خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
يعتقد الكثيرون أن احتجاجات أجيال السبعينيات والثمانينيات كانت أقل، وأن الجيل الجديد حمل على عاتقه عبء هؤلاء ويتطلع إلى إصلاح الأوضاع الإيرانية اقتصاديًا واجتماعيًا. لكن ما مدى صحة هذا الموضوع ؟
هل يختبيء بالفعل أبناء الثمانينيات خلف أبناءهم من جيل الألفينات الذين يتظاهرون في الشوارع والمدارس ؟.. والحقيقة الإجابة بكