حققت الصين قفزات متسارعة في التنمية والتطور حتى صارت اقوى قطب اقتصادي بعد الولايات المتحدة، وربما تسبقها في نهاية هذا العقد او السنوات الاولى من العقد المقبل. حققت الصين ما حققته، من وجهة نظري؛ لسببين؛هما اللذان جعلاها تواصل تطورها وتحقق ما لم تحققه اي دولة، على ظهر الكوكب. اولا اعتماد الصين على اقتصاد السوق الاشتراكي، وهو الاقتصاد الحر المؤطربالأطر الاشتراكية.. وليس الاقتصاد الموجه.. كلي النظرية والتطبيق.. وثانيا الانفتاح والتغيير في الاطر والسياقات العملية تماشيا مع التطور العالمي في هذه الحقول، بما جعلها متوائمة ومتسقة تماما مع روح العصر وتغييراته المتسارعة.. ان هذه السياسة، جعلتها مرنة في التعاطي مع التغييرات والتحولات في العالم الحاليةوالمستقبلية. في مقررات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، أو ان منها؛ هو محاولة الصين المستمرة؛ القضاء على الفقر فيها، وقد نجحت في هذا الامر. اضافة الى ازالة الفوارق بين الريف والمدينة وبين مراكز المدن وضواحيها، ومحاولتها الدؤوبة في تقليل او ازالة الفوارق؛ بين المناطق الساحلية والشرقية والمناطق الغربية والداخلية. في هذا الاتجاه يقع او تقع مبادرة الصين الاستراتيجية في الحزام والطريق، اي ربط تنمية المناطق الداخلية والمناطق الغربية، التي فيها، التطور قليل بالقياس الى المناطق الشرقية والساحلية؛ بالحزام والطريق عن طريق مشاريع شراكات مع دول تقع على هذا المسار. نقتبس او اقتبس التالي من كتاب الحزام والطريق للبروفيسور الصيني وانغ إي وي، الذي ترجم الى العربية مؤخرا.. يمر الحزام والطريق في قارة اوروبا واسيا وافريقيا، فبدايته مجموعة شرق اسيا الاقتصادية ونهايته مجموعة اوروبا الاقتصادية، ومنتصفه دول مترامية ذات امكانات ضخمة للتنمية. في مكان اخر من الكتاب:..- التمسك بالانفتاح والتعاون..- التمسك بالوئام والتعاون..- التمسك بتشغيل السوق..- التمسك بالمنفعة المتبادلة.. انتهى الاقتباس. ان هذه الخطط؛ هي خطط طموحة جدا وبكل تأكيد. هي ايضا تفتح المجال واسعا للتعاون الدولي الذي يعود بالمنفعة المتبادلة لكل الدول المشاركة في هذا الطريق او التي يمر بها وفي موانئها هذا الطريق، بما فيها صاحبة هذا المشروع الطموح اي الصين التي تهدف الى ايجاد رئات اقتصادية خارج حدودها؛ لتنميتها ولإيجاد عيش رغيد للشعب الصيني، وما له من تأثير فعال في تثبيت وترسيخ سيادة وقيادة الحزب الاوحد للشعب الصيني من وجهة نظر قيادة الحزب الشيوعي الصيني كما جاء في التقرير الذي صدر عن مؤتمر الحزب مؤخرا. قد لا يشتغل الواقع الموضوعي في الداخل الصيني، والتطور والانفتاح العالمي في الحرية والرؤى والافكار التي ترتبط بإرادة البشر في اي مكان كان في المعمورة، والتي تغذيها تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات لجهة التطور والسعة والانتشار بطرق ووسائل اسرع من البرق في اللحظة؛ لصالح هذه الرؤية السياسية الصينية في سيادة الحزب الاوحد والقائد الاوحد؛ بما قد يؤثر تأثيرا بالغا، عندما تنتج ولو بعد زمن ما؛ منصات معارضة لهذه الرؤية السياسية الصينية؛ على استدامة التطور الصيني على جميع الصعد. ان هذا الطريق او هذه السياسةالاقتصادية والتنموية الصينية الطموحة جدا، في تنمية الموارد داخليا، وفي التأسيس لشراكات اقتصادية مع جميع الدول في قارات الكرة الارضية؛ تشكل تحديا مصيريا للتغول الامريكي في العالم. في هذا الجانب او هذا الطريق؛ اخذت امريكا تبني او تؤسس لشراكات في المحيط الهادي والمحيط الهندي وفي امكنة اخرى من المعمورة للحد من التغول الاقتصادي الصيني في هذه الامكنة، بما في ذلك السعي الامريكي المخابراتي في تغير الانظمة في الدول التي تقع على هذا الطريق، والتي تتعاون مع الصين او تبني شراكات اقتصادية تنموية على هذا الطريق، أو الضغط بمختلف الوسائل على اصدقائها وحتى حلفائها بالابتعاد عن التعاون مع الصين، أو التقليل من هذا التعاون، في هذا المجال. من الصعوبة البالغة ان تنجح امريكا في سعيها هذا، في مواجهة الصين. ان الصراع التنافسي بين الصين وامريكا؛ سوف يأخذ في المقبل من الزمن، مسارات واتجاهات مختلفة، على قاعدة ازاحة الخصم من الطريق. لذا نلاحظ ان كلا من الصين وروسيا؛ يبذلان جهودا كبيرة جدا، على طريق ايجاد عالم متعدد الاقطاب، وازاحة امريكا من كرسي العرش المتحكم في العالم. ان عالم متعدد الاقطاب يمنح كلا من الصين وروسيا؛ حرية الحركة والمناورة في المحيط الدولي، والصين حصريا لجهة المستقبل، وروسيا بدرجة اقل كثيرا من الصين، بفعل توافر القدرات الاقتصادية الصينية، بأرقام فلكية عن قدرات روسيا الاقتصادية المحدودة، ومشروع الصين الطموح في الحزام والطريق. من المؤكد ان امريكا لم تعد تتحكم في العالم، كما كان وضعها قبل عقدين من الآن.في المقابل ان امريكا حتى وان تراجعت او تخلت مجبرة عن قيادتها او تحكمها بالعالم، لكنها سوف تظل واحدة من الدول العظمى الفاعلة في عالم متعدد الاقطاب. ان العالم مقبل على صراع تنافسي في الحقل الاقتصادي، وفي مجال الصدام الانابي، وفي مجال الاعمال المخابراتية الامريكية في هز كيانات الدول التي لا تتعاون مع التغول الامريكي او التي تسعى على طريق ترسيخ سيادتها وقرارها الاقتصادي المستقل. ان العالم صارتتتحكم فيه؛ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات باشتراطاتها وشروطها، التي لا يمكن لأي دولة وان كانت دولة عظمى من تداعيات اشتراط وشروط هذا العالم الذي لم يعد يقبل او يستوعب عالم يتحكم فيه فكر واحد ووحيد، وبقيادة رجل اوحد.. ان الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة، وحرية التعبير عن الرؤى والافكار وبالذات في الحقل السياسي لجهة فلسفة السياسة والحكم؛ يشكل جدارا حديديا ضد التدخلات الخارجية من المنافسين ومن المناوئون الاقليميين والدوليين، واساسا ومنطلقا لحماية السلم الاهلي في مجتمع متصالح مع ذاته. إنما في المقابل عندما يكون الحكم فرديا واقصد هنا هو السيطرة على رأس الحزب الحاكم، وحصر المجتمع تفكيرا وسياسة حكم بالحزب الواحد، وبرئيسه حصريا؛ يقود حتما في الختام الى رجات مضاده للحزب الحاكم، حتى في ظل تنمية عميقة وواسعة في الدولة والمجتمع، وهذا هو ما معمول فيه في الصين تحت حكم الحزب الشيوعي الصيني، واكده تأكيدا تاما تقرير المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني. التقرير ركز في الجانب الثاني؛ على الديمقراطية الشعبية او الديمقراطية المركزية حسب ادبيات وسرديات الماركسية، أي اشراك القواعد في الحوارات والنقاشات وحتى الانتخابات لقيادات القواعد ما دون القيادة. ان هذا لا يلغي الاحتجاج والرفض لهذا الوضع ولو بعد حين. ان هذا الاحتجاج، ولو انه بعيدا في الوقت الحاضر، إنما، سوف يكون له؛ حضورا قويا ومؤثرا عندما ينضج ويتبلور عميقا في المجتمع حتى يظهر جليا وواضحا على سطح الاحداث في وقتها. مما يقود اذا ما حدث الى خلخلة الاستقرار في المجتمع حتى في ظل تراجع الفقر او القضاء عليه في تنمية عميقة وواسعة. هناك مقولة معروفة تداوليا وهي ليس بالخبز وحده يعيش الناس او الأنسان. ان هذه الخلخلة أو الاهتزاز في المجتمع عندما تحدث او يحدث؛ سوف يؤثر تأثيرا بالغا على خطط الصين الطموحة، وباستثمار امريكي له؛ واقصد هنا هو تحكم الحزب الشيوعي الصيني في الصين الدولة والشعب، والادهى هو حصر الصين الدولة والشعب والحزب بشخص شين جين بينغ، أو بمعنى اخر؛ هو حصر العقل الصيني بشخص المسؤول الاول للحزب الشيوعي الصيني، لناحية السياسة والافكار السياسية وليس لجهة الاقتصاد والابتكار والابداع فيه. ان هذه السياسية اذا ما استمرت على ماهي عليه في الوقت الحاضر، وفي الامد المنظور والمتوسط والبعيد، كما ورد في تقرير المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني؛ سوف تكون منطقة ضعف هيكلي في الداخل الصيني، حتى في ظل العيش الرغيد للشعب؛ تستثمر امريكيا، في المواجهة الامريكية الصينية على صعد التنافس والصراع، في توسيع مساحات الشراكات الاقتصادية في المعمورة. ان هذا الاستثمار الامريكي مخابراتيا؛لهذا الضعف الهيكلي.. مع استمرار المحاولات الامريكية؛ تطويق الاستثمار والشراكات الصينية مع جميع الدول في الكرة الارضية.. بما يقلل من الشراكات الصينية مع تلك الدول او يقلص من مساحاتها الاستثمارية ومنصاتها الاقتصادية؛ قد يُضَعف من التنمية الصينية ويحد منها،بما، ربما، يؤثر على الخطط الصينية في العيش الرغيد للشعب الصيني مع مصادرة العقل الصيني على صعيد السياسة والافكار والرؤى؛ قد تزعزع تماسك الشعب الصيني ولو بعد زمن ما.. في النهاية اقول بتواضع تام؛ ان الحرية سواء حرية الكلمة والتعبير او حرية الافكار والرؤى وعدم مصادرتها من قبل حزب واحد وحيد وقائد واحد وحيد، مع التبادل السلمي للسلطة؛ هو الطريق الانجع في حماية الدولة والشعب، والخطط الطموحة من بناء جدار غير قابل للانهيار او ليس فيه ثغرة ينفذ منها الخصم في صراع تنافسي بين خصمين على السيادة على ظهر الكوكب وعلى المغانم، وان اختلفت المنطلقات والاهداف على هذا الطريق لكلا الخصمين.