22 نوفمبر، 2024 7:37 م
Search
Close this search box.

الجندر أو النوع الاجتماعي بوصفه بديلا عن النوع الطبيعي

الجندر أو النوع الاجتماعي بوصفه بديلا عن النوع الطبيعي

الجندر أو النوع الاجتماعي بوصفه بديلا عن النوع الطبيعي
مفهوم النوع الاجتماعي “الجندر” ظهر كمصطلح حديثا ، فقد انتشر لدينا في ثمانينات وتسعينات القرن المنصرم ، من منطلق الدعوة لتعزيز موقف المرأة في المجتمع ، وكان أساس هذه الدعوة هو الحداثة الغربية التي تبنت المطالبة بحقوق الأطفال وأصحاب الاحتياجات الخاصة والملونين وللمتحولين جنسيا وللمثليين ، وقد استقرت الترجمات لهذا المصطلح بــ( النوع الاجتماعي ) ، الذي يعني تباين الأدوار بين الذكر والأنثى في الحقوق والواجبات والالتزامات، والعلاقات، والمسؤوليات والصور ومكانة كل منهما اجتماعياً وثقافياً من خلال التطورات التاريخية التي تمر بمجتمع ما وهي تقبل التغيير، أي ان الجندر هو الصورة التي ينظر بها مجتمع ما إلى نسائه ورجاله، وما يتوقعه من أساليب في طرق تفكيرهم وتصرفاتهم دون النظر إلى الاختلافات الجنسية التي تميز بين الذكر والأنثى.
فالجندر الذي يقابل مفهوم “الجنس Sex”، جاء للتفريق بين المميزات البيولوجية التي تميّز الرجل عن المرأة، وبين الخصائص الاجتماعية الثقافية للرجال والنساء، التي تتشكّل اجتماعياً، فإذا كانت المسؤوليات والأدوار الاجتماعية المرتبطة بكلا الجنسين (كأن تكون تربية الأطفال والأعباء المنزلية مثلاً، من مهام المرأة، والعمل في الخارج لكسب الرزق هو من مهام الرجل…)، فهذا لا يعني، بحسب “الجندر”، أن هذه الأدوار والمسؤوليات والمهام على علاقة بالتكوين البيولوجي لكلّ من المرأة والرجل ، بل هي مرتبطة بالتنشئة الاجتماعية والعادات والتقاليد، أي بالثقافة والمجتمع، ومن ثم فان هذه الأدوار من الممكن تبديلها وتعديلها وتغيرها بعد تغير الأسس التي انطلقت منها .
يُعد مفهوم “الجندر” أسوأ المفاهيم التي أنتجتها الحداثة على مدى خمسة قرونٍ وأخطرها على الإطلاق، وهو ليس مجرد لفظة، وإنما هو منظومة فلسفية متكاملة من القيم استهلكت مساحة واسعةً جداً من الجدل، وهو على خلاف الأعراف البحثية والعلمية، التي تواطأ العلماء على وضع التعريفات والبناء عليها، وما ذاك إلا لتعدّد تعريفاته -حسب المنظور الفلسفي الذي يتناوله- والغموض الذي يرافق تنظيراته الاصطلاحية، من دون أن يتوصّل الباحثون إلى تقديم تعريفٍ جامعٍ له، صار المفهوم مصدر عدمِ استقرارٍ ، أكثرَ مما هو موضع اتفاقٍ “فحين استخدم الجندر لتحديد الاختلافات بين الرجال والنساء، فإن كلمات مثل ازدواج الجنوسة أو امتزاج الجنوسة تشكك في تلك الخلافات والاختلافات، فضلاً عن وجود صراع قوي بين التيارات النسوية حول المفهوم بما حدا بالكثيرات منهن إلى العزوف عن محاولة تعريفه لأن هذا سيخلق أزمة.
إلى ماذا يدعو مفهوم الجندر ؟ :
عادة ما ينظر للجنس بانه مجموعة الخصائص البيولوجية والفسيولوجية الخاصة بكل نمط أو جنس ، فللذكر خصائصه البيولوجية ، وللأنثى كذلك ، وأما الجندر أو النوع الاجتماعي فهو الأدوار والسلوكيات التي يمنحها المجتمع لكل نمط ، وهذه الأدوار والسلوكيات تتبدل خلال التنشيئة الاجتماعية وبمرور الزمن واختلاف المكان والثقافات ، لأنها كانت تحت تأثير العوامل الدينية والثقافية والاجتماعية وغيرها، أي إنها من صنع البشر، ومن ثم فانه بالإمكان تغيرها لأنها خاطئة حسب الرؤية الجندرية ، باختصار يرى أصحاب مفهوم الجنس ان هناك أدواراً خاصة بالرجل لا تستطيع المرأة القيام بها، لأنها تتنافى مع طبيعتها، وهناك (أدوار) خاصة بالمرأة، لا يستطيع الرجل القيام بها، وهناك (أدوار مشتركة) يمكن للمرأة أن تقوم بها كما يقوم بها الرجل، وهذه الأدوار المشتركة تدخل في حيز (الاختيار) لا الإجبار، في حين يرى أصحاب مفهوم الجندر ان هذه الأدوار إنما صنعتها الثقافة المجتمعية ولابد من تغيرها وجعل الأمر سواية بين الاثنين ، ويدعو مفهوم الجندر إلى الفصل بين النوع البيولوجي والنوع الاجتماعي ، أوفي اقل تقدير يدعو إلى ردم الفجوة بينهما وعدم معاملة المرأة على أساس بايولوجي ، تقول المفكرة الفرنسية ( سيمون دي بوفوار ) صاحبة كتاب ( الجنس الآخر ) بهذا الشأن : ( ان إحداهن لا تولد امرأة ، بل أنها تصبح كذلك فيما بعد ) ، والخلاصة هنا هي ان أصحاب هذا المفهوم يدعون إلى عدم التمييز بين الرجال والنساء على وفق المنظور البايولوجي ، فبإمكان الرجل أن يقوم بجميع أدوار المرأة الاجتماعية، والمرأة تقوم بجميع أدوار الرجل الاجتماعي دون استثناء.
ولما كانت المنظومة الثقافية المجتمعية قد تكاتفت عوامل عدة في صنعها ، مثل الدين والقيم والعادات والتقاليد ، لذا يدعو مفهوم الجندرية إلى تغير منظومة القيم داخل المجتمع ، ولاسيما في المجتمعات المتدينة ، ولا مانع من جعل الناس تهرب من الدين ، بغية تغير تلك المنظومة الأخلاقية .
ما هي الأدوار والوظائف التي يدعو مفهوم الجندر لتوزيعها بين الرجل والمرأة بالتساوي ؟
يدعو مفهوم الجندر إلى عدم القبول بالنظام الاجتماعي السائد في المجتمعات الإسلامية ، القائم على أساس بايولوجي ، إنما يدعو إلى تحديد المسؤوليات ومنح الأدوار بناء على النوع الاجتماعي ، ولعل اهم تلك الأدوار هو الدور الإنجابي ، عندما يشترك كلا من الرجل والمرأة بتحمل المسؤوليات المشتركة بينهما في موضوع انجاب الأولاد والعناية بهم وتنشئتهم وتربيتهم ، فضلا عن قيام كلا من الرجل والمرأة بالأعمال المنزلية معا ، بعبارة أخرى لا يشترط في المرأة ان تكون أما حتى لو أنجبت ، وهذا ما صرحت به عالمة الاجتماع (أوكلي)، التي أدخلت مصطلح الجندرية في علم الاجتماع في سبعينيات القرن الماضي، فهي تقول: “إنَّ الأمومة خُرافة، ولا يوجد هناك غريزة للأمومة، وإنما ثقافة المجتمع هي التي تصنع هذه الغريزة؛ ولهذا نجد أنَّ الأمومة تعد وظيفةً اجتماعية” ، وهذا يعني أنه بالإمكان تغيير هذه الوظيفة، وجعل الرجل يقوم بالمهام التي تقوم بها الأم ، ولا يعني هذا ان يقوم الرجل بالحمل والإنجاب بدلا عن المرأة ، بل يعني معالجة الإشكالات الناجمة عن الحمل والإنجاب، التي تمنع المرأة من قيامها بوظيفتها الاجتماعية في المجتمع، بمعنى آخر: أن لا تهتم المرأة بالحمل والإنجاب، بل تهتم بتحقيق ذاتها في الوظيفة الاجتماعية ،لان الوظيفة الاجتماعية تحتل المرتبة الأولى في سلم الأولويات ، وجعل الأب هو الذي يقوم برعاية الأولاد بدلا عنها ، حتى يتيح المجال لها للقيام بوظيفتها الاجتماعية ، بعبارة أوضح إنها دعوة لتخلي المرأة عن الأدوار التي خلقها الله لها ، مثل رعايتها لأطفالها ، وممارستها الأدوار التي خلقها الله للرجل ، ووصل الأمر في بعض البلدان الغربية ان استغنت المرأة عن الرجل حتى في الإنجاب ، عبر تقنية الاستنساخ ، مثلما فعلت جمعية (Feminism )، عندما جعلت احدى السيدات تحمل من دون زوج ، وقد انشترت في وسائل الإعلام أخبارا عن حمل احد الرجال بعد إجراء عملية جراحية له تمكن من خلالها بزرع رحم داخل جسده .
وأما الأدوار الأخرى الأقل خطورة ، فهي على سبيل المثال ، تمكين المرأة من المساهمة في تطوير المجتمع حالها حال الرجل ، وكذلك تمكين المرأة بالعمل مقابل أجور ، بغية جلب الدخل للعائلة ، سواء أكان هذا العمل في السوق أو في المنزل ، على ألا تتمايز الأجور بينمها لأسباب اجناسية ، وأخيرا تمكين المرأة من ممارسة دورها السياسي وعدم احتكار الرجل لهذا الدور ، تقول الناشطة النسوية الأمريكية في هذا المجال ( روبن مورجان ) : (لن نتمكّن من القضاء على عدم المُساواة بين الرّجال و النّساء حتّى نقضي على الزّواج ) ، ومن خلال ما سبق يتضح لنا ان مفهوم ( تمكين المرأة ) الذي شاع في البلدان التي هيمنت السياسية الأمريكية عليه ، إنما يعني فيما يعني قيام المرأة بمهام الرجل ، وما يحمله ذلك من إجراءات تحقق هذه القيمة من التمكين السياسي والاقتصادي والقانوني والاجتماعي ، ولاسيما ان التمييز ضد المرأة ، لفظ فضفاض يدخل تحته أي لون من ألوان الاعتراض أو الإعاقة التي تقف دون (تمكين المرأة) ، كمنعها من الصلاة حاسرة الراس من غير حجاب ، أو منعها من الصلاة بجنب الرجال في المساجد ، اذ يعد هذا السلوك ضد تمكين المرأة ، بحجة ان الله سبحانه وتعالى ينظر للأنثى بوصفها نوعا اجتماعيا وليس أنثى .

من أهم ركائز ( النظرية الجندرية) :
1 . اباحة الشذوذ الجنسي : تدعو الجندرية إلى ترك الخيار للإنسان لممارسة أي نشاط جنسي تحت حماية القانون ، فحسب مفهوم الجندر يستطيع الذكر ان يصبح أنثى ، وبالمقابل تستطيع الأنثى ان تصبح ذكرا ، بناء على الرغبة الذاتية والاختيار الشخصي ، وما على المجتمع إلا ان ينظر بالمنظار نفسه لهما، ويمنحهما الحق في تكافؤ الفرص والمساواة ، حتى إنهم طالبوا بالمساواة حتى في الألفاظ ما بين الذكر والأنثى، وقاموا بإصدار نسخة منقحة للعهد الجديد من الكتاب المقدس، قاموا بإلغاء ضمائر التذكير والتأنيث فيه، كما أقاموا مؤتمرا بعنوان: جندرة اللغة ، فما دام الجميع جندر ، اذن لماذا التميز بينهم ؟ ولهذا طالبوا ان تكون هناك جندرة سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها ، فالمرأة ليست امرأة إلا لأن المجتمع منحها ذلك الدور، والرجل ليس رجلا إلا لأن المجتمع منحه ذلك الدور، ومما لا شك فيه ان إباحة الشذوذ الجنسي، والدعوة اليه وعدم الاستياء منه أو إخفائه، بل وفعله والحديث عنه جهرا، بوصفه أحد الحقوق المشروعة لكل إنسان، ولاسيما للمرأة ، إنما هو هدم لنظام الأسرة الذي يقوم المجتمع عليه ، وفي ضوء ذلك سمح للمدارس بتعليم الشذوذ الجنسي للتلاميذ ، وتبع هذا الأمر تجريم القوانين التي تعاقب على الشذوذ الجنسي .
وهكذا تلاحظ ان هذا خلاف الفطرة السليمة وخلاف الدين والأخلاق والأعراف السوية ، فالإنسان أما ان يكون ذكرا أو يكون أنثى هكذا اقتضت مشيئة الباري عز وجل ، فالذكورة والأنوثة هي إرادة إلاهية، وهي من مستلزمات الفطرة ، لكن مفهوم الجندر يدعو المجتمعات إلى عدم التميز بين الرجل المتأنث وبين المرأة الذكورية ، أو التي ترى نفسها ذكرا ، ويطلب من هذه المجتمعات ان تكون منصفة مع الجميع ، والا تميز بينهما في الحقوق والواجبات ، فضلا عن توفير الحماية التامة للجميع ، أي حماية كل رجل يقيم علاقة جنسية مع رجل آخر ، وحماية كل أنثى تقيم علاقة جنسية مع أنثى مثلها ، ما دامت العلاقة بين جندر وجندر .
ولم يقف الأمر عند ها الحد ، بل ان الأمر تعدى ذلك إلى المطالبة بتمكين المرأة من الوصول إلى كافة الخدمات المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية ، مثل عمليات الحق بالإجهاض ، وعدم تجريم مهنة بيع الجنس أو الدعارة كمؤسسة ، والمطالبة بحماية اللواتي يعملن في هذا مجال الدعارة المؤسسية ، والدعوة إلى تحسين ظروف عملهن الاجتماعية والاقتصادية ، وهذا لن يتم إلا اذا تبدلت نظرة المجتمع لهذه المهنة .
2 . الخروج على نظام الأسرة : تسعى نظام الجندر إلى هدم نظام الأسرة لصالح الحكومة أو الدولة أو المدرسة ، وفي لقاء تلفزيوني مع المنتج السينمائي الأمريكي ( ارون روسو ) يقول انه تحدث مع احد رجال الأعمال المسيطرين على البنك الفيدرالي وعلى صناعة القرار في أمريكا ( نيك روكفيلير ) عن أسباب دعم مؤسسته المالية الضخمة ، لحقوق المرأة ، فقال لكي تصبح الحكومة والمدرسة هي المسؤولة عن تربية الأطفال وليس الآباء والأمهات ، لكي نستطيع تغذيتهم بما نريد وليس بما يريد الآباء .
وأما في بلداننا الإسلامية ، فقد اصبح نظام العائلة نظاما تقليديا يجب الخروج عليه، بوصفه نظاما بطرياركيا يمنح فيه الأب السلطة المطلقة والمقدسة ، ومن ثم فان باب القوامة الذي تسير عليه العائلة المسلمة يعد نوعا من أنواع العنف الأسري الذي يمارس داخل الأسرة يستحق ان يجرم بسببه الأب ، أي إلغاء ما يسمى ( وصاية الرجل على المرأة)، لان ذلك يدخل في باب (الهيمنة الذكورية) التي يجب القضاء عليها، عن طريق تمكين المرأة ومنحها القوة الاجتماعية بكافة أشكالها في المجتمع. ، تقول الناشطة النسوية الأمريكية في هذا المجال ( روبن مورجان ) : (لن نتمكّن من القضاء على عدم المُساواة بين الرّجال و النّساء حتّى نقضي على الزّواج ) ،
3 . الدعوة للتبشير بمجتمع بشري جديد : الجندرية ليس مثلما يدعي من كونها مساواة بين الرجل والمرأة ، إنما هي دعوة للتبشير بمجتمع بشري جديد ، فيه العديد من أنواع الأسر ، مثل أسرة النوع الواحد وهي الأسرة المتكونة من الشذوذ الجنسي ، بعبارة أخرى أسرة متكونة من رجل ورجل ، أو امرأة وامرأة ، ولهذا يرى علماء المسلمين ان الجندر جاء ليؤسس مجتمعات لا دينية .
في الحقيقة ان هذه الركائز وغيرها ، إنما تصب في مؤامرة على البشرية ، ليس المعني فيها المجتمع الإسلامي ، إنما كل المجتمعات بغض النظر عن ديانتها ومعتقداتها ، وهذه المؤامرة تقودها قوى عالمية لها نفوذها الكبير ، وغايتها هي الوصول إلى المليار الذهبي ، بعد تقليص أعداد البشرية ، أما بواسطة الأمراض الوبائية أو بواسطة الحروب المدمرة أو بواسطة تدمير نواة المجتمع ( الأسرة ) بحجة ان الموارد لا تكفي البشر وعلينا التخلص من البشر الفائضين عن الحاجة أو الذين هم عالة على المجتمع البشري .
تعدد الهويات الجنسية ((LGBTQ ) :
معظم الدول الغربية تقول ان الجنس البشري لا يقتصر على الرجل والمرأة ، وان هناك هويات جنسية أخرى ، وقد عددت الدراسات المختصة بهذا الشأن الكثير من الهويات الجنسية ، مثل :
L ( LESBIAN ( امرأة تقيم علاقة جنسية مع امرأة مثلها
G (GAY) الرجل يقيم علاقة مع رجل مثله
B ( BISEXUAL ) مزدوجي العلاقة الجنسية الذين يقمون علاقات جنسية مع الاثنين
T ( TRANSGENDER OR TRANSEXUAL ) المتحولين جنسيا
Q ( QUEER) ما زلت في حيرة من تحديد جنسك
لعل من الصواب القول ان من الطبيعي ان يوجد شخص ما ولد ولديه ميولا مزدوجة ، لم تتضح معالمها حتى على مستوى الأعضاء الجنسية ، ويمكن ان يعمل عملية جراحية لتثبيت الجنس الطاغي لديه ، وربما جميعنا سمع بقضية جوجو دعارة بهذا الشأن ، ولكن من غير الطبيعي ان لا يحدد جنس الطفل الطبيعي ، حتى يكبر ليحدد هو جنسه ، ومن غير الطبيعي ان يحمل الرجل ، ومن غير الطبيعي قيام المرأة بواجبات الرجل الجنسية ، ولكن هذه الحقائق مطلوب منا حاليا التعتيم عليها ، حتى ان احدى عالمات علم الحيوان في احدى الجامعات الألمانية تقول في احدى محاضراتها ، ان العلم لا يعرف إلا الذكر والاثني ، فقامت عليها القيامة مما دعاها إلى سحب محاضرتها ، وفي برنامج تلفزيوني وثائقي ، يسأل مقدم البرنامج أناس في الغرب من مختلف المشارب أسئلة محددة ، مثل : من هي المرأة ؟ ما الذي يدل على ان هذا ذكر وهذه أنثى ؟ الجميع بقي حائرا عن الإجابة ، وبعد مدة انتقلت عدسة البرنامج إلى العالم المتخلف ، إلى قرى أفريقيا ، وأعاد مقدم البرنامج ، السؤال نفسه عليهم ، فكان ردهم : الرجل هو الرجل والمرأة هي المرأة .
نظرية المؤامرة ، هل هي حاضرة هنا ؟ :
ولو سألنا السؤال الآتي ما سر هذا الدعم غير المفهوم من هذه الدول لحقوق المثليين والمتحولين جنسيا ، ولماذا هذا الإصرار من الغرب على تبني هذا الاتجاه ، وما هو سبب هذا الدعم اللامحدود من لدن الغرب ، لهذه الفكرة ، وهل ان في الموضوع رائحة مؤامرة دولية على الجنس البشري ؟ ان جواب هذا السؤال يحيلنا إلى ثلاث إجابات وهي :
1 . وزير خارجية روسيا ( لافروف ) يقول ان السبب في ذلك هو قضية المليار السعيد ، ولاسيما ان روسيا اكتشفت ما يؤيد ذلك في حربها ضد أوكرانيا ، عندما نشرت وسائل الأعلام المختلفة أنباء عن اكتشاف معامل بيولوجية مهمتها نشر الفايروسات بين دول العالم ، بغية تقليل أعدادهم ، مثل فايروس كورونا .
2 . رأي اخر يتبناه عبد الوهاب المسيري الفيلسوف المصري ، يقول ان السبب هو محاولة الغرب ممارسة تجربة جديدة ، فبعد ان جربوا كل شيء حان الآن وقت تجربة امر جديد .
3 . الغربيون من جهتهم يبررون ذلك بالدفاع عن حقهم في العيش ، ولاسيما ان العلم اكتشف ان الله هكذا خلقهم ، لذلك يجب احترامهم مثلما نحترم باقي البشر ، فضلا عن كونه اختيارهم ويجب احترامه .
الجهات الداعمة :
لو استعرضنا مواقف الدول من هذه القضية ، لرأينا ان روسيا من اكبر الرافضين لها فالرئيس الروسي لا يترك مناسبة إلا ويذكر بان الغرب يسعون إلى اللعب بهوية الأطفال الجنسية ، وان روسيا لديها نوعين رجل وامرأة ، والغرب الفاسد لديه ثمانين نوع يريد فرضه علينا ، من جانبه الرئيس الأمريكي الحالي وإدارته الجمهورية من اكبر الداعمين لحقوق المثليين الجنسية وحقوق المتحولين جنسيا ، في حين الإدارة الديمقراطية ومنها الرئيس السابق ترامب كان من الرافضين لها على الرغم من عدم تصريحه بذلك علنا في أثناء ولايته ، ولكنه عندما خرج من السلطة ، قال بشكل صريح ان التعليم الأمريكي لا يسمح بتعليم الأطفال تعاليم الإنجيل ولكنه يسمح لهم باختيار جنسهم ، وعلى نحو عام فان الدول الغربية حاليا هي التي تتبنى الموضوع وتدافع عنه ، وعلى رأسها المانيا وفرنسا ، فضلا عن الولايات المتحدة الأمريكية ، وهذه الدول التي بلغ عددها حوالي ( 32) دولة ، حول العالم ، تمنح الجندرين حقوقهم وتدافع عنهم ، وتبنت بعضها قوانين للدفاع عن حقوق المثليين والمتحولين جنسيا ، والغريب في الأمر بان هذا الدعم كان حديثا لا يتجاوز الخمسين عاما ، فقبل 1970 لا توجد حالة مشابهة حتى في الغرب ، باختصار ان الاهتمام بهذه الحالة كان حتى في الغرب حديثا .
ومن أوجه الدعم يمكننا الإشارة إلى تبني الاتحادات الرياضية هذا الموضوع ، فهي تمارس ضغوطا كبيرة جدا على الدول التي تستضيف أحداث رياضية كبيرة ، مثل بطولة كأس العالم الأخيرة في قطر ، للسماح للمثليين بالحضور بشكل رسمي ، وتبني شخصيات عالمية مؤثرة لهذه الفكرة ، ولا نجد داع هنا لاستعرض أسماء هؤلاء ، وتوجد حاليا لوبيات في الغرب للدفاع عن هذه القضية ، تضغط على السياسيين ، وعلى سبيل المثال يضغطون على احد المسؤولين في احدى دول العالم الثالث ، ويغرونه بتجديد ولايته ، أو يغرونه بمنح بلده تسهيلات أو قروض من البنك الدولي ، مقابل التوقيع على اتفاقية ينضم بموجبها بلده إلى الدول الداعمة للمثليين ، أو الانضمام إلى اتفاقيات تصب بالمجرى نفسه ، مثل اتفاقية حماية الطفل من العنف الأسري التي شرع البرلمان العراقي بمناقشتها ، التي تعني فيما تعني عدم السماح لك بتربية طفلك بالصورة التي تراها مناسبة ، ومنح الحكومة هذه السلطة ، وهي مما لا شك فيه تصب في هذه القضية ، فالسعي لان تكون المدرسة والحكومة بديلا عن مؤسسة الأسرة ، هو احدى وسائل الجندر للوصول إلى غايته ، هوليود من جانبها تجتهد بإقحام الشخصيات المثلية في أفلامها ، إلى ان وصل الأمر إلى أفلام الكارتون المخصصة للأطفال ، وقصص الأطفال التي أعيد إنتاجها لتتلاءم مع الاهتمام بالمثليين ، إدارة الرئيس الأمريكي الحالي ضمت اكثر من (2) الف شخصية فيها بين وزراء وضباط ، فحتى وسائل الأعلام الغربية مثل وكالة(CNN) عندما يقابلوا الزعماء الافارقة ، وبدلا من طرح أسئلة حول موضوع الجوع والأمراض المتفشية في أفريقيا ، نراهم يصرون على طرح سؤال عن وجهة نظر هذه الدول حول موضوع المثلية الجنسية ،باختصار لقد اكتسبت حركة الدفاع عن حقوق المثليين زخما كبيرا على الصعد كافة ، والأمر لا يقتصر على المؤسسات السياسية والإعلامية والاقتصادية ، بل وصل الأمر إلى المؤسسات الدينية فاكبر الكنائس في اوربا حاليا تتبنى هذا الموضوع .
الدراسات النسوية وعلاقتها بالجندر :
رب سائل يسأل ويقول وما علاقة الأدب والنقد بهذا الموضوع ،ولاسيما بعد تبني بعض النقاد ، الحديث عن هذا الموضوع ، في الحقيقة ان جواب هذا السؤال يحيلنا إلى منظومة متداخلة من الإشكاليات ، ومن ذلك ان هناك فرعا من الدراسة ظهر حديثا في الغرب ، بالتزامن مع ظهور الحديث عن الجندر ، واعني به ما يسمى بالدراسات النسوية ، او الدراسات النسائية ، وهي كلها مسميات لموصوف واحد ، وهو مجال اكاديمي حديث ظهر في الجامعات الغربية ، يهتم بدراسة الشؤون السياسية والمجتمع والإعلام والتاريخ من منظور النساء ، ويهتم هذا الفرع من الدراسة بكل المظاهر التي لا تمنح فيه المرأة المساواة الاجتماعية ، فقد تخيل أصحاب ( النظرية النسوية ) ان هناك صراعا بين الرجل والمرأة ، وان هذا الصراع ليس صراعا تكامليا ، وهو إقصائي ، ويضرب أصحاب المشروع أمثلة عن هذا الصراع ؛ نساء أفغانستان المضطهدات ، والنساء الايزيديات اللاتي وقعن ضحايا لداعش ، والنساء المجبرات على ارتداء الحجاب ، واذا استعرضت قائمة تلك النماذج ، يخال لك ان الذي يحدث لهذه النسوة في القرن الحادي والعشرين ، إنما هو مخطط يراد منه إثبات صحة دعوى القائلين بموضوع الجندر ، وعلى نحو عام فقد تأسس هذا الفرع من الدراسة الإنسانية في الجامعات الغربية ، وهو يعنى بما تنتجه حواء ويعبر عن وجهة نظرها ، وفي ضوء ذلك اهتم هذا النمط من الدراسة بالنصوص الأدبية والنقدية التي تنتجها المرأة ،وكذلك بالنصوص الأدبية التي أنتجها الرجال وتحدثوا فيها عن المرأة ، بعبارة أخرى ان هذا الفرع من الدراسة يتهم بالمرأة بوصفها كاتبة ومكتوب عنها ، فزج القائمون على هذه الدراسات تلك النصوص ، سواء أكانت إبداعية ام نقدية ، في خضم معركة لم تحسم لحد الآن في العالم ،مدعين ان هناك صراعا بين ما يكتبه الرجال وما تكتبه المرأة ، متصورين ان نتاج المرأة الثقافي ، محكوم بهيمنة ذكورية حتمية ، ولم تقف تصوراتهم عند هذا الحد ، بل راحوا يتحدثون عن حضور النظرية النسوية في أعمال الرجال الأدبية والنقدية ، كما انهم ذهبوا إلى ابعد من هذا عندما راحوا يصورون للناس ان العلوم الطبيعية ، مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرها ، هي الأخرى قائمة على مبدأ ذكوري تسلطي ، وعلى الأنثى الكفاح من اجل أنثوية دراسة العلوم الطبيعية .
وترى النظرية النسوية ان النقد الأدبي النسوي له تصوراته الخاصة ، التي تصور هيمنة الرجل على الخطاب النقدي ، وابتدعت لهذا الأمر عدة مصطلحات ومفاهيم وآليات تحليل إجرائية لترسخ هذه الفكرة ، في حين يرى المناهضون ، مثل ادوراد سعيد وغيره ، لهذه الفكرة ان الخطاب الاستعماري هو الذي يصور هذا الأمر ويرسخه ، لكي يرسخ هيمنته الثقافية على دول العالم الثالث ، فصاحب كتاب ( صدام الحضارات ) صامويل هنتجتون ، يؤكد ان الصراع بين الحضارات في العصر الحديث ، إنما هو صراع ثقافات بالدرجة الأساس ، حتى وان نحى منحنى عسكريا أو اقتصاديا ، وحذر بها الشأن من الثقافية الصينية والثقافة الإسلامية ، ورأى فيهما خطرا وجوديا على الثقافة الغربية ، ودعا إلى محاربتها بكل الأشكال ، وهذا ما يحصل اليوم ، ولهذا نجد المناهضين للنظرية النسوية ، يدعون إلى إعادة دراسات الجندر إلى منطلقها السياسي الذي انبثقت منه وعدم ربطها بالدراسات الأدبية والنقدية .
دراسات ما بعد الكولونالية أو ما بعد الاستعمارية :
لقد اجتهدت الدول الاستعمارية ( دول الرجل الأبيض ) في شن حملاتها خارج بلدانها ، في اطار ما كانت تعده فتحا حضاريا لشعوب ما زالت ـ حسب زعمها ـ لا تمتلك ما يؤهلها للارتقاء إلى مستوى البشر ، زاعمة ان السماء قد أرسلتها للنهوض بواقع تلك البلدان المتخلفة التي لا تمتلك رشدها ، وفي ضوء ذلك سعت الدول الاستعمارية إلى ان تبقى صورتها مشرقة ، وتصور نفسها على أنها لم تأت لسرقة خيرات الشعوب المستعمرة المغلوب على أمرها ، بل كانت صاحبة رسالة تنويرية ، وانها كانت تؤدي واجبها اتجاه ربها واتجاه السماء ، لأنها كانت تمد يد المساعدة إلى من لم يحالفهم الحظ للارتقاء إلى مستوى البشر ، فاستحالت البلدان التي وقعت تحت نير الاستعمار، إلى مجرد ملكيات خاصة لهذه الدول ، التي مارست أفظع أنواع القرصنة المعتمدة على السلب و النهب و الاقتلاع من الجذور ابتداء من الأرض و الثروات و انتهاء بالهوية والانتماء الثقافي .
ومن هنا وانطلاقا من رصد هذه الممارسات الاستلابية و التغريبية تبلورت لدى مجموعة من مثقفي دول العالم الثالث -الذين هاجروا أو تم نفيهم- وعي رافض في تناولهم للخطابات السائدة ليضمهم حقل دراسي استطاع و بجدارة أن يستوعب تطلعاهم في تعرية و فضح خطاب المركزية الغربية ، وهذا الحقل هو ما اصطلح على تسميته بـ ( دراسات ما بعد الكولونيالية أو دراسات ما بعد الاستعمار ) وهذه التسمية هي من مقولات علم السياسة ، تم جلبها مؤخرا لوصف المأزق الجديد الذي أخذت تتخبط فيه البلدان التي خرجت من تجارب الاستعمار الغربي ، وعلى نحو عام ، فإن هذه الدراسات تهتم بشكل أساسي بدراسة الآثار المترتبة على الاستعمار، على أصعدة مختلفة، ثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، على افتراض ان الآثار الاستعمارية لم تنته مع نهاية حقبة الاستعمار الاستيطاني، وإنما لا زالت باقية، خصوصًا فيما يتعلق بالخطاب الثقافي، الذي يتعين تغييره، وتفكيك التقاليد المعرفية الإقصائية فيه، وإعطاء المهمشين أصواتًا وأدوارًا أكبر، ومن ثم فدراسات ما بعد الكولونيالية تناقش مواضيع متنوعة حول تجارب مختلفة: كالهجرة، العبودية، القمع، المقاومة، التمثل، الاختلاف، العرق، الجندر، واستجابات التأثر بالخطابات المتسيّدة للإمبريالية الغربية.
الدول الاستعمارية قامت بتعريف الآخر المختلف عنها ، وفقا لمنظومتها المعرفية ، فقالت انه ذلك العالم المتخلف غير الديمقراطي والبربري ، أو هو الشرق اتجاه الغرب ، أو الهامش مقابل المركز، أو المستعمر مقابل الشعوب المستعمرة الضعيفة، وغيرها من الصفات التي تكرس استغلاله لموارد ذلك العالم ، وقد اعتمدت تلك الدول على التفكيكية في قراءتها للآخر ، فراحت تتلاعب بالهويات العرقية والأثنية، وتقوض الخصوصيات الثقافية للمجتمعات الشرقية لصالح ثقافة المركز ، حتى أن الفلاسفة والمنظرين الجدد يرون أن نظرية ما بعد الاستعمارية هي التي أسست لفكرة ما بعد الحداثة أو التفكيكية ، لأنها هي التي تتجرأ الآن وتطرح الأسئلة الفلسفية الكبرى وتحاول تفكيك الإيديولوجيات الطاغية ، كالدين والأخلاق والقيم ( ينظر: بارت مور- جيلبرت في كتابه الموسوم (ما بعد الاستعمار: السياقات، الممارسات، السياسات) ، ومما لا ينكره احد هو ان التفكيكية كانت في الأساس فكرة فلسفية تبنتها أمريكا ، بعد ان رفضتها فرنسا ، فكانت من تطبيقاتها الفوضى الخلاقة التي نعيشها اليوم .
أطلق كتاب المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد «الاستشراق» حركة واسعة النطاق على هذا الصعيد ، ولاسيما فيما يخص قضايا «الجندر» و«النسوية ما بعد الكولونيالية»، فسعى إدوار سعيد إلى تفكيك الرؤى الاستعمارية والاستشرافية حول النساء في الدول المُستعمرَة سابقًا، ولا سيما تلك المرتبطة بالحريم الشرقي، والبطريركية، والإيروتيكية او الدين ، وقمع الشرق للمرأة ، وقد ركز إدوار سعيد على مفهوم «نساء الهامش»، فما الذي قصده من ذلك ؟
احتلت ثنائية المركز/ الهامش موقع الصدارة في الدراسات النسوية ما بعد الكولونيالية؛ والمقصود بالهامش «أولئك النساء المقهورات من قبل منظومتين: المنظومة الاستعمارية التي صورتهن ضحايا النظام البطريركي والدين، والمنظومة الأبوية الشرقية ، اذ مارست هذه المنظومات تهميشًا للنساء، حاول الاستعمار الوقوف عنده وتضخيم سلبياته ، متناسيا ما قام به هو اتجاه شريحة النساء ، كذلك متناسيا ما صارت عليه المرأة في ظل النظام الرأسمالي الذي جعلها سلعة تباع وتشرى لمن يدفع ، فأجبروها على تمثيل الأفلام اللاأخلاقية ، طمعا بالمال ، واجبروها على التعري أمام كاميرات المصورين للإعلان عن بضاعة .
لقد وظفت المنظمات الدولية خطاب ما بعد الكولونيالية ( ما بعد الاستعمار) او مفهوم ما بعد الحداثة ( التفكيك ) في معالجاته للقضايا التي يناقشها في المجتمع الآخر ، ومنها قضية «الجندر» أوالنسوية ما بعد الكولونيالية ، ومن هذا الباب تسعى تلك المنظمات الدولية ، التي سيطر ليها الخطاب الاستعماري ، فرض رؤيتها المتعلقة بالمصطلح في أوساط المؤسسات النسوية العربية ، على الرغم من ان المجتمع العربي حمّال أنساق اجتماعية وثقافية وحضارية مختلفة عمّا هي عليه في البيئة الحاضنة للمصطلح والمتبنية لرؤاه، واستشراء المفهوم في نسيج المجتمع العربي وداخل المنظمات العربية النسوية وغيرها ، من دون وعي يشكل تهديدًا حقيقيًّا لنسيج المجتمع العربي الذي يعتمد الأسرة بشكلها الأوحد ووظائف أفرادها الفطرية نواةً متماسكة حاملة له مما ينذر إلى جانب مخاطر تفكيك الأسرة ، التي تعدّ من آخر الحصون التي يتفاخر بها المسلمون على الغربيّين بإحداث هوَّةٍ خطيرةٍ بين الجنسين لتقوم العلاقات بينهما على التناقض والتّصادم بدلًا من التّكامل من خلال فهم كلّ جنسٍ خصائصه وقدراته ومهامه.
طريقة فرض الرؤية الغربية على مجتمعاتنا :
ولغرض تفسير رفض المجتمعات الشرقية لهذا الانفصام عن الفطرة بالتخلف ، اتهم الغرب المجتمعات الشرقية ، بانها مجتمعات تعيش تحت ظل وصاية دينية وثقافة ذكورية ، تستند إلى مزاعم لا أساس لها من تفضيل جنس الذكور على جنس الإناث ، وان تلك المجتمعات تتحكم بمصائر النساء ، تحت ذرائع شتى مثل ؛ حماية الشرف وغسل العار والمحافظة على الأخلاق والقيم والمثل ، لغرض فرض هيمنتها على النساء وإخضاعهن والتحكم بجنسانياتهن ، أي بمنحهن أدوار اجتماعية محددة ، يحددها لهن المجتمع الذكوري ، كأن يقول لهن هذا السلوك مناسب للمرأة وهذا غير مناسب لها ، ويا أيتها المرأة ارتدي الحجاب لان الرجال والمنظومة الدينية وجدت انه مناسب لك ، وهكذا وجدت تلك المنظمات الأممية ان المجتمعات الشرقية استطاعت تحديد وظيفة المرأة ودورها في المجتمع ، كما استطاعت الهيمنة الذكورية المتفشية فيها ، التغاضي عن العنف ضد المرأة وحتى اغتصابها ، بل وإلقاء اللوم عليها في شيوع ظاهرة التحرش ، لأنها هي التي منحت الرجال الفرصة في ذلك من خلال ارتدائها الملابس الخادشة للحياء ، ولهذا فان هذه المنظمات لا يهدأ لها بال إلا اذا تغيرت رؤية المجتمع الشرقي نحو المرأة ، ومن أولى الخطوات لهذه الغاية ،هي تغير القوانين التي تحدد من حرية المرأة ومنحها الحرية الكاملة التي في ضوئها تصبح مساوية للرجل أو مماثلة له .
من جانبها تبنت الأمم المتحدة بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية ، قوانين داعمة للتوجه الجندري ، مثل القانون الذي يعد كل تفرقة بين الذكر والأنثى على أساس اجتماعي يعد جريمة ضد الإنسانية ، ولهذا تبنت الأمم المتحدة قانون عولمة المرأة بشقيها الاجتماعي والثقافي ، وفرضته على بقية الدول ولاسيما دول العالم الثالث ، عبر إغراء الدول التي ستمتثل لقوانينها بمنحها معونات أو قروض، ولهذا تحاول الأمم المتحدة الضغط على بعض الدول الإسلامية ، بشأن إجراء بعض التغييرات أو التعديلات في قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في هذه البلاد، وهو تغيير متفق عليه يأتي في سياق الالتزام بالأجندة الدولية بعد موافقتها عليها في المؤتمرات الدولية ، ومن الطبيعي ان هذا التغيير لا يأتي تعبيراً عن حاجة ماسة داخلية لشعوب هذه الدول العربية المسلمة.، إنما يأتي التزاما بتعهدات الحكومات اتجاه منظمات الأمم المتحدة، ولهذا نرى تقوم الأمم المتحدة بكل هيئاتها ومؤسساتها تقوم بمتابعة تنفيذ ما جاء في توصيات هذه المؤتمرات الدولية عبر المراقبة والمتابعة لجميع الدول الموقعة على تلك الاتفاقيات ،فضلا عن قيامها بتسهيل مهمة العديد من المنظمات الأممية الدولية ، كالحركات النسوية الأممية ، والحكومية وغير الحكومية ، فضلا عن معاهد ومراكز البحث العلمي ووسائل الأعلام الضخمة ، برعاية الفكر الجندري وتسويغه وتسويقه وتمريره في المجتمعات الإسلامية عبر العديد من المنظمات التي تعنى بتنفيذ توصيات الأمم المتحدة، ومنها منظمات تعنى بقضايا المرأة بشكل خاص.
مثال عن الانحلال الأخلاق في الغرب :
هناك برنامج تلفزيوني في الولايات المتحدة الأمريكية ، يعرض منذ سنة 1991 وتجاوز عدد حلقاته لحد الآن 3500 حلقة ، اسمه ( انت لست الأب ) يحضر فيه عدد من الرجال الذين أقامت المرأة علاقات معهم ، فنتج عن تلك العلاقة ولد غير شرعي ، ليخضعوا إلى فحص الحامض النووي ( DNA ) لإثبات أبوة احدهم لاحد الأطفال ، واغرب الحالات ان امرأة دعت 18 رجلا أقامت علاقات معهم خضعوا جميهم لتحليل الحامض النووي ( DNA )، فجاءت النتيجة سلبية اذ لم يكن احد من هؤلاء والد الطفل البيولوجي ، ومن ثم فهذا مثال بسيط عن مدى ضياع الأنساب في الغرب الذي يريد فرض رؤيته على مجتمعاتنا ، وفي إحصائية للأمم المتحدة بلغت نسب أولاد الزنا في بعض بلدان العالم الغربي : ( بناء الزنا في فرنسا 60% ، بلغاريا 59% ، السويد 55% ، الدنمارك 54% ، البرتغال 53% ، هولندا 50 % ) ، هذه الدول هي التي تحارب نظام الأسرة ، تحت ستار الدفاع عن حقوق المرأة ودعوات للحرية الشخصية ، وترفع شعارات مثل تمكين المرأة تحت دوافع مشبوه .
ان المرء ليحار عن الجهة واللوبي الذي يدعم التوجهات التي تغير الطبيعة ، من هم الآباء المؤسسين لفكرة عدم أهمية الأعضاء التناسلية لتحديد هوية الفرد الجنسية ، ولماذا تحمي الديمقراطية الغربية هذه التوجهات ؟ ولماذا يخسر كل شخص يقف بوجه هذه التوجهات ، وظيفته ومكانته ؟ ولماذا الغرب الديمقراطي يعلم الأطفال منذ نشأتهم الأولى التشكيك بهويتهم الجنسية الطبيعية ؟ وكيف أصبحت الرياضة النسوية مشوهة بعد دخول الرجال المتحولين جنسيا اليها ؟والى أي مدى باتت العمليات الجراحية فضلا عن العقاقير الطبية متاحة لجميع الذين لديهم ميول للجنس الآخر ؟ ، فقط للمعلومة أقول ان الرئيس الأمريكي جون كندي قال قبل مقتله بليلة واحدة : لا ينبغي لدولة ديمقراطية مثل أمريكا ان تتحكم بها الحكومة الخفية ، وان البنك الفدرالي الأمريكي وهو كيان مستقل تسيطر عليه عوائل معروفة مثل عائلة الروتشيلد وروكلفر .
انطوت اتفاقية سيداو ، التي تعني باللغة العربية اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، على فقرات لا تتناسب مع مجتمعنا ، مثل السماح للمرأة بالإجهاض ، عدم السماح بتعدد الزوجات ، التساوي بالميراث ، وعدم وجود ولاية للرجل على المرأة ، الزواج المثلي ، العلاقات الجنسية خارج بيت الزوجية ليست جرما يستحق العقوبة ، علما بان العراق من البلدان الموقعة عليها ، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في عام 1981 مع تحفظ العراق على بعض فقراتها ، في الختام أدعو المخلصين إلى الانتباه إلى خطورة هذا الموضوع على البشرية قاطبة وليس علينا فقط …

أحدث المقالات