الأديب الشامل والصحفي المعروف هاتف عبد اللطيف الثلج الذي نتعرف على بداياته اليوم ، هو أديب ذا مقدرة أدبية وصحفية ممتازة أتاحت له الظروف أن يعيش بيئتين متباعدتين من أرض العراق من دون أن يشعر باختلاف وكان ابنا حقيقيا لكلا البيئتين تعلم منهما واغترف من معينهما ومازج في كتابته المتنوعة في ضروب الأدب بين طبيعتهما لكن الغرابة في حياة الثلج انه نما وسط بيئة قومية وخالفها وانتمى لليسار ومع هذا الانتماء لم تلفظه بيئته وتعاملت معه بموجب الثقة التي يتمتع بها وكان بحق مصداقا للثقة وشجاعة الرأي وتبوء الكثير من المناصب والمواقع المهمة وعمل في كثير من الصحف وكان مثالا للصحفي الملتزم
يقول هاتف الثلج عن بداياته ..
تجربتي الإبداعية
هناك من يختص في مجال واحد ويتميز به إبداعاً، ولكن الغريب في الامر أنني منذ شبابي الأول كنت متعدد الاهتمامات ولكنها تصب جميعاً بالجانب الفكري والثقافي المسرحي والأدبي والصحفي والإعلامي، وهي برأيي وان تعددت مسمياتها إلا انها تدرج جميعاً تحت باب الإبداع الفكري.
فقد بدا اهتمامي أولاً وأنا أتدرج في مراحل عمري المختلفة، فكنت من الطلبة المتميزين بمادة الإنشاء ابتداءً من مرحلة الدراسة الابتدائية حتى الثانوية.. فكان المعلمون والمدرسون يشيدون بنمط الكتابة الإنشائية التي اكتبها، حتى ان الكثيرين منهم كانوا يقولون لزملائي التلاميذ في الصف:
-ان هاتف يكتب موضوعات تفوق عمره.
وكثيراً من هؤلاء المعلمين والمدرسين وهم يعجبون بنمط الإنشاء الذي اكتبه في أول مرة، كانوا، يطلبون مني ان اكتب موضوعاً في الصف، فكنت أكتب ما يريدون وكنت اعرف انهم يختارونني، خلال ربع ساعة أكون قد أتممت الموضوع في تناوله المعلم او المدرس ويبدأ بقرائته وهو يهز رأسه مع ابتسامة خفيفة في معظم الأحيان ويقول:
-حقاً انك مبدع.. وكنت أظن أن هناك من يكتب لك هذه المواضيع.
كما ان هذا الولع في كتابة الإنشاء صاحبته كتابة الخواطر المختلفة والرسائل.
الشيء الأخر الذي غذى مواهبي الفكرية هو مشاهدتي الأفلام السينمائية المتميزة منها، لا سيما التي كانت تعرضها دار سينما شركة k2. فهي قد عرضت أفلاماً أجنبية مميزة لم تكن تعرضها حتى أرقى دور السينما في بغداد، ومنها أفلام الكاوبوي منها فيلم (طريق العربات) بطولة كاري كوبر، الأفلام الرومانسية (مرتفعات وذرينج) و(ذهب مع الريح) وغيرها.
وهذا ليمهد لانا عالم المسرح والذي شكل أبعاد تجربتي المسرحية حيث ابتدأت في المسرح المدرسي أولاً وفي المسرح العسكري ثانياً وفي فرقة مسرح اليوم ثالثاً.
لكن الملاحظ أن اهتمامي كان في المقدمة، السينما والرواية، لقد تأثرت بنصيحة خالي الناقد د. جميل نصيف التكريتي إنه يجب على من يدخل عالم المسرح كتابة او تمثيلاً ان يلج هذا العالم بانتمائه إلى إحدى الفرق المسرحية لتغذية تجربته المسرحية وليتقن تقنيات المسرح وادواته، هذا ما يمهد له أن يكون ناقداً مسرحياً جيداً.
