تحدثت في أحد الايام عن قصور نظر القادة السياسيين في العراق وقلت في وقتها إنهم لا يجهدون أنفسهم عناء البحث عن ناس اكفاء ذو مواصفات مهنية وقيادية في المجتمع العراقي، بل ينحصر جل اهتمامهم في استهلاك تصنيفات غير مبررة للانسان العراقي واخضاعه بناءا على هذا الاساس، إلى مفاهيم منظومة الجهل المركب في كونه مؤطرا بمصطلحات غريبة مثل، (عراقي الداخل) للذي لم يخرج من العراق طيلة حياته، و(عراقي الخارج) للذي حاول ان ينجو بنفسه من بطش اقسى نظام دكتاتوري عرفه تأريخ البشرية، وخرج من العراق. ولو نظرنا نظرة سريعة على معايير اختيار مرشحي الوزارات في جميع الحكومات التي تشكلت منذ 2003 وحتى آخرها، حكومة السيد محمد شياع السوداني، لوجدنا ان معظم الشخصيات المرشحة لشغل منصب وزير، او رئيس لمجلس الوزراء جاءت أما من بويتات معينة او انها فرضت من قبل المحتل الامريكي، أو نتاج فساد الاحزاب.
أن العراق دولة ليست فاشلة كما وصفها السيد على عبدالامير علاوي يوم امس في لندن، بل ان الفشل الذي يتحدث به السيد علاوي جاء بسببه، وغيره من الذين لم يحققوا في تجاربهم التي تسلقوا فيها مناصب عليا في الحكومات العراقية المتعاقبة اي نجاحات تذكر، لانهم وبصراحة، لم يكونوا من الطبقات الفقيرة والتي كان همها رفع راية العراق عاليا، بل أن همهم الوحيد كان الوصول الى السلطة والتنعم بمغانمها التي يعتبروها ذروة المجد في حياتهم. وهؤلاء لم يدافعوا يوما عن تراب العراق ولم تهمهم كرامة شعبه. أمثال المهندس علي علاوي كثيرين، ومنهم من عاش في العراق طيلة حياته يتقلب في الوظيفة العامة ومتطفلا على وظائف خارج اختصاصه كان يحلم بها، الى لعب ادوارا قيادية في مجالات لا يفقه بها. وعليه فأن هؤلاء ليس بمقدورهم تقييم الوضع السياسي أو وضع تصور يمكن ان يعالج الخلل بعد معرفة اسبابه وظروفه وهم من يشاركون في عملية الفوضى والهدم المنظم في جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. أما انهيار الدولة الذي تحدث به السيد علي علاوي فهو ليس حقيقة، بل وهم صنعته إرادات من رضي بمخططات الدوائر الامريكية وركب مركبها وساهم في السماح بنشر ادوات الفوضى وتضخيم حجم الرموز التي استغلها اعداء العراق في اشاعة الدمار عبر تنفيذ مخططات إقليمية ودولية أرادت بالعراق أن يتلاشى ويصبح في كف عفريت. أن العراق فيه من الطاقات البشرية ما تحلم به دول مثل دول الشمال الاوروبي، او حتى دول الخليج التي تمتليء دوائر وزاراتها ومؤسساتها باعداد كبيرة من الكوادر العراقية الفذة، وليس السبب في تأخر العراق هو في انتقاصه للموارد البشرية، نعم قد يكون العراق يمتلك نظاما اداريا متخلفا وليس فعالا، ولكن النظام الاداري يمكن اصلاحه واستحداثه اذا توفرت الارادة الحقيقة للتغيير والمستندة الى ثوابت حب الوطن والاخلاص له لدى عامة طبقات الشعب ابتداءا من قياداته السياسية وانتهاءا بابسط مواطن حريص على تقدم بلده ويهمه مستقبله. أن افتقار الرؤية هو ما يحسب على الذين تصدروا مواقع الحكم لانهم لم يكونوا مؤهلين لحمل لواء القيادة، لما افتقروا اصلا لجميع مقومات القيادة في علو الهمة والتواضع والاحساس بأهمية الواجب العام والحرص على مقدرات البلد وكرامة الانسان العراقي وازدهار العراق والعمل على تحقيق استقلاله السياسي والاقتصادي.