17 نوفمبر، 2024 1:55 م
Search
Close this search box.

التنافس الصيني الأمريكي في الشرق الاوسط

التنافس الصيني الأمريكي في الشرق الاوسط

الشرق الأوسط كان ولا زال دائماً على رأس أولويات السياسة الامريكية، وإن الشاغل ​​الأهم للولايات المتحدة في المنطقة هو الإمداد المؤكد وغير المنقطع من النفط، اذ تعتبر المملكة العربية السعودية أقرب الدول الخليجية للسياسة الامريكية حيث ترتكز العلاقات الثنائية بين البلدين على اسساً راسخة بنيت على المصالح المشتركة والاحترام والتعاون المتبادل.
فحظيت السعودية برعاية عالمية عامة ورعاية أمريكية خاصة نتيجة مكانتها السياسية والاقتصادية ويسهم موقعها الجيوستراتيجي فضلاً عن دورها القيادي لجميع الدول الخليجية في تعزيز العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة، والحفاظ على استقرار وأمن وازدهار منطقتي الخليج والشرق الأوسط، واستمرار التشاور حول العديد من القضايا الإقليمية والعالمية الحيوية للبلدين.
لكن هذه العلاقة العميقة صابها البرود نتيجة انتهاج الادارة الامريكية بعد وصول بايدن الى البيت الابيض سياسة مغايرة لإدارة ترامب تجاه السعودية، اذ تعهد بايدن منذ حملته الانتخابية بجعل السعودية “دولة منبوذة” بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان، وأنها ستدفع ثمن مقتل الصحفي جمال خاشقجي، فضلاً عن الاخذ بالاعتبار رؤية الاتجاه التقدمي في الحزب الديمقراطي والاخذ بتوجيهاته الذي يسعى فيها الى تعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الانسان، والدعوة لتفعيل المساءلة عن انتهاكات حقوق الانسان في المملكة مقابل الاستمرار في علاقات الاعمال هذا الامر قد بينه توتراً في العلاقات الامريكية السعودية.
ونتيجة لأندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار النفط في العالم أرغمت إدارة بايدن على تغيير سياستها تجاه السعودية فقد أصبحت الدول الخليجية على وجه الخصوص نتيجة العقوبات التي فرضت على روسيا من أكثر الدول أهمية للاقتصاد العالمي من أي وقت مضى، وأن هذه العقوبات أدت إلى زيادة غير مسبوقة في أسعار النفط والغاز، ساهم ذلك في الارتفاع الشديد في معدلات التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا، مما اسفر ذلك بتدني معدلات التأييد الشعبي التي حققها بايدن في استطلاعات الرأي، والدليل على ذلك خسارة الأكثرية الديمقراطية في الكونغرس بعد الانتخابات النصفية.
انطلاقاً من ذلك حاول بايدن تغير سياسته تجاه دول الخليج حيث قام بالاتصال بولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الاماراتي محمد بن زايد في محاولة منه لأقناعهم بزيادة انتاج النفط لكن هناك تقارير ذكرت بأن بن سلمان وبن زايد رفضوا الإجابة على اتصالاته، ونتيجة عجز الرئيس الأمريكي من احداث استقرار في سوق النفط في ظل غياب التعاون من دول الخليج دفع ذلك بايدن الى شد الرحال الى المملكة العربية السعودية واجراء قمة مع الدول العربية لكنه أشار بأن هذه الزيارة لغرض زيادة اندماج الكيان الصهيوني في المنطقة كان هدف بايدن من جعل هدف الزيارة مخصص نحو إسرائيل لكي لا يتناقض مع وعود حملته الانتخابية، كما ان زيارة بايدن للسعودية لم تحقق الكثير، فسعيه لإقناع السعودية بعدم خفض إنتاج النفط جاء بنتائج عكسية، وأن امر تخفيض انتاج النفط الذي صدر بأتفاق دول منظمة الاوبك الذي هدد برفع أسعار النفط العالمية وبالتالي أسعار الوقود داخل الولايات المتحدة، وهو أمر محرج سياسياً لبايدن.
يبدو اليوم بأن العلاقات الامريكية الخليجية في ظل رئاسة بايدن لن تكون بحالة جيدة خاصة بعد قرار دول منظمة أوبك بخفض انتاجها للنفط مليوني برميل يوميا، ما يعادل نحو 2 بالمائة من الإنتاج العالمي، فرد بايدن في أول على ذلك بإن هذا الامر “مخيب”، وأضاف أن القرار يشير إلى أن هناك مشاكل، في إشارة منه إلى السعودية الحليف التاريخي للولايات المتحدة وأهم عضو في المنظمة.
ونتيجة لتبعثر الرؤى المشتركة بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط بدأت الصين بزيادة تعاونها مع دول المنطقة لكسب ودهم نتيجة أهميتهم الجيوستراتيجية، مستغلة بذلك العلاقات الجيدة التي تربط بيكين بالدول العربية والقائمة على مبدأ دبلوماسي يتمثل في تعزيز الصداقة والشراكة الاقتصادية الهادفة، حيث الا عداء والحياد كركيزتان تسمحان لها ببقاء أسواق الشرق الأوسط مفتوحة أمامه لتصدير إنتاجاته.
ففي الأسبوع الماضي زار الرئيس الصيني شي جينبينغ السعودية تلبية لدعوة العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز أجرى فيها ثلاثة قمم (صينية_ سعودية، صينية، خليجية، صينية_ عربي)، ووقعت اثناء هذه الزيارة السعودية والصين عدد من الاتفاقيات شملت مجالات عدة بينها الطاقة والبنية التحتية، بقيمة حوالي 30 مليار دولار، تسعى الصين إلى النهوض باقتصادها الذي تضرر بفعل جائحة كورونا، بينما تتطلع السعودية إلى تنويع تحالفاتها الاقتصادية والسياسية، لكن واشنطن لم تتغاضى عن الزيارة فأسرع المتحدث باسم مجلس الامن القومي في البيت الأبيض لتوجيه الانتقاد لزيارة الرئيس الصيني واكد على أدراك واشنطن بمحاولات بيكين مد نفوذها إلى الشرق الأوسط وتعزيزه، كما انتقد الطريقة التي تفعل بها الصين ذلك وعبر بأن الصين لا تشير إلى مراعاة المحافظة على نظام دولي يستند إلى القواعد، لذا فأن منطقة الشرق الأوسط ستكون علامة بارزة على خارطة صراع المصالح الجيوسياسية والاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة. فكيف ستكون سيناريوهات هذا التنافس؟
الصين تجاه الشرق الأوسط
للصين علاقات مع دول المنطقة بحكم قربهم لها وحركة التجارة بينهم حيث تعتبر منطقة الشرق الأوسط ركيزة جغرافية وقيمة سوقية مهمة لمشروع الربط الاقتصادي الصيني العملاق وما يعرف بالحزام والطريق، وبوجهة نظر شخصية تعتبر الصين أكثر رغبة من واشنطن لتحرير نفسها من الاعتماد على نفط منطقة الشرق الأوسط اذا تعتمد بنسبة 60% على امدادات منطقة الشرق الأوسط لتحريك عجلة انتاجها، لذا فأن اعتمادها على النفط الخليجي يعتبر نقطة ضعف دائمة لها، فضلاً عن عدم امتلاكها قواعد عسكرية لحماية مصالحها هناك كما تمتلكها الولايات المتحدة فبيكين تخشى من استخدام الولايات المتحدة نفوذها في منع وصول طاقة دول الشرق الأوسط اليها في حالة نشوب صراع فضلاً عن افتقارها للاحتياطات العميقة من النفط والغاز مقارنة بأحتياطات الولايات المتحدة، كما أن بيكين تسعى ايضاً مقارنة بواشنطن للخروج من عصر النفط لكن الحكومة الصينية تتبع موقف واقعي تجاه الشرق الأوسط اذ يدرك الصينيون بأن هناك حاجة لتمتين العلاقة مع دول المنطقة.
الولايات المتحدة الامريكية تجاه الشرق الأوسط
تحافظ اليوم واشنطن على وجودها العسكري الاستراتيجي في الشرق الأوسط ذو الاعتبار المهم في مدركها الاستراتيجي لغرض حماية مصالحها، إذا تعتبر القواعد العسكرية الامريكية مظلة لديمومة الامن والاستقرار الإقليمي في المنطقة الخليجية، سينا ان الولايات المتحدة تمتلك علاقات اقتصادية وامنية كبيرة مع دول المنطقة فضلاً عن استثماراتها الكبيرة هناك، فضلاً عن ذلك فأن واشنطن تعتبر الشرق الأوسط اهم مصدر للنفط على المستوى الدولي واحد ركائز نفوذها في الساحة الدولية.
الصراع ام تسويته
في الواقع هناك رغبة مشتركة لدى كل من الولايات المتحدة والصين في تسوين الصراع عبر التفاهمات الثنائية وهذا ما تم تأكيده بعد خطاب إدارة بايدن حول علاقتها التنافسية مع الصين والتي ممكن ان يدار هذا التنافس بطرق غير عدائية، كما تحاول الصين تجنب الدخول في استقطاب استراتيجي، لكن حالة التنافس ستكون شرسة، بسب موقع الشرق الأوسط ومجاله الحيوي الذي تتقاطع فيه مصالح الطرفين بشكل كبير، ولان الصين تتبنى سياسة هادئة لغرض تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة، لذا فأن الطرفين متفقين في اولويتهم على ضمان الاستقرار الإقليمي واحتواء الصراع في المنطقة.
ومن جانب اخر فأن بيكين لن تتوانى مطلقاً في حالة أتيحت الفرصة لها لتغيير خريطة المنطقة الجيوبوليتيكة لصالحها، خاصة بعد توسيع الصين نطاق تعاونها مع بعض القوى الإقليمية في الشرق الأوسط خاصة السعودية والعراق، ويكون نتيجة ذلك تعزيز لمكانة التنين الصيني الاقتصادية والاستراتيجية في الساحة الدولية والحد من الهيمنة الامريكية خاصة بعد مشروع بايدن لبناء تفاهمات في منطقة جنوب شرق اسيا لمواجهة الخطر الصيني.
ستستمر الصين في تعزيز نمو علاقاتها الاقتصادية مع دول المنطقة وتكافح من اجل استكمال مشاريعها العملاقة التي تربط اقتصادات دول الشرق الأوسط ببيكين واهم هذه المشاريع هو مشروع الحزام والطريق، هذا المشروع الذي سيحول الصين الى قوة أكثر تأثيراً في النظام الدولي، وهذا ما ستحاول واشنطن إيقافه بشتى الطرق، لذا فأن منطقة الشرق الأوسط ستشهد خلال الفترات القادمة تنافس كبير ستتأثر المنطقة بشكل كبير، لكن دول الشرق الأوسط سيكون من الصواب عليهم اليوم أن يستغلوا هذا الصراع لتحقيق مكاسبهم فيمكن تحقيق ضمان امن المنطقة نتيجة إدارة الصراع بين البلدين بطرق سلمية.

أحدث المقالات