إن المكاسب والفرص لجماهير كل دولة قادمة إلى قطر لحضور مونديال كأس العالم ٢٠٢٢ محدودة ومرتهنة بالحظ حيال الفوز والترقي في التصفيات أو الخروج من المونديال وبعضهم حقق مكاسب مادية وتفاهمات تجارية وغير تجارية، إلا أن لدولة قطر مكاسب أخرى على كل المستويات، على المستوى المحلي وما تشهده البلاد من طفرة اقتصادية وثقافية وإنسانية، وعلى المستوى الإقليمي وما حصل من التقارب السياسي والاجتماعي والانصهار الجماهيري وتقارب النخب بعد فترة من القطيعة، وعلى المستوى الدولي والمكسب الأبرز هنا هو صلة الرحم الإنسانية ونشر عبق الثقافة العربية لتكون التقاليد العربية من الزي والمأكل والملبس وليكون الدين الإسلامي بتسامحه وانفتاحه وطلاقة علاقته مع الآخر وجها لوجه مع شعوب العالم دون أن تحول بينهم الصحافة والإعلام المضلل والتحريف والتشويه الذي يلحق بثقافتنا في الإعلام الغربي.
من بدائع الثقافة العربية والخليجية على وجه الخصوص ما تم التوافق عليه ليكون تميمة كأس العالم ٢٠٢٢، وهي الغترة والعقال القطري المسماة “لعّيب”، التميمة التي تملأ أرجاء قطر على هيئة مجسمات وملصقات وبالونات، والأهم من ذلك أن هذه التميمة سافرت مع عشرات ألوف المشجعين الأجانب إلى بلدانهم بعد أن أعجبوا بها فتقلدوها خلال المباريات في المدرجات والتقطوا الصور وهم يرتدونها وقد أضافوا إليها لمساتهم الثقافية وألوان أعلام بلدانهم، فقد رأينا المشجع البرازيلي والأرجنتيني والمكسيكي والأوروبي والأميركي ومن كل لسان ولون وقومية وهم يرتدون الغترة والعقال مع التصرف بألوانها وفق انتماءاتهم، وهنا يكمل التقارب الثقافي ولم الشمل الإنساني، ويصادق هذا الالتحام الإنساني في مونديال قطر على قوله تعالى “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا”، وبالفعل فإن الشعوب سرعان ما تتمازج وتتلاقح ثقافيا، وقد كانت استضافة قطر لكأس العالم فرصة لسريان التأثير الثقافي عكس التيار، من الشرق إلى الغرب، وقد عشرات ألوف الصور للمشجعين بأزياء الغترة والعقال والدشداشة شاهدة على ذلك، والشواهد أكثر من أن تحصى ويتسع لها المقال، والأمثلة كثيرة؛ كالشاب القطري عبدالرحمن بن فهد الذي صار نجما يتابعه ملايين الصينيين على انستغرام لظهوره في المدرجات بلحظة شابه فيها التميمة لعيب، وهو يعكس انطباع الشعوب الجميل عن الزي والثقافة العربية والإسلامية عموما.
هذه المكاسب الخالدة التي حازتها قطر والأمة العربية، وحازتها الإنسانية في مونديال قطر ٢٠٢٢ هي الرصيد الراجح الذي يبقى في ذاكرة الشعوب، فالمشجعون الذين عايشوا الثقافة القطرية عادوا إلى بلدانهم بشهادات مشرقة سيكون من شأنها مقاومة التشويه والدعوة إلى قبول الآخر والاقتراب منه والتعارف معه.