على مشارف “2023” .. الاقتصاد العالمي يتجه إلى “سيناريوهات مؤلمة” !

على مشارف “2023” .. الاقتصاد العالمي يتجه إلى “سيناريوهات مؤلمة” !

وكالات – كتابات :

ما إن بدأت الاقتصادات العالمية تشهد تعافيًا من تداعيات جائحة (كورونا)؛ خلال عام 2021، حتى ارتفعت التوقعات الدولية بتحسن أداء الاقتصادات العالمية خلال عام 2022، حتى نشبت الحرب “الروسية-الأوكرانية”؛ التي ألقت بظلالها على الاقتصادات العالمية خلال عام 2022؛ حيث أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم نتيجة اضطرابات سلاسل الإمدادات والتوريد، وارتفاع أسعار السلع الغذائية ومصادر الطاقة؛ ما دفع البنوك المركزية إلى اتخاذ سياسات نقدية تشددية لمواجهة الارتفاعات المستمرة في معدلات التضخم، والتي أسهمت بدورها في تفاقُم التوقعات بالتراجع الحاد في معدلات النمو العالمي خلال عام 2023؛ بحسب ما ذهب التحليل الذي أعده مركز (إنترريغونال) للتحليلات الإستراتيجية، معلقًا كافة أسباب التضخم التراكمي الذي يعانيه العالم اليوم في رقبة الصراع “الروسي-الأوكراني” كما تردد الآلة الدعائية الأميركية والغربية مزاعمها التضليلية التي تبرأ “أميركا” من إشعال هذا التضخم والتسبب فيه حفاظًا على مكانة عُملتها عالميًا.

تحديات هيكلية..

يُواجه الاقتصاد العالمي؛ خلال عام 2023، مزيجًا من عدة تحديات، تتضمن الحرب “الروسية-الأوكرانية”، وزيادة أسعار الفائدة لاحتواء التضخم، والآثار الوبائية المستمرة لجائحة (كورونا)، التي تُسهم جميعها في تفاقُم التوقعات السلبية لنمو الاقتصاد العالمي خلال عام 2023، الذي تتضح أهم ملامحه فيما يلي:

01 – انكماش حاد في نمو الاقتصاد العالمي..

من المتوقع أن يشهد النشاط الاقتصادي العالمي تباطؤًا واسعًا؛ خلال عام 2023، مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم، وما تُسهم به من زيادة تكلفة المعيشة، وتشّديد الأوضاع المالية في معظم المناطق، واستمرار الحرب “الروسية-الأوكرانية”.

وتُشير التنبؤات إلى تراجُع نمو الاقتصاد العالمي من: 6.0% في عام 2021؛ إلى: 3.2% في عام 2022؛ ثم: 2.7% في عام 2023؛ ما يُسّهم في تراجُع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار عجز تراكمي يصل نحو: 17 تريليون دولار، أي ما يقرب من: 20% من الدخل العالمي، بحسب توقعات (أونكتاد) بتراجع معدل نمو الناتج الإجمالي العالمي من نحو: 2.5% في عام 2022، إلى: 2.2% عام 2023.

ويتوقع “صندوق النقد الدولي” أن تتراجع معدلات نمو الاقتصاد الأميركي من نحو: 5.7% في 2021؛ إلى نحو: 1.6% في 2022، ثم إلى: 1% خلال عام 2023 القادم، بينما تتراجع الاقتصادات الأوروبية من نحو: 5.2% في 2021؛ إلى نحو: 3.1% في 2022؛ ثم إلى: 0.5% في 2023.

وفي الإطار ذاته؛ جاءت توقعات “البنك الدولي” بالانخفاض الحاد لنمو الاقتصادات العالمية؛ حيث يتوقع انكماشًا حادًا في معدل نمو الاقتصاد العالمي من: 5.7% خلال عام 2021؛ إلى: 2.9% في عام 2022، ليشهد نموًا حذرًا خلال عامي: 2023 و2024 بنحو: 3%.

02 – نمو بارز لاقتصادات منطقة “آسيا” و”المحيط الهاديء”..

