عام 1971 استقلت الدولة الصغيرة جغرافياً وسكانياً عن الوصاية البريطانية ، مزروعة في صحراء مترامية جاء اسمها في الخرائط لأول مرة على الخارطة التي رسمها الروماني بطليموس وجاءت تحت اسم شبه جزيرة ” كتارا” أو “قطارا “، كان الخيال وحده من يصدق انها قادرة على التحوّل لما هي عليه الآن وما شاهدناه خلال ثلاثين يوماً قدمت فيها نفسها كدولة مختلفة على خارطة جديدة .
لست معنياً بالسياسة على تفاصيلها واختلافاتها وما علق بها من آراء تتعلق بالدولة القطرية ، ولست معنياً بالتفسيمات الايديولوجة وما تجر اليه من نزاعات وما ينتج عنها من تقييمات ..
لست معنياً بالمحاور الشرقية منها والغربية ..
لست معنياً بالعداوات القديمة منها والجديدة ..
سأكون معنياً هنا بالتحول القطري خلال نصف قرن من الزمن العربي تحديداً ، ومندهشاً حقيقة مما قدمته قطر في هذا المونديال العالمي كمحصلة ونتيجة منطقية لسنوات نصف القرن من الاستقلال حتى الآن !
لم اكن معنياً بقطر الا كدولة مشتبكة بالخصومات السياسية والايديولوجة وقدرتها المستحيلة على جمع التناقضات ،كدولة متهمة بدعم التطرف الفكري الاسلامي مع احتفاضها باكبر قاعدة عسكرية اميركية في الشرق الاوسط ، كواجهة واضحة لتناقضات قد لاتبدو للعيان او لايمكن رؤيتها الا من خلال مسبار أو المعايشة .
51 عاما من تحول مابعد الاستقلال لايمكن مقارنتها بشبه تحولات لدول عربية عريقة ، والأدق تراجعات على مستويات بناء الدولة والانسان لعراقة هذه الدول، أي ان قطر كانت في قطار آخر هو قطار النمو حيث صنّفت الأمم المتحدة قطر كدولة ذات تنمية بشرية عالية جداً ذات أعلى دخل للفرد في العالم فضلا عن دورها كلاعب رئيس في سياسات الشرق الاوسط على صغر حجها الجغرافي وفقرها السكاني بنحو 320 الف قطري اصلي ، فيما يساهم نحو ثلاثة ملايين عربي وأسيوي في تفاصيل الدولة والمجتمع القطري ( المواطنون 12% ،العرب 42% ، الاسيويون 46%)، حسب احصاءات 2022.
أعطى التحول القطري الأولوية للرفاه المجتمعي كأنظمة الرعاية الصحية والتعليم وتوسيع البنية التحتية للبلاد ، فدشّنت للمرة الاولى في المنطقة النظام الصحي الأكاديمي عام 2011 وهو الاول في منطقة الشرق الأوسط وأول نظام صحي أكاديمي في العالم ، لتحتل مكانتها على المستوى العالمي ضمن أفضل نظم الرعاية الصحية في العالم .
حتى عام 2001 كان النظام التعليمي في قطر متخلفا متوازيا مع انظمة التعليم العربية ، وحتى عام 2022 شمل النظام التحوّل القطري العجيب ، ليصبح افضل نظام تعليمي عربياً وخامس نظام عالمي من حيث جودة التعليم ومستوياته .
باختصار وحجبا للتفاصيل فان المواطن القطري لامشكلة لديه في كل الخدمات بمختلف المجالات كالكهرباء والماء والبنى التحتية الخدمية.
في المونديل شاهدنا ولمسنا الانفتاح القطري على ثقافات وحضارات الشعوب الاخرى ، ولست وصياً على من شاهد ولا يريد ان يشاهد ، لكني شخصيا فخور بما قدمته قطر المفاجأة التي سبق ان استضافت دورة الألعاب الآسيوية لعام 2006 ، وستستضيف أيضًا دورة الألعاب الآسيوية لعام 2030.
سأكون فخواً ان ارى مفاجأة دولة عربية أخرى في طريق التحولات الحقيقية نحو البناء والاعمار وتنمية حقوق الانسان ، ولكن السؤال المريب :
كم سننتظر من السنوات لنرى قطر ثانية ؟