22 أكتوبر، 2024 11:53 م
Search
Close this search box.

اللون الازرق … والحســـــــد

اللون الازرق … والحســـــــد

لا يستطيع احد ان ينكر اثر المعتقدات في حياته وما شغلته من حيز من اهتمامات الكثير منا  على حد سواء ان كنا شرقيين او غربيين فالمعتقدات تسير فينا سير النار في الهشيم ولكن تتفاوت في جرعاتها  ، بل لعل من الخطأ ان يظن الانسان انه يخرج من دائرة المعتقد عندما يعدل عن عقائد انتقلت اليه وراثة ، وسوف نرى انه كلما حاول ان يتخلص منها غاص فيها اكثر من ذي قبل وان كان  نقترب منها بحذر مصحوب بريبة ورهبة وشك لارتباط  هذا الموضوع بامور خفية غير مرئية ، فالاوهام تشيع وتجد قبولا في النفوس لان الناس يتشابهون فيما يرجع الى اللاشعوروالغرائز، لذا  كان الانسان تواقا لاستكشاف تلك الامور الغيبية  وظل لاهثا وراء تلك العوالم الخفية اذا ما انتابته مصيبة وعجز عن حلها  فأخذ يلهث وراء الحلول عله  يجد ضالته ، ومنها الحسد  حيث لا يختلف اثنان على أن الحسد حقيقة مسلم بها، إذ ورد ذكره صراحة في القرآن الكريم، ومع ذلك تظل هذه الحقيقة غامضة بعض الشيء بالنسبة لبعض الناس، خصوصا وانه لم يتح إلى الآن تفسير علمي لكيفية تمكن العين من توجيه سهامها النافذة وتحقيق غايتها المنشودة المنطلقة من قلب صاحبها ، وفي ثقافتنا العربية والإسلامية الكثير من القصص التي تتناول الحسد والحُساد .    
   والغريب في الامر ان المجتمعات المسلمة لها حظ من ذلك اللهاث ، متناسية ان القران الكريم كان قد اعتنى بكشف هذا العالم الخفي ، وكذلك السنة النبوية المطهرة ، حتى لا تجد الأساطير والخرافات مجالاً في عقل المسلم تحرفه عن اعتقاده أو تؤثر على سلوكه ، ولعل السبب وراء انتشار تلك الظاهرة – في نظرنا – يعود إلى بعد الناس عن تلقي هذه المعرفة، اما في المجتمعات البعيدة عن الاسلام  فنظراً لافتقادهم لمصدر موثوق يخبرهم عن هذا العالم المجهول والغريب ، لذا بقيت هذه الاوهام مصدر استرزاق للبعض ، وباتت هذه المعتقدات وما صاحبها من عادات وتصورات جاهلية ، تتناقلها  الأجيال  إلى يومنا هذا لتصبح جزءا من الموروث الشعبي الذي يتحدث عن عالم غريب غامض مخيف.
   ومن ابرز هذه المعتقدات ” الحسد ” الذي تتصدر مهامه حاسة البصر “العين”  حيث ورد في الماثور الشعبي ان العين دخلت ضمن اشياء عديدة حتى جعلت الناس يعزون كل شيء للعين ضارا كان ام نافعا لكنها تربعت على عرش الصدارة في اسباب الحسد  ، حتى دخلت في الحكم والامثال ، وكان تكرار الشعراء  لهذه المعتقدات منفذا لنشرها وتاكيدها ، حتى بقيت قرونا ذات سلطان على النفوس بل ان بعضها بقي قوي الاثر الى اليوم ، والشاعر ابن بيئته لذا يرى ما يراه الناس،  فهاهو يتوجس من عيون الحاسدين فيقول:
 إن العيون السود أقوى مضربا  من كل هندي وكل يمان
فضل العيون على السيوف لأنها  قتلت ولم تبرز من الأجفان
ولانعلم هل ان الشاعر قد اصيب فعلا بحسد العين؟ وهل كانت العين التي ضربته بسهام الحسد ، زرقاء ام شهلاء ام سوداء ام غير ذلك من الالوان؟ وهل هي عين رجل ام امراة؟.
والسوال المهم : هل تملك العين تلك القوة الخفية التي تتمكن من تحريك الاشياء من اماكنها وهل هناك اثر في لونها؟ وهل هي العضو الجسماني الذي يتولى عملية الحسد ؟ وهل يخشى الناس في ذلك خطر العين ان كانت ملونة ام سوداء ولماذا يخشى الناس العيون الزرق اكثر من غيرها ؟   
  ويبدوا ان تلك القوة الخفية التي تمتلكها بعض العيون انتشرت في موروثات واعتقادات ليست عربية فقط ، وإن الاعتقاد بأن اللون الأزرق مؤثرٌ في عين الحسود اعتقادٌ شائعٌ تقريبا، ففي انكلترا يعتقد الناس  بوجوب ارتداء العروس شيئا ازرق في يوم زفافها ، وكذلك  في تركيا تسمى(nazar) وهم شرار العيون  ، وقد يرتدي  بعض الأطفال والجياد والبغال في ايطاليا وفي صقيلية   خرزة زرقاء بوصفها حجابا ضد العين ، وقد تصمم   قوارب القفة المستديرة الحوضية الشكل، الشبيهة بالسلة، التي عادةً ما يراها المرء وهي تتهادى في نهر دجلة، بطريقة يلتصق فيها الخرز والدهّاشة في القار الذي يجعل القفة منيعة ضد الماء ، كما يعلّق بعض  سائقي السيارات  خرز زرقاء في المفتاح ، فضلا عن ذلك، تتضمن عمارة المنازل قِطعا من الفخار الزرقاء والخرز ، ويبدو لجام الحصان وسرجه سارّا للناظرين بوجود حواشٍ وزخارف الخرز الزرقاء والوِدع ، وتُستخدم “الودعة”، ضد العين الشريرة،  تقول إحدى الأهازيج:        
                    ودعة ودهاشة            من عين اللاّشة
و”الدهاشة” المذكورة في الأهزوجة ، وهي تُباع خصيصا لتُخاط على الثياب أو القلنسوات كتميمة أو حجاب ، وغالبا ما ترى طفلا وقد عُلقت بعضٌ من هذه الخرز على ثيابه، إذ تتوسط واحدة منها عادةً كتفيه على ظهر معطفه، إذ إن بإمكان العين أن تصيبه من الوراء وليس من الأمام فحسب ، وتتميز العباءة المشهورة، وهي أردية حريرية تُنسج في النجف، بالخيط الأزرق المخضر الذي يُخاط في إحدى زواياها ، كما إن الأزرق هو اللون السائد للقرميد المزجج الأخاذ الذي يكسو جميع منائر بغداد وقبابها ، ولا تحظَ كل درجات الأزرق بهذا الاحتفاء، وإنما يحظى به الأزرق المخضر الزاهي والأزرق السماوي ولون اللوبن والعائق   .
   فاذا كان عرب الجاهلية يتدرعون بالخرز والتمائم والتعاويذ ففي بعض الدول العربية وصل الحال الى ( كسر بيضة فوق السيارة المشتراة حديثا  كذلك الامر لبعض السلع الاخرى ) او وضع ( الودعة) ، وقد سبق العرب بذلك الامر الفراعنة والفنيقيين ، وايضا كان العرب في العراق يستعينون بالتعاويذ  وغيرها وقصة ( عشتروت )  معروفة  حين اردت ولدها قتيلا امامها بنظرة في عينها  ، لذلك كان للون الازرق حظوته في ذلك وبالخصوص ( الفيروز الازرق ) الذي استخدمه المصريون للحفاظ على بيوتهم وانفسهم من كيد الحساد، فهم يذهبون الى تعليق خرزة زرقاء بسبعة ثقوب “ام سبع عيون ”  لطرد الحسد. 
   لذا ظل الانسان مذهولا ازاء ذلك ولابد من ان يجد شيئا يقيه شر تلك القوة فبات يلوذ ويتحصن  توقيا لذلك الخطر القادم من العيون بارتداء القلائد والخرز والتمائم كخط دفاعي وحصين .
ولكن الله جل شانه نبه الى تلك النفوس المريضة التي لاتقتنع بارزاقها محاولة صب جل خبثها لسلب النعم التي اسبغها الله تعالى على بعض عباده ، فذكرهم بقوله تعالى : في سورة  القلم   (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ  ) وكذلك في سورة الفلق( ُقلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ من شر ما خلق وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ  وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ  ) ، وماقتل قابيل لاخيه هابيل وقصة يوسف وطلب يعقوب لاولاده ان يدخلوا مصر من ابواب متفرقة  الا دليل على الحسد والحديث الشريف  يؤكد المعنى ” اياكم والحسد فان الحسد ياكل الحسنات كما تاكل النار الحطب “.    
   من هذا يتبين ان هناك قوة خفية فعلية عند البعض كما شخصها الباري عز وجل ولكن ليست الى حد التطير ، والانسان ظل يجوب السبل للحيلولة دون الوقوع في شباك ومرمى الحساد  ومن تلك الحلول كما يعتقد البعض اثر بعض الالوان على تلك الارواح الشريرة والعيون القاتلة ، ومنها الفيروز الازرق! فمل هي علاقة الفيروز بالحسد؟ نجد في كثير من ثقافات الشعوب علاقة بين الحسد والفيروز الازرق السماوي؟ و خاصة في اهل مصر يضعون الكف ذو الخمس اصابع المفتوحة وبوسطها عين!والكف لونه لون فيروزي !؟
فما السر وراء ذلك؟ وهل له اصل علمي؟ام انه من تقاليد الشعوب وثقافاته!؟
 هناك علم قديم من ايام الفراعنة وهو علم بناء الاهرامات وعلم الطاقات السبع. وهم من خلال علمهم عرفوا سر لون حجر الفيروز .
ولذلك هم يتعلقون باللون الأزرق السماوي والذي يرمز له الفيروز الأزرق 
فهناك اعتقاد بأن هذا الحجر يبعد عنهم الحسد وشر العيون ، وهم يؤمنون بهذه الفكرة الى حد بعيد ، ويشاركهم في ذلك بعض شعوب بلاد المغرب العربي ، ويعتبر الشعب المصري من اكثر الشعوب العربية إيماناً بالعين ، اذ ان الحكاية تبدأ من موروث تاريخي خاطئ وخرافة انتقلت من عصر الفراعنة وحتى العصر الحديث ، وسبب انتشار هذا المعتقد بين الفراعنة انهم كانوا يكرهون أصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء ، ويخافون منهم ولا يتعاملون معهم ،اذ إن هذا المعتقد الشعبي زاد في العصر الحديث بسبب قدوم المُحتل الغربي الى ارض مصر في عام 1882 الى عام 1952 ، وسلبه خيراته  وأعتدى عليه ، فكأن الأوروبين الموجودون في مصر يتميزون بالعيون الزرقاء ، ومن هنا انتشر من جديد استخدام الخرزة الزرقاء والعين الزرقاء ، وهي :” تكون على شكل حلية أو ميدالية أو قرط أو ما شابهها، و يُعلقونها على ثياب الأطفال او على ملابس الكبار او على أبواب المنازل “، وساعد ايضا على انتشار الخرزة الزرقاء كثرة الامثال الشعبية التي تحارب الحسد كما يرى ذلك “الدكتور حسين الخزاعي أستاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة البلقاء التطبيقية”.
 وبناء على كل تلك المفاهيم انطلقت فكرة بناء الاهرامات على سبع مستويات للطاقة والالوان؟ وجعلوا تابوت فراعنتهم في المنطقة الوسطى وهي المنطقة الخضراء من الهرم ؟ وذلك لأن هذا اللون له خاصية عجيبة بان له طول موجي متوسط  وبعكس اللون الاحمر ذو الطول الموجي المرتفع وبعكس البنفسجي الذي له طول موجي منخفض .
 ان الحسد له طاقة متولدة من  حالة من الحقد والتي   تتطور لتصبح شحنة حسد لتخرج على شكل اشعة صفراء قاتمة وكأنها اعلى صور النار وقمة تأججها   وهي مارج النار واطراف السنه اللهب الاصفر، وبهذا ، فكم يلزمنا من الطاقة  لنخفف من شدتها  واثرها علينا ، لذلك فهم يرون ضرورة معادلتها وتخفيف وطأتها على اجسامنا بمزجها بالون الازرق ليعطينا اللون الاخضر (الفيروزي)(الذي هو اصلا لون السلام والحيادية والتعادل في الميزان ) والعجيب هنا ! من علم الفراعنة هذا العلم الضخم والجبار؟ وهم امنوا به  لان في زمانهم قد كثر السحر والتلاعب بأعين الناس.
  ويبقى الانسان يتوق لمعرفة تلك الاسرار الخفية والتي تسيطر على اغلب العقول المتحضرة والمتخلفة على حد سواء  ، وكل له سلاحه فالمسلمون يرون ان امضى سلاح هو التدرع بالنصوص القرانية ، اما غيرهم فيتدرعون بالكف والمخرزة الزرقاء ، و(كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ).  

أحدث المقالات