24 ديسمبر، 2024 2:12 ص

فهل الى التوبة واحضان الوطن من سبيل؟

فهل الى التوبة واحضان الوطن من سبيل؟

بعد ابتلائنا بالاستعمار المباشر ونزف الاقتصاد وقهر الشخصية القومية والوطنية في كل قطر من اقطارنا العربية تحت سيرورة التاريخ نحو الاستقلال عنوة بالدم والسلاح غالبا وبالكلمة والمفاوضات نادرا. حقيقة بحكم البداهة وبديهية بمستوى الحقيقة المطلقة، الا ان تفنن الاستعمار في ابتداع صيغ العودة الى هذه الاوطان من خلال الاقتصاد او الثقافة او العلاقة الثنائية المتميزة او الكتابة الموثقة… او … او …..الخ باتت عارية من كل غطاء وستر، هنا ظهر نوع جديد من الذكاء السلبي بازاء هذه الشعوب والاوطان، وعلى نحو خاص المشاكسة او الواقفة بصلابة بوجه الاستعمار مع الاستعداد في التضحية والمطاولة والتكيف الايجابي، اذ يضم الذكاء السلبي هذا ايجاد علاقة سرية ثنائية بين الحرب وسبب الحرب، ولقد رمزنا لسبب الحرب بكلمة شرارة او القشة التي تقصم ظهر البعير في التعبير المثلي بلاغة، ثم يتحدد موقع ساحة الحرب داخل الوطن او خارجه ويتحدد سبب الحرب والشرارة معاكسا لذلك، اي، خارج الوطن او داخله. فعندما تصير الحرب خارجية يحاول الغرب الاستعماري جعل سبب الشرارة داخليا، وعندما تصبح الحرب داخلية يستميت الغرب الاستعماري بجعل الشرارة  (السبب )خارجيا وهكذا.
 انهم يلعبون لعبة حتمية الحرب وتغيرية الاسباب مع الاوطان والشعوب العصية عليهم، ولكن مع الحتمية هذه قد تضمر الحرب الى درجة المناوشات في الاعلام دون المعركة، وقد تتسع الحرب الى درجة الابادة الجمعية Genocide بالسلاح الكتلوي او الجرثومي او الاقتصادي ،واما السبب (الشرارة) فقد ينتقل من حقل الى حقل ومن مجال الى مجال في المعتقد والمذهب والدين والعرق وكلها جاهزة ،لان دهاليز المخابرات الاستعمارية تحفظ كل صغيرة عن هذه الامور في مستعمراتها السابقة مع المتابعة والتحديث، وكانت هذه المخابرات ومازالت تجند البحوث الاكاديمية في الطريق نفسه وبالطريقة عينها، ثم ظهرت المخابرات الاسرائيلية لتضيف البنزين الى النار في الوطن العربي على نحو خاص وفي كل ما يتعلق بالعراق على نحو اكثر خصوصية.
هنا يبدو صحيحا ان امتلاك السلاح المادي من كل نوع او مستوى هو عمل مشروع بل صحيح ولازم، ولكن مع هذا السلاح يبدو الوعي الوطني الفردي عند المواطن والوعي الوطني الجمعي عند التجمعات السكانية على اي تصنيف اجتماعي او مجتمعي ممكن او واقع حاجة قائمة بالنسبة التي لا تقل عن تسعة على عشرة زائدا نصف الواحد، وما تبقى نصف الواحدة من العشرة يصير عدواً لنفسه بالاختيار وعدواً لشعبه ولوطنه بالاصرار والتحدي، والحماقة والجهل. ومن البديهي ان تكون النتائج متمثلة بشعور عال بالمسؤولية بازاء الوطن والشعب ومستقبلهما الواحد مع التنوع والتآخي ومع الاختلاف والاجتهاد وفائدتها في سياق الحياة المتطورة، وهو في الوقت نفسه حقوقها ومستلزمات صيانتها ورعايتها وادامتها بحكم المحبة والضرورة.
لا اكتم سرا، اذا قلت ان الشارع العراقي اليوم يدرك اهمية التنوع مع الاجتهاد وفائدتهما في سياق الحياة الواحدة المتطورة، وهو في الوقت نفسه الشارع، يدرك خطورة التحالف والمناكفة بالجهل والتعصب، ليس ذلك على محمل التجريد النظري او تطييب الخاطر بل على محمل التقصي والتحليل الشخصي او الخاص، وهو مؤثر جيد لا تؤثر فيه (زوبعة فنجان) و (احلام يقظة) مريضة في هذا الراس او ذلك، بل اكاد اصل الى نتيجة ان الذين هم بعيدون عن (نار) الفتنة ومعاناتها يدركون هذا التشخيص جيدا الا ان تورطهم في ترك شعبهم ووطنهم وراء ظهورهم ليناموا كثيرا ويكألوا اكثر في احضان من يريد بالعراق.. عراق الجميع سواءاً وشراً وضراً بل دماراً وهلاكاً، يمنعهم من التصريح علنا بهذه المشاعر لان ما يفتقرون اليه ينحصر بالشجاعة، فاذا قبل (س) من الناس في خارج الوطن او في داخله ان يكون طلقة في مسدس الامريكي او شظية في مفخخة الايراني لاسباب تتعلق بضائقة معاشية محدودة او منغصات عامة لا يبرأ منها بريء فانهم قد اختاروا قتل العراق عمليا من حيث يريدون، تصوراً وخيالاً، انقاذه من وهم رسمه الاميركان والانكليز واليهود والعجم  وغيرهم واكبر دليل على ذلك ان أثقف من يرفع لواء المعاكسة  من لا يملك ادنى تصور عن واقع المجتمع العراقي في ديموغرافيته وانثروبولوجيته وعقائده وتدينه منذ وصية الراحل فيصل الاول حتى الان… والا فأين هي مواقف الاميركان واليهود الصهاينة (الحلفاء) والايرانيين (الاصدقاء) ازاء العراق بوصفة دولة اولا وبوصفه مجتمعا واحدا ثانيا وبوصفه حضارة سابقة ولاحقة ثالثا؟
انهم واقعون تحت خدر سايكولوجيا الكلمة في الاعلام الغربي ولكن اذا جد الجد وحانت ساعة الحساب فلن يجد الاشرار انفسهم الا في اعلى اعواد مشانق الحلفاء والاصدقاء تخلصاً منهم وتبرأ قبل ان يقتص الوطن منهم بتهمة (الخيانة العظمى) والعوذ بالله. فهل الى التوبة من سبيل وهل الى احضان الوطن الغفور من عودة!.
[email protected]