحتفال بهذا النصر وحدثت مشادات وهذا ليس دفاعا عن الشباب العربي لكن هذا ما حدث حسب ما نقلته أجهزة الاعلام ووزارة الداخلية، اما في باريس وفرنسا فلم يكن هناك أي عنف بحسب وزارة الداخلية وبحسب تصريح وزيرها بنفسه امام البرلمان اذ قال ان حصيلة الاحتفال في الشانزليزيه كانت تكسر واجهة مقهى واحد وتكسير دراجتين كهربائية واستدعاء 266 شخص فقط على عكس ما تم تداوله في الأوساط اليمينة العنصرية رغم ان الاحتفالية وصلت الى خمس وعشرين الف مشجع.
ويبدو ان الحملة الإعلامية الصهيونية لهؤلاء بهذه المناسبة كانت بالتحديد : “أطروحة التعايش في فرنسا مع الفرنسيين من أصول عربية ومسلمة هو وهم “ بهدف قصفها وتهديمها بدليل ان زميل له هو الكاتب والأستاذ الجامعي “الان فينكلكروت“ ردد نفس الكلام بعنجهية وعصبية تشي بعصابية اكثر منها موقف لأستاذ فلسفة عقلاني وموزون اذ ، وهو بيت القصيد في كل الحملة الصهيونية في فرنسا ، صرح لإذاعة اوربا 1 وهو يرتجف : كيف يرفع العلم الفلسطيني في المونديال وهو ممنوع من الفيفا ، ان هذا العمل معناه ان كل المشجعين سيجدون انفسهم مع هذا العلم ، ورغم انني مع حل الدولتين فأن رفع العلم غير مقبول ! اما الكاتب جان مارك بن حمو فقد ذهب بعيدا جدا في مداخلته لقناة i24الإسرائيلية اذ طلب من ملك المغرب ومن الحكومة المغربية تقديم اعتذار للكيان الإسرائيلي لرفع المنتخب المغربي للعلم الفلسطيني في المونديال. وفي التعليقات عن هذا التصريح نقرأ: من تكون يا هذا؟ وتعليق آخر: انها نكته ان تطلب انت من الملك الاعتذار! وبأي صفة؟
هذه الحملة المنظمة من الداعمين لدولة الاحتلال بسبب رفع علم فلسطين هي ما يفسر الكثير مما حدث بعد ذلك في المونديال من عمل الفيفا ومحكميها! ورغم ذلك فأن النجاح الباهر لا يمكن تغطيته بغربال ولا بحملة مفضوحة ولا يمكن محاصرة ومنع الاشادات العالمية بالتنظيم والسلامة والامن والاستقبال والحفاوة والكرم في انحاء العالم سواء من كبريات الصحف الامريكية كما صحيفة نيويورك تايمز التي صدرت قبل أيام بعنوان: مونديال 2022 هو مونديال المغرب وسيبقى دائما، كذلك كتبت الصحف الرياضية بضمنها الصحافة الرياضية الفرنسية واعلاميها الذين انصفوا قطر ضد التشويه وتحدثوا باحترام عن منتخب المغرب وما يستحقه ومن قبل المشجعين الكثر الذين حضروا من مختلف البلدان والقارات وشعوبهم. لقد تفاجئ المقاطعون وخذلوا هم ومن ورائهم من حكومات واوساط ارادت فرض اراداتها وقيمها الجديدة البائسة التي ارادت رفع وفرض شعار المثلية في حال انتصار فريقها بينما اختتمت قطر المونديال بحفلة من مختلف الأعراق والاجناس والألوان تجمعهم البهجة والفرح والتسامح الحقيقي وليس التسامح الكاذب للمبشرين الجدد بعالم بدون قيم روحية، عالم رقمي يهمش فيه الانسان وتدمر انسانيته وحضاراته المختلفة. اما الرسالة الأهم التي وصلت للعالم وللإنسانية اجمع فهي رسالة تاريخية لتوحد العرب في قضيتهم، قضية فلسطين ورفضهم للاحتلال والتطبيع التي يحملونها في قلوبهم ومشاعرهم من جيل الى آخر ومن المحيط الأطلسي الى الخليج العربي ليتآزر معهم الملايين حول العالم.