تجربتي الأدبية
أما تجربتي الأدبية فقد بدأتها مبكراً بكتابة قصصٍ للأطفال وقصصٍ قصيرة نشرتها في صحف ومجلات مختلفة، كذلك فإن تجربتي في النقد الأدبي بدت مبكرة ولم يزل الأرشيف لصحف عديدة يزخر بالكثير مما كتبته في مجال النقد الأدبي والفني، فقد كتبت دراسات أدبية ونقدية لمسرحيات لبعض الكتب القديمة والحديثة.
بالنسبة إلى القصة والرواية فقد انقطعت عن كتابة القصة ولم أكمل رواية حتى كنت قد كتبت فصلا منها وكذلك فصلا من مسرحية، ولكني اتجهت إلى النقد الأدبي وكتابة السير والنقد المسرحي، ذلك ان هذه الأنماط الثلاثة هي التي تحتل الصدارة في مجال الفكر الإنساني.
تجربتي الصحفية
يلاحظ الدارسون لتاريخ الصحافة العراقية والعربية منذ البداية التأسيسات الأولى، أن معظم الصحفيين أن لم نقل جميعهم جاؤوا من الأدب إلى الصحافة، وان رؤساء تحرير الصحف في الأغلب من الأدباء والشعراء والتاريخ الصحفي يشهد بذلك.
فصاحب مجلة الرسالة في مصر احمد حسن الزياتكان أديباً وصاحب مجلة الثقافة المصرية في الثلاثينيات محمد فريد وجدي أديباً وصاحب مجلة المقتطف يعقوب حروف أديباً وجرجي زيدان روائياً وروفائيل بطي أديبا والجواهري شاعراً وغيرهم ممن اتى بعدهم.
فإنني سرت على خطى هؤلاء الرواد فاقتحمت عالم الصحافة قادما من عالم الأدب،لأني اعتقد إن العمل الصحفي هو جزء من الفن الأدبي.
علماً أن أغلب الصحفيين كانت لغتهم ركيكة قبل ان يدخل عالم الصحافة هؤلاء الادباء والمفكرين، لذا فإن عملي في الصحافة والاعلام أصبح مميزاً كوني امتلك قلما سيالاً يسهل لي ان اصل الى قلب القارئ ومشاعره وان اعبر عنها بأوضح صورها.
عملت بداية في صحف مهنية وان كانت غير واسعة الانتشار، الا انها مهدت السبيل لي لان اتسلق عالم الشهرة من أوسع ابوابه، ولكن هذا لايمنع أنني كنت في نفس الوقت وقبل ان اعمل فيها انشر بعض مقالاتي وحواراتي في صحف ومجلات معروفة واسعة الانتشار.
لقد أتاحت المقالات والحوارات الشاملة المهمة التي كنت انشرها مع الرواد والمبدعين في بروز اسمي وتصدره في دنيا الصحافة العراقية، هذا ماتشهد به صحف مرموقة ومجلات رصينة متخصصة مثل جريدة الجمهورية وجريدة القادسية ومجلة أفاق عربية ومجلة الأقلام ومجلة الف باء وجريدة الثورة وجريدة العراق ومجلة الثقافة ومجلة الموقف الثقافي ومجلة التراث ومجلة الحضارة.
من الطريف ان البعض كان يخلط بين اسمي واسم صديقي الكاتب احمد هاتف إذ كنا ننشر معاً في جريدة القادسية.. والبعض أيضا كان يعتقد ان اسمي هذا مستعار لغرابته وندرته.
وقد أتاحت لي مثل هذه الكتابات المتميزة ان اكسر حاجز الطوق الإقليمي وان يعرف اسمي في المجال الثقافي العربي، مما سهل لي ان انشر أفكاري.
وتعددت المواضيع التي نشرتها في الصحف والمجلات العربية، فكانت من كل جانب من جوانب الحياة الثقافية، سواء في المسرح او الأدب او السيرة الذاتية او الفن. فصحف مثل الحياة اللندنية والاتحاد الاماراتية ومجلات اخرى تزخر بالكثير مما أشرت اليه.