17 نوفمبر، 2024 11:32 ص
Search
Close this search box.

ياسين غالب.. يصنع الجمال من البقايا

ياسين غالب.. يصنع الجمال من البقايا

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“ياسين غالب” فنان تشكيلي ومهندس معماري يمني. من الأعضاء المؤسسين لجماعة الفن الحديث.

حصل على بكالوريوس عمارة من القاهرة، وماجستير في الإدارة الحضرية من هولندا 1993. شارك في معارض داخل اليمن وخارجها وأقام معرضه الشخصي سنة 1995. يعمل في الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية خبيرا ومستشارا بدرجة وزير. وهو من مؤسسين جماعة الفن الحديث ومؤسس جاليري حدة؛ وهو نشاط لثلاثة فنانين هم «أمين ناشر»، و «مظهر نزار» و«ياسين غالب» لم يستمر سوى سنوات قليلة وأغلق الجاليري سنة 2011. يعد من أهم فناني الجيل الثاني في المحترف التشكيلي اليمني، وله إسهامات متميزة في تطوير اللوحة التشكيلية في بلده، من خلال اشتغاله على المنحى التجريدي التعبيري تقنيًا واستلهام موضوعاته من بيئة محلية اهتم فيها باستنطاق الروح الجمالية الكامنة، فيما يراها عناوين للإنسان والمكان في اليمن.

رحيل مفجع..

في مقالة بعنوان (ياسين غالب.. الرحيل المفجع) كتب “د. عبد الوهاب الروحاني”: “ياسين غالب مهندس وعالم وخبير في العمارة اليمنية، عشق فيها تفاصيل التفاصيل. رمم بريشته ومشرطه أندر وأهم وأبرز النقوش في قصور صنعاء ومساجد اليمن. عمل في المدن التاريخية بطاقة وهمة عالية. كان يحمل مشاريع ثقافية تتميز بالفكرة الملهمة .. فيها ذوق وحرفية عالية، وعندما ضاقت به الأحوال، وقطع “الكفار” مرتبات الموظفين، اتجه لصناعة التحف من مخلفات أزمنة الرخاء.

ياسين أحد ابرز مؤسسي “جماعة، الفن اليمني الحديث”، مؤسس جاليري حده في صنعاء مع زميليه الفنانين التشكيليين المبدعين مظهر نزار، وأمين ناشر. في أحد أيام صيف 2001 دعيت خلال فترة إدارتي للعمل الثقافي لزيارة المعرض، فألهمني محتواه الذي يعكس ويجسد روح التراث اليمني لتبني فكرة اقتناء مؤسسات الدولة للوحات الفنانين اليمنيين، ونجحت الفكرة في مبتداها، واعتمدنا في وزارة الثقافة حينها اللوحات الفنية كأحد أهم هدايا الوزارة للوفود وكبار الزوار”.

ويؤكد: “رحل وأنا أبحث عنه: ياسين غالب، مثقف موزون، وفنان تشكيلي ترك بصمة متميزة في لوحاته، ومنمنماته. هو شاعر أيضا يمتلك لغة راقية، وذوقا رفيعا وحسا مرهفا.. متعدد المواهب والإمكانات. عرفته غاية في الأناقة والمودة والهدوء. ذو أخلاق عالية، وعلاقات واسعة.رحل ياسين غالب وترك وراءه إرثا من التميز والإبداع والنجاح. وترك فينا وفي الثقافة جرحا عميقا. خالص العزاء والمواساة لكل أهله وزملائه وأصدقائه ومحبيه ورحمة الله تغشاه يا ياسين”.

صنع الجمال..

وفي مقال آخر بعنوان (فنان يمني يصنع الجمال من النفايات) كتبت “غمدان الدقيمي” عن حوار لها معه: “من داخل غرفة صغيرة في منزله بحي حدة جنوبي العاصمة اليمنية صنعاء، يقود الفنان التشكيلي اليمني البارز ياسين غالب، مبادرة في تحويل المهملات والمخلفات إلى تحف فنية يعبر من خلالها عن قصص قديمة، ويحاكي فيها التراث اليمني.

تحت سقف الغرفة التي يتخذها غالب مكانا للعمل، تتوزع بشكل فني جميل، لوحات فنية وطاولات ومجسمات جمالية مختلفة، أنتجها من قناني العلب المعدنية التالفة وبقايا الخشب، وعظام وجلود الحيوانات، والأحذية وأنواع البلاستيك والكراتين الملقاة على الطرقات.

عبر غالب عن الإنسان اليمني القديم من خلال مجسم منسوج من العلب التالفة، وحول عظام البقرة إلى قناع محارب قديم، وجلود الأغنام عبر فيها بأن المأزرة استعملت في اليمن منذ ما قبل الميلاد، مستخدما الرمزية في أغلب مجسماته، ومصّرا على ابتكار الجمال من بقايا مخلفات جمعها من شوارع المدن اليمنية”.

وتضيف: “يقول غالب إنه منذ سنين مضت كانت تراوده فكرة استغلال المتاح من المواد “أسوة بالتقليد الموجود لدى آبائنا وأجدادنا في استخدام كل ما هو متاح”، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك)، “بدأت أجمع هذه الأشياء التي يراها الناس غير قيمة منذ حوالي 20 سنة، واحتفظ بكل ما أجده في طريقي، كنت أقول لا بد أن يخرج منها شيء فني جميل ومبتكر”.

ويوضح الفنان اليمني أن فترة الحرب “اللعينة” الدائرة في بلاده منذ خمس سنوات، خلقت فراغا كبيرا لدى غالبية اليمنيين، ما جعله يستثمر هذا الفراغ ويقتل الملل، فبدأ بهذا العمل.

هذه البداية لفتت انتباه أفراد أسرته أولا، وشكل ذلك دافعا إيجابيا للاستمرار. “هذا عبارة عن تفريغ لمخزون موجود لدي هذا المخزون يسلط الضوء على بعض القضايا وإن كان بشكل ساذج في بدايته، وفي بعض منها تركز على قضايا تراثية بحكم ارتباطي بالعمارة التقليدية. رأيت الموضوع ممتع فاستمريت”، يقول الفنان غالب”.

وتكمل: “ويروي غالب، وهو أيضا مهندس معماري بارز متخصص في الحفاظ على المعالم والمدن التاريخية، “بدأت بتكوين بعض الأشكال البسيطة وهي عبارة عن إيماءات أحدها بالأعواد اليابسة يوضح شكل يمني مجرد يرتدي معوز ويبدو واضحا البؤس والشقاء والبساطة لدى الإنسان اليمني. وبالجلد وأعواد يابسة رويت في لوحة قرى معلقة في الجبال والإنسان اليمني متواري ويبقى هو أشمخ وأعلى وأكثر إصرارا على البقاء”. “هذه اللوحة عبارة عن تكوين من مخلفات البلاستيك”، يقول غالب، وهو يتلمس بيديه لوحة بخلفية صفراء. أضاف أنها اختزال لجامع وبعض المنازل أو تجريد لمنظر من مدينة تاريخية.

ويشرح تفاصيل لوحة أخرى أنتجها من الخشب تظهر امرأة جالسة ترتدي الزي التقليدي التعزي “هي تجريد في الأساس”. ويتابع أن أول شيء أنتجه كان من مخلفات الكارتون قبل الحرب الأخيرة بسنوات وهي عبارة عن مكتبة عرضها أربعة متر وارتفاعها ثلاثة أمتار.

“أنابيب من الكارتون قطرها 3 إنش ورفوف من الخشب استطعت من خلالها صنع مكتبة قوية جدا تحمل كافة كتبي وما أكثرها، نشرت الفكرة للكثير من الزملاء وبالفعل طبقوها”، يروي الفنان اليمني. وأشار إلى أن أنابيب الكارتون التي يرميها اليمنيون في المخلفات يمكن أن يٌعمل منها ديكور وكراسي وطاولات وحتى أسرة”.

التراث اليمني..

وتتابع الكاتبة: “وبشأن إشكاليات التراث اليمني المعني به وزارة الثقافة يقول “التراث اليمني ينظر له بنظرة دونية وللأسف الشديد من المعنيين بالأمر، برغم أن تراثنا فيه ثراء وغناء وجمال وله نكهته الخاصة وتعدد الألوان والطراز بتعدد البيئات فهو يعبر عن العمق الحضاري لهذا البلد”

ويتابع “للأسف الشديد حتى اللحظة لا يوجد وعي لدى صانع القرار بأهمية هذا الشيء. هذا استثمار بلا دخان استثمار مستدام لكن لا أحد يعي ذلك”.

وعن الصعوبات التي يواجهها أشار ياسين غالب الذي يعمل في هذا الفن لمدة أربع إلى خمس ساعات يوميا، إلى أنه يفتقر إلى الأدوات المستخدمة في قصّ هذه المخلفات “سوقنا ضعيف في هذه الاحتياجات أيضا لا توجد كهرباء. احتاج دريل صغير وغراء قوي وأشياء أخرى بسيطة. مثلا معي مجموعة من العظام ممكن أعمل منها حلي لكن لا توجد الأداة المناسبة للقص والخرم و…”.

ورغم تأكيده بأنه يحاول أن “ينتج شيئا من لا شيء”، إلا أنه يقول “هذا العمل يريد مني التعاطي الجدي. أنا أرى هذا الذي أقوم به لا يزال في مرحلة السذاجة التلقائية. أريد أن أحول من هذا عمل فني حقيقي يتكلم عن نفسه ويكون فيه مكنونات وأبعاد وليس محاكاة سطحية لبعض الأشياء، بمعنى أن يكون له بعد ثقافي أو فني حقيقي وليس تصوير مباشر فقط””.

تحول الأشياء..

في مقالة أخرى بعنوان (“لا تنتهي الأشياء بل تتحول”.. كل هذا الجمال يصنعه ياسين غالب من القمامة!) كتب فيها: “ياسين, الذي تخرج من جامعة خاركوف بالاتحاد السوفيتي (أوكرانيا حاليًا) عام 1983, يحوّل بقايا البلاستيك والزنك والخشب وحتى بعض عظام الحيوانات وكثير من الأشياء المهملة إلى تحف فنية غاية في الإبداع والغرابة، تحمل مدلولات متعددة؛ إنسانية منها إلى جانب محاكاة الفلكلور الشعبي وأخرى عالمية.. فدرعُ حربٍ قديمة هو في الأصل بقايا عظام إحدى الأبقار، ولوحة الصرخة شكّلها من قطعة حذاء مهترئة.

يمتلك ياسين غالب معملًا خاصًا في منزله بالعاصمة صنعاء لممارسة هوايته الفريدة في تحويل المخلفات إلى لوحات جميلة، باتت جدران منزله تضج بها.. يبيع بعضها لكسب مصروفاته في ظل مأساة الحرب التي تعيشها اليمن, ويهدي بعضها إلى أصدقائه”.

وتضيف: “”في الحياة كل شيء له قيمة، المهم الفكرة. كيف تصنع شيئًا من أشياء تالفة؟ وكيف تبتكر شيئًا جديدًا لم يسبقك إليه أحد من قبل؟” تلك هي المسألة حد قوله.

يستعرض ياسين غالب, ذو الـ63عامًا، والذي يعيش مع زوجته وأولاده الأربعة في منزل يملكه بالعاصمة صنعاء، بعض الخردوات التي جمعها منذ ثمانينيات القرن الماضي من مناطق يمنية مختلفة، ويسرد بدايته في هذا الاهتمام “عملي في جانب الهندسة المعمارية هو الذي دفعني إلى هذا المجال, ناهيك عن الأفكار الملقاة في الطريق التي تطلق النداء الأول لي”.

“عندما أرى قطعة مرمية أفكر كيف يمكنني أن أحولها إلى لوحة أو تحفة فنية، وكثيرًا من الوقت أتجول في الشوارع بحثًا عن المخلفات التي يمكنني من خلالها استكمال صنع لوحاتي”، يضيف ياسين الذي انظم إلى جمعية الفنانين التشكيليين اليمنيين عام 1988.

يدخن سيجارته بشراهة ويتذكر أول معرض له أقيم عام ١٩٩٥ في صالة الفنان فؤاد الفتيح لقطع فنية صنعها من الخردة التي جمعها من سوق الملح بمدينة صنعاء القديمة “كان هناك إقبال لعشاق الفن التشكيلي غير متوقع، وغالبية الحضور اقتنوا كل اللوحات المعروضة؛ الأمر الذي دفعني للاستمرار في هذه المهنة بشغف أكثر حد الجنون””.

وتتابع المقالة : “أكثر من ١٠٠ لوحة في منزله بالعاصمة صنعاء، ولكل منها دلائل ومعاني بعضها تعود إلى عصور قديمة، يبين في لوحة منها مكونة من الجلد على أن المئزر كان يلبسه الرجل اليمني منذ القدم. وفي لوحة أسماها “بانوراما”, جسد ياسين غالب الأسوار القديمة التي كانت تحوط بعض المدن والقرى اليمنية، وهي مكونة من بقايا أحذية منتهية الصلاحية عمل على تحويلها لتكون شبيهة بالأسوار.

يواجه ياسين في هوايته موقف المقربين منه الذين يجدهم غير معجبين بما يقوم به. فزوجته فضيلة الحامد، وهي أيضًا فنانة تشكيلية مختصة بالتطريز, تقول إن منزلهما مكتظ بالمخلفات “أشعر بانزعاج شديد عندما يأتي بالقطع الخشبية والعلب الصدئة والبلاستيكية التي أنظر لها كقمامة وهو ينظر لها كتحفة”, لكنها تستدرك “عندما أراه مشغولًا ومنهمكًا بها أرتاح كثيرًا””.

حرب طاحنة..

وعن تأثر الحرب عليه وعلى فنه تتذكر المقالة: “حرمت الحرب الطاحنة التي تشهدها اليمن ياسين من إقامة المعارض الفنية, كما تسببت في انقطاع راتبه الشهري منذ أكثر من خمس سنوات. حاليًا تتراكم لوحاته كما تتراكم همومه المعيشية أيضًا. يأمل بعودة السلام إلى البلد التي عانت طويلًا ويلات الحروب؛ حتى يتمكن من عرض لوحاته وبيعها.

قبل أن تندلع الأعمال القتالية التي تدخل عامها السادس على التوالي, كان ياسين يتنقل في مختلف المناطق اليمنية بشكل دوري؛ لجمع الخردوات والعمل على تحويلها, لكن استشراء الصراع في معظم المحافظات وإلى جانب الوضع الاقتصادي الأسوأ في تاريخ البلد, كل ذلك أقعده إجباريًا في منزله بالعاصمة صنعاء. وعلى الرغم من إقامته الجبرية بسبب الحرب, إلا أن ياسين غالب ما زال يغالب الظروف المريرة للاستمرار في صناعة الجمال”.

وفاته..

توفي ياسين غالب” عن 69 عاما في العاصمة المصرية القاهرة، الأربعاء، 7 ديسمبر 2022.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة