ترتكب يوميا كثيرا من الجرائم بحق المواطنين في العراق من قبل ميليشيات ضالة دون ان تخشَ مواجهة العدالة .
وهناك انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ، بما في ذلك القتل والاختفاء القسري والاختطاف والتعذيب والتهجير ، والتغيير الديموغرافي ، تجري في وضح النهار دون مساءلة عن هذه الانتهاكات .
ان الافلات من العقاب قد شجع على ارتكاب المزيد من الجرائم .
والفشل في تقديم مرتكبي الجرائم الماسة بحقوق الانسان الى المحاكم يعود الى منح الحصانة المطلقة والكاملة الى هذه الميليشيات، او العصابات المنظمة.
والإفلات من العقاب قد اصبح سياقا دائما في كثير من الانتهاكات للقانون ، خصوصا بعد تشكيل لجان للتحقيق في هذه الجرائم ووعود الحكومات المتعاقبة في معاقبة الجناة دون طائل .
وفي مثل هذه الحالات يصبح الإفلات من العقاب سمة من سمات الوضع السياسي المفروض على البلاد .
وبذلك فان مناقشة هذا الموضوع لايقتصر على الكشف عن المجرمين وتقديمهم للعدالة فحسب ، بل يتوجب الحديث ايضا عن الجهات السياسية التي تقف وراء هذه الجرائم والانتهاكات وتقديمها الى العدالة باعتبارها جرائم ضد الانسانية .
إن الكفاح ضد الإفلات من العقاب ، بمختلف اشكاله يعد سمة اساسية من سمات الديموقراطية الحقة .
وبموجب القانون الدولي يتحمل القائد السياسي والعسكري المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبها من هم ادنى منه مرتبة ، إذا كان على علم بهذه الجرائم أو كان يجب أن يكون على علم بها وفشل في منعها أو المعاقبة عليها .
في 2 تشرين الثاني/نوفمبر من العام الحالي أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين ، وقد حثت الدول الأعضاء على تنفيذ تدابير محددة لمواجهة ثقافة الإفلات من العقاب .
ويظهر من مؤشرات قائمة الإفلات من العقاب التي تصدرها لجنة حماية الصحفيين ان العراق احتل المركز الثالث بعد الصومال وجنوب السودان، من حيث إفلات قتلة الصحفيين من العقاب، بحسب آخر تقرير للجمعية عام 2021″.
ناهيك عن الجرائم التي ارتكبت بحق المتظاهرين عام 2019 . والاغتيالات التي شملت عدد من النشطاء .
ولم تبد السلطات العراقية، على مدار العقدين الماضيين اي اهتمام لملاحقة المتهمين بجرائم القتل والاختطاف والتهجير القسري والتعذيب .
ومما يؤسف له ان منظمات الامم المتحدة العاملة في العراق قد غضت الطرف كثيرا عن هذا الجانب القضائي المهم لكونه يتعلق بحقوق الانسان ، وان الافلات من العقاب يعتبر انتهاكا صارخا لميثاق الامم المتحدة ولقواعد العدالة الدولية .
وما زال العراق يتصدر مؤشرات الإفلات من العقاب ، وتشير الاحصائيات الى ان هناك تقاعسًا واضحًا ومتعمدا من قبل السلطات الأمنية والتحقيقية للكشف عن الجرائم التي استهدفت الصحفيين والنشطاء ، رغم الوعود الجوفاء بملاحقة الجناة .
وبذلك فان الامر يقتضي إحالة ملف الافلات من العقاب في العراق إلى المحكمة الجنائية الدولية لوضع حدٍ للجرائم المرتكبة بحق الانسانية .
حيث ان المبادئ الأساسية للقانون الدولي تحظر إفلات المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من العقاب . وان مبدأ عدم الإفلات من العقاب يعد جزء من المبادئ الأساسية للمجتمع الدولي ، والمعايير الاخلاقية ذات الطابع العام ، والتي تحمي القيم العليا للمجتمعات كافة .
وما لم يتم تقديم المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان والافلات من العقاب إلى العدالة ، فان العنف والفوضى ومعاناة المواطنين والنشطاء ستستمر .