خاص: إعداد- سماح عادل
“غائب طعمة فرمان” روائي عراقي، له إسهاماته الهامة في تاريخ السرد العراقي.
كاتب مؤثر..
ولد في بغداد عام 1927 وتوفي في موسكو في عام 1990. من أهالي محلة المربعة في بغداد. فيقول عنه “جبرا إبراهيم جبرا”: (يكاد يكون غائب طعمة فرمان الكاتب العراقي الوحيد الذي يركب أشخاصه وأحداثه في رواياته تركيبا حقيقيا). وقد قال الدكتور “زهير ياسين شليبه” عن أطروحة دكتوراه في معهد الاستشراق الروسي عام 1984 مكرسة لنتاجات “غائب طعمه فرمان،” ووصف رواية “النخلة والجيران” (رائعة الأدب العربي الحديث) معتبراً إياها أول رواية عراقية فنية تتوفر فيها مقومات النوع الروائي بالمواصفات الأوروبية الحديثة.
صَدرت كتب عن أعماله مثل كتاب الدكتور”زهير ياسين شليبه” بعنوان «غائب طعمه فرمان. دراسة نقدية مقارنة عن الرواية العراقية»، عن دار الكنوز الأدبية في بيروت عام 1996، وكتاب الأستاذ أحمد النعمان «غائب طعمه فرمان. أدب المنفى والحنين إلى الوطن» في عام 1996 ، الذي يضم مقالات عدة كتّاب عراقيين معروفين مكرسة لهُ ولذكرياتهم عنه. وقال عنهُ “محمد باروت”: (كان غائب عراقيا في كل شيء حتى في الرواية التي رآها «برلمان الحياة الحقيقي» إذ كثف في هذه الرواية كل فهمه لطبيعة الرواة ووظيفتها، ففي قاع الحياة الشعبي، وقائعه وأحداثه وعلاقاته وتفاصيله ومشاهده، تنهض رواية غائب وتتكون، وكأنها ترتقي بنثر الحياة اليومي، هذا الذي يبدو معادا ومكرورا وأليفا إلى مستوى الملحمة والتاريخ، أي إلى مستوى الكلية). وقال عبد الرحمن منيف عن غربة غائب: (لا أعتقد أن كاتبا عراقيا كتب عنها كما كتب غائب، كتب عنها من الداخل في جميع الفصول وفي كل الأوقات، وربما إذا أردنا أن نعود للتعرف على أواخر الأربعينات والخمسينات لابد أن نعود إلى ما كتبه غائب).
وتقول الدكتورة “يمنى العيد” عن رواية “المركب”: (المركب وسيلة عبور وعنوان مرحلة للمدينة التي غادرها غائب ولم يعد إليها، المركب لا تحكي الماضي بل الحاضر المكتظ بالمعاناة التي تدفع راكبيه إلى الالتفات إلى ماضيهم بحسرة). ونشر “محمد دكروب” ذكرياته مع “غائب طعمة فرمان”، وكذلك فعل “سعد الله ونوس”.
أعماله..
- حصاد الرحى (مجموعة قصص) 1954.
- مولود آخر (مجموعة قصص) 1959.
- النخلة والجيران (رواية) 1966.
- خمسة أصوات (رواية) 1967.
- المخاض (رواية) 1973.
- القربان (رواية) 1975.
- ظلال على النافذة (رواية) 1979.
- آلام السيد معروف (رواية) 1980.
- المرتجى والمؤجل (رواية) 1986.
- المركب (رواية) 1989.
ترجماته..
ترجم نحو ثلاثين كتابا ونال جائزة رفيعة على جهده في هذا الجانب ومن ترجماته:
- أعمال تورجنيف في خمسة مجلدات.
- القوزاق لتوليستوي.
- مجموعة قصص لدستويفسكي.
- مجموعة قصص لغوركي.
- المعلم الأول لايتماتوف.
- مجموعة أعمال بوشكين.
- لوشين عملاق الثقافة الصينية.
إعادة عالم زائل..
في مقالة بعنوان (غائب طعمة فرمان… إعادة عالم زائل إلى جغرافيا الوجود) كتب “لؤي عبد الإله”: “قد يكون مناسباً تذكر حقيقة أن غائب طعمة فرمان، قد كتب كل رواياته الثماني خلال سنوات إقامته في موسكو، حيث كان يعمل مترجماً في دار التقدم، فروايته الأولى «النخلة والجيران»، انتهى منها عام 1964 أي بعد مرور 20 سنة على أحداثها، وبعد اختفاء كثير من معالمها القديمة وحلول شوارع ومحلات ومدارس ومستشفيات ومساكن جديدة محلها.
تشكل هذه الرواية مع الروايتين اللاحقتين؛ «خمسة أصوات» (صدرت عام 1967)، و«المخاض» (عام 1973) ثلاثية مترابطة (رغم تغير شخوصها)، والبطل الحقيقي فيها هو بغداد نفسها، وما أعنيه ببغداد، سكانها الذين صاغت أزقتها ونهرها وموقعها وتاريخها القديم مزاجهم ولهجتهم؛ قيمهم وقناعاتهم؛ حرفهم وعاداتهم.
تتناول هذه الروايات ثلاث فترات زمنية ذات تأثير بالغ على ما ترتب عن كل منها؛ «النخلة والجيران»: أواخر الحرب العالمية الثانية واقتراب خروج القوات البريطانية من بغداد والمدن الكبرى… «خمسة أصوات»: عشية إلغاء الانتخابات التشريعية عام 1953 وفرض الأحكام العرفية؛ «المخاض»: بعد عام ونصف العام على وقوع ثورة 14 يوليو (تموز)، وبداية الاحتراب الداخلي بين حلفاء الأمس، ولعل أنسب تعبير لوصف هذه اللحظات التاريخية هو «العتبة».
في «النخلة والجيران» يستخدم غائب الحوار وسيلة لتقديم شخصياته، إذ يحتل ما يقرب من ثلاثة أرباع صفحات الرواية، وبفضل استخدامه للعامية تصبح شخصياته حقيقية فنياً على الرغم من أنها نمطية ومتشابهة بعضها مع بعض”.
برلمان الحياة العراقية..
في مقالة ثانية بعنوان (روايات غائب طعمة فرمان.. برلمان الحياة العراقية) كتب “جاسم العايف”: “لا يمكن تناول الرواية العراقية بالبحث والدراسة دون تناول أعمال “غائب طعمة فرمان” الروائية لأهميتها ومكانتها الريادية في الأدب العراقي. لعبت نتاجات “غائب طعمة فرمان” الثقافية والأدبية والفكرية دوراً مهماً في تعميق وبلورة الوعي الاجتماعي- الإنساني في الصراع ضد أشكال القهر والقسوة والتردي والتخلف، وحفّزت الكثيرين على دراستها واستكشاف عوالمها الفنية.
اهتم أغلب الدارسين والنقاد العرب والعراقيين بعطاءات غائب الروائية وكتب عنها وعنه في اللغة العربية والإنجليزية والروسية والألمانية ولغات أخرى، وفي المقدمة منها روايته “النخلة والجيران” وكثرة هذه الدراسات والبحوث وتنوع واختلاف مناهجها ورؤاها عائد بالأساس إلى غنى وطراوة وثراء وتنوع هذه العوالم الروائية.
بدأ غائب شاعراً ثم قاصاً وامتهن الصحافة، وعاش في مصر وسوريا ثم استقر في موسكو مترجماً ليغني المكتبة العربية بترجمته أكثر من ثمانين كتاباً عن الإنجليزية والروسية حتى وفاته في موسكو في السابع عشر من آب عام 1990″.
ويضيف: “عانى “غائب طعمه فرمان” من الغربة بأبعادها المكانية والزمانية والنفسية، متجاوزا ذلك في رواياته عبر ذاكرة خصبة ثرية استوعبت رغم السنوات والمسافات أدق الخصائص والملامح الزمكانية للعراق. وبقيت الروح والهواجس والتطلعات المحلية – الشعبية بكل مذاقاتها ومهيمناتها الاجتماعية تؤثر في كتاباته القصصية والروائية بما كان من أساليب التعاطف مع والدفاع عن الإنسان العراقي، فقد دافع عن أشخاص يعرفهم اجتماعياً ويتبنى قضاياهم ويتعاطف معهم إنسانياً، مؤكداً في هذا كله أن قضيته كاتباً وقاصاً وروائياً لا تخرج عن هذا الإطار.
وبقيت شخصياته الروائية في حركتها وتحولاتها وطموحاتها وخيباتها وأحلامها وفراداتها تتجول داخل بغداد-، الأربعينيات وما بعدها، بأزقتها الضيقة التي أندرس بعضها، وأعاد غائب خلقها روائياً، حية دافقة بالروح والغنى والثراء والبؤس والقهر والألم البغدادي العراقي”.
قاع المجتمع العراقي..
ويصفه بأنه: “وجّه” غائب” اهتمامه إلى كشف (قاع) المجتمع العراقي في ظروف الحرب العالمية الثانية وقدم بانوراما أدبية- فكرية فنية غنية للواقع العراقي والشعبي بالذات، في زمن الاحتلال البريطاني الأول للعراق وما افرزه من تحولات ومظاهر اقتصادية- اجتماعية مثل السوق السوداء، الجرائم، البغاء، الفقر، الجوع، المرض، الأمية وأنواع الانتهاكات الأخرى. يتفق اغلب الدارسين في حقول الأدب العراقي على أن البداية الفنية الحديثة للرواية العراقية، كانت بصدور “النخلة والجيران” والتي أثارت اهتماماً واسعاً لدى النقاد العرب والعراقيين وكذلك الدارسين الأجانب”.
غلبة السرد الموضوعي..
وتلاحظ الدكتورة “فاطمة عيسى جاسم” في دراستها لروايات “غائب طعمة فرمان”، وزارة الثقافة العراقية- دار الشؤون الثقافية العامة- بغداد- غلبة السرد الموضوعي على رواياته. وفي دراستها لرواية “المرتجى والمؤجل” تلاحظ استطراد الراوي بسرد تفاصيل الحياة اليومية للمغتربين باستخدام ضمير الغائب في السرد التفصيلي لجزيئات الحياة اليومية، والذي كما تقول: “ليس له ما يبرره بل بالعكس يحدث مللاً ويسبب ورماً فنياً للرواية ص 27.
بينما تؤكد: في ص47 عن الرواية ذاتها بأن غائب، باستعانته بوسائل متنوعة متعددة في السرد الموضوعي، أضفى على الرواية حيوية وحركة وقوة تأثير وأنه ختم الرواية بنهاية مفتوحة وهذه إحدى السمات الفنية لديه”.
ترى الباحثة “د.فاطمة”: أن “غائب طعمه فرمان” قد استخدم السرد الذاتي في رواياته “خمسة أصوات” و”المخاض” و”ظلال تحت النافذة” وكذلك في روايات أخرى “مبثوثاً بشكل متوازن مع أشكال السرد الأخرى” . كما اعتمد “غائب” في بناء الحدث على اللقطات السريعة الموحية في أغلب رواياته، فهو يعتمد القطع مرة ويركِّز حول شخصيته ويوصلها إلى حدث معين ثم يقوم بالقطع ثم استئناف سيرها باعتماد اللوحات واللقطات الدرامية مع اعتماد مشاهد الوصف المكاني واللغة التي تتناسب مع كل موقف.
لقد ارتبطت الرواية في مجمل تطورها بالقدرة على خلق الشخصيات الروائية ولذلك فإن الباحثة تدرس الأنماط الشخصية في روايات غائب. ولاحظت تنوع وتباين أدوارها وأهميتها ويؤثر تفاعلها في تطوير الأحداث وتدرس الشخصيات التي تقوم بدور رئيس في قوة الأحداث، وحركة الصراع مركزة عليها باعتبارها نقطة ارتكاز البنية الروائية، ومن أهم هذه الشخصيات “سليمة الخبازة” في “النخلة والجيران” وسعيد وعبد الخالق وحميد وإبراهيم في “خمسة أصوات” وكريم في المخاض والأب في ظلال على النافذة ويحيى وسليم في المرتجى والمؤجل وعصام في “المركب”.
ملامح شعبية..
تؤكد “د. فاطمة جاسم عيسى” إلى أن غائب في أعماله قام بإبراز الشخصيات الروائية ذات الملامح الشعبية البسيطة التي تعيش هموماً مشتركة بسبب التزاماته الفكرية الاجتماعية وانحيازه للفقراء والمهمّشين اجتماعياً، وكذلك قدراته في استبطان تلك الشخصيات نفسياً والتي تشكل وحدة اجتماعية تتأثر وتؤثر بالمحيط الخارجي والعالم الذي وجدت فيه، ولذلك فانه “أقصى نظام التركيز” بالشخصية المحورية، مستبدلا به “المنظور متعدد الجوانب” من خلال وجهات النظر المتعددة.
وغائب على رغم واقعيته “مارس الانتقاء والحذف والربط والتحريك حتى جعل الرواية عالماً حياً إنسانياً” وأنه “أثرى لغته الأم ولم يفرط بها” مع أن أسلوبه يتداخل به العامي والمأثور اليومي. ووضح في رواياته التلازم والتفاعل بين الطبيعة الخارجية والأجواء النفسية، وتألق في إرساء أسس الرواية متعددة الأصوات بشكلها الفني من خلال “تعدد الأصوات والتوازي والتناقض” وأن للفن السينمائي والمسرحي والأساطير والموروثات الشعبية أثارها في رواياته واتصف المكان لديه بالمحلية وله قيمتان، واحدة”محبطة” وتتجسد في الأماكن الجديدة، وأخرى “ثرية معطاء” تتجسد في الأماكن القديمة البغدادية، والتي تشكل الصوت القوي- المهيمن في أغلب رواياته”.