في حين تُلقي التوقعات السلبية بظلالها على الاقتصاد العالمي بشكلٍ عام، وترتفع التوقعات بالتراجع الحاد لدرجة الركود الذي ستواجه “أوروبا” و”الولايات المتحدة”؛ خلال عام 2023، تتوقع (ستاندرد آند بورز) أن تُحقق منطقة “آسيا” و”المحيط الهاديء” – التي تُنتّج: 35% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي – نموًا حقيقيًا بنسبة: 3.5% في عام 2023، ومن ثم ستُهيمن على النمو العالمي خلال العام، بدعم من اتفاقيات التجارة الحرة الإقليمية، وسلاسل التوريد الفعالة، والتكاليف التنافسية؛ ما يمكن الاقتصاد العالمي من تجنب الركود، ليشهد نموًا ضئيلاً بنسبة: 1.4% في عام 2023، مقارنة بنحو: 5.9% في عام 2021، ونحو: 2.8% لعام 2022، ليُعاود ارتفاعه إلى نحو: 2.8% في عام 2024؛ و3.0% في عام 2025.

03 – تراجُع نسبي في معدلات التضخم..

من المتوقع أن يرتفع التضخم العالمي من: 4.7% في عام 2021؛ إلى: 8.8% في عام 2022، لكنه سينخفض إلى: 6.5% في عام 2023، من جراء السياسات التشّددية التي انتهجتها البنوك المركزية لمواجهة تصاعد موجات التضخم، وإلى: 4.1% بحلول عام 2024.

ومن المتوقع أن يصل التضخم في الاقتصادات المتقدمة إلى: 7.2% في 2022، ليتراجع إلى: 4.4% خلال عام 2023 المقبل، فيما يتوقع أن يبلغ معدل التضخم ذروته في الاقتصادات الناشئة والنامية، ليقترب من حاجز: 10% خلال عام 2022 الجاري، قبل أن يتراجع إلى: 8.1% في عام 2023.

04 – استمرار ارتفاع أسعار الطاقة عام 2023..

من المتوقع أن يشهد عام 2023 أزمة طاقة حادة، لا سيما في “أوروبا”، بموجب “العقوبات الغربية” على قطاع الطاقة الروسي، وانقطاع إمدادات الغاز الروسية.

وإذا استمرت التخفيضات الجارية والمُخّطط لها في إمدادات الطاقة من “روسيا” إلى “الاتحاد الأوروبي”؛ وفي حال ارتفاع الطلب على “الغاز” بسبب الشتاء، فسيؤدي ذلك إلى ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار “الغاز” ومصادر الطاقة بنسبة: 50% خلال الربع الأول من عام 2023؛ ما يعكس الضغوط الأوروبية على أسواق “الغاز” العالمية التي تُحاول الحصول على إمدادات إضافية.

كما يؤدي ارتفاع أسعار “الغاز” إلى رفع أسعار الأسمدة، التي من المفترض أن ترتفع بنسبة: 25%. ومن المتوقع أن يمتد الطلب المتزايد على إمدادات الطاقة إلى أسواق “النفط”، مع افتراض ارتفاع أسعار “النفط” بنسبة: 10%.

05 – ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميًا..

قد يكون للارتفاع الحاد في أسعار الأسمدة خلال عام 2022 الجاري، ونقص إمدادات الأسمدة الروسية تأثير سلبي على حجم المحاصيل في العام المقبل؛ ما يؤثر سلبًا على مستوى الأمن الغذائي للدول، وخاصة في الأسواق الناشئة والبلدان النامية، بالإضافة إلى تزايد تواتر الظواهر الجوية المتطرفة وشدتها بسبب التغيرات المناخية، التي تؤثر سلبًا على الإنتاجية الزراعية للمحاصيل؛ ما يُسّهم في حدوث مزيد من الارتفاعات في أسعار المواد الغذائية التي من شأنها أن تضع ضغطًا تصاعديًا إضافيًا على التضخم وتزيد من حدة الفقر والجوع.

وفي هذا الإطار تتوقع “الأمم المتحدة” أن يُعاني نحو: 19 مليون شخص إضافيين من سوء التغذية، مع ما يقرب من: 830 مليون شخص يُعانون من الجوع في جميع أنحاء العالم.

ومع تعرض الإمدادات الغذائية للخطر، قد تلجأ بعض الدول إلى فرض حظر جديد على تصدير المحاصيل الزراعية؛ ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار مرة أخرى.

06 – أزمة ركود عقاري في العديد من الدول الكبرى..

من المتوقع أن تبلغ قيمة مبيعات صناعة العقارات نحو: 5.8 تريليون دولار في عام 2023، مرتفعة بنسبة: 1% بالمقارنة بعام 2022، وقد يشهد عام 2023 أزمة ركود عقارية ناجمة عن تراجع سوق العقارات وانخفاض الاستثمارات في القطاع وتشديد شروط الائتمان؛ ففي “الولايات المتحدة”، تقترب أسعار الفائدة على الرهن العقاري من نحو: 7% مسجلة ارتفاعًا بأكثر من الضعف في أقل من عام، بينما ارتفعت بشكلٍ حاد في “بريطانيا” لتصل إلى: 4%.

وفي “الصين”، يشهد قطاع العقارات أزمة غير مسبوقة منذ أواخر حقبة التسعينيات من القرن الماضي؛ إذ تُكافح معظم شركات التطوير العقاري الصينية لإعادة تمويل سنداتها المحلية، وسط انخفاض بأسعار المساكن خلال الأشهر الـ 11 الماضية.

وستُسّاهم أزمة الرهن العقاري في “الصين” والتخلف عن سداد الديون ونظام التمويل الضعيف في تراجع الثقة بالاقتصاد الصيني في عام 2023؛ على الرغم من الجهود الرسمية لدعم نمو الإئتمان؛ (كما تدعي الآلة الدعائية الأميركية والغربية وتوابعها العربية الذي يعتبر هذا التقرير إحداها)، كما ستُسّهم حالة عدم اليقين في انخفاض عمليات البناء والتطوير، مع قلق شركات البناء من انخفاض الطلب وارتفاع التكاليف ونقص العمالة.

07 – تباطؤ معظم الأنشطة الاقتصادية عالميًا..

حيث أسّهمت سياسة التشديد النقدي التي انتهجتها البنوك المركزية في ارتفاع التكلفة الاستثمارية والإنتاجية لمعظم الأنشطة الاقتصادية، كما أسهمت في انخفاض الدخل الحقيقي المتاح لدى المستهلكين؛ ما أدى إلى تراجع معدلات الإنفاق العام، وهو ما سيؤدي بدوره إلى تباطؤ الأنشطة الاقتصادية؛ ففي الدول الأوروبية تُسّهم أزمة الطاقة وانقطاع الإمدادات الروسية في نقص كبير في إمدادات “الغاز”؛ ما يُسّهم في ارتفاع تكاليف التمويل للشركات.

وعليه؛ قد تلجأ الدول إلى إغلاق معظم الأنشطة المُستّهلكة للطاقة أو تُحجّمها، وخاصة مُصنّعي المعادن، فيتراجع النشاط الاقتصادي لمعظم القطاعات، وفي “الصين”، تُسّهم عمليات الإغلاق المتقطعة للوباء وقطاع العقارات المتعثر في تباطؤ بيانات مؤشر مديري المشتريات وتراجع معدلات الاستثمار والإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة؛ ما يُلقي بظلاله على الاقتصادات التي تعتمد على الواردات الصينية؛ حيث يُسّهم بدوره في تراجع معدلات التجارة الدولية.

08 – تراجُع مُحتمل في أسواق الأسهم العالمية..

مع التوجه العالمي نحو استمرار التشّديد النقدي لاحتواء معدلات التضخم، من المتوقع أن يُصبح الدخل الثابت أكثر جاذبية للمستثمرين خلال عام 2023؛ حيث سترتفع أسعار السّندات الدولية والأميركية؛ خاصة مع ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية، وارتفاع الدولار الأميركي؛ ما يجعلها بيئة استثمارية مميزة، بالمقارنة بأسواق الأسهم؛ حيث من المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي الإسمي بشكلٍ كبير؛ ما يُقلل من إمكانات نمو الإيرادات.

09 – ارتفاع ضئيل في معدلات البطالة..

على الرغم مما شهدته أسواق العمل الدولية من معدلات تسّريح خلال جائحة (كورونا)، ومن جراء تداعيات الحرب “الروسية-الأوكرانية”؛ حيث تباطأت الشركات في توفير فرص عمل، فمن المتوقع أن يشهد عام 2023، ارتفاعًا متواضعًا في نسبة المشاركة في القوى العاملة، ومن ثم فإن من المُرجّح أن تشهد معدلات البطالة ارتفاعًا قليلاً بنسبه: 4.3% في أواخر عام 2023.

10 – تفاقُم مستويات الديون العالمية..

حيث أسهم ارتفاع أسعار الفائدة بدوره في ارتفاع خدمة الديون؛ ما أدى إلى إضعاف قدرة الحكومات المثقلة بالديون على السّداد، خاصة في الدول النامية، كما يُسّهم ارتفاع سعر صرف “الدولار الأميركي”، نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية، في تعرض الشركات الأجنبية التي اقترضت بالعُملة الأميركية لخطر الإفلاس وعدم القدرة على السداد.

ركود عالمي..

من خلال عرض أهم الملامح المتوقعة التي تشهدها الاقتصادات العالمية خلال العام القادم، ترتفع التوقعات بتراجع معدلات النمو الاقتصادي، لكنها تختلف في حدة تلك التراجعات؛ ما يضعنا أمام سيناريوهين لمدى قدرة الاقتصاد العالمي على النمو، يتمثلان فيما يلي:

01 – السيناريو الأول: انكماش حاد في نمو الاقتصاد العالمي..

من المتوقع يشهد الاقتصاد العالمي انخفاضًا واضحًا في النمو؛ حيث يؤدي ارتفاع معدلات التضخم إلى تشّديد نقدي متزامن إضافي.

ويستند ذلك إلى عدة افتراضات أهمها توقف الحرب “الروسية-الأوكرانية”، وثبّات أسواق السلع الأساسية واستعادة نشاط سلاسل الإمدادات والتوريد، مع ثبات نسبي في ارتفاع معدلات التضخم التي تتطلب أن ترتفع أسعار الفائدة العالمية القصيرة الأجل، من: 1.6% في عام 2021؛ إلى نحو: 3.8% في عام 2023.

في هذا السيناريو من المتوقع أن يتباطأ النمو العالمي من: 2.9% في عام 2022؛ إلى: 2.4% في عام 2023، قبل أن يتعافى إلى: 3% في عام 2024، وأن يتباطأ النمو في الاقتصادات المتقدمة في عام 2023؛ قبل أن يتعافى إلى حدٍ ما في عام 2024.

وعلى عكس الاقتصادات المتقدمة، سيتّسارع النمو في الأسواق الناشئة والمتوسطة بشكلٍ مطرد من عام 2022 إلى عام 2024؛ ما يسمح باستمرار التعافي الاقتصادي.

02 – السيناريو الثاني: دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود حتمية..

لا تزال اختلالات العرض والطلب قائمة في العديد من القطاعات؛ حيث لم تتعاف سلاسل التوريد العالمية بالكامل من جائحة (كورونا)، كما تُهدد الحرب الروسية في “أوكرانيا” بزيادة أخرى في أسعار الطاقة والسلع الغذائية، ومن شأن تباطؤ النمو وإعادة فتح فجوات الإنتاج وكذلك ارتفاع أسعار الفائدة لدى البنوك المركزية أن يحّد من إنفاق المستهلكين والشركات، ويحّد من مساحة الحكومات للإنفاق التقديري.

ومن ثم لا يمكننا استبعاد نوبات مؤقتة من التضخم المنخفض في السنوات القادمة بسبب تقلب أسعار الطاقة وأسعار المواد الغذائية والخدمات، ومن ثم فإن من المتوقع أن تنخفض معدلات التضخم في عام 2023، لكنها ستظل عند مستوى مرتفع بنحو: 6% في “منطقة اليورو”؛ و4.1% في “الولايات المتحدة”.

ومع استمرار ارتفاع معدلات التضخم بالتزامن مع سياسات التشّديد النقدي وانخفاض معدلات الإنفاق، ستتراجع معدلات نمو الاقتصاد العالمي من: 2.8% في 2022؛ إلى نحو: 0.5% في 2023، ومن ثم سيدخل الاقتصاد العالمي في حالة ركود حتمي خلال عام 2023؛ حيث تُحافظ البنوك المركزية على أسعار فائدة مرتفعة لفترة أطول مما تتوقعه الأسواق حاليًا.

وعلى الرغم من أن النمو في “الصين” لن يتحول على الأرجح إلى سلبي، فإنه سيكون أقل من المستويات التاريخية، بسبب رفع أسعار الفائدة، وسياسات (صفر كوفيد) وأزمة سوق العقارات.

روشتة إنقاذ..

وختامًا؛ على الرغم من التوقعات السلبية للاقتصادات العالمية خلال العام المقبل، فإن السيناريو الأول هو المُرجح؛ حيث إن الارتفاعات المتوقعة في معدلات التضخم ستؤدي إلى تشّديد إضافي مؤقت للسياسة النقدية، ومن ثم فإن من المفترض أن ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة المرجعية لديها؛ ما يؤدي إلى ارتفاع سعر الفائدة الحقيقي العالمي القصير الأجل من: -4.7% في عام 2022؛ إلى متوسط: 0.6% خلال الفترة (2023 – 2024)؛ ما يعني تشّديدًا متواضعًا للظروف المالية العالمية، ولكن يُقابله نمو بارز في بعض الاقتصادات الناشئة يمكنها من تفادي حالة الركود العالمي المتوقع.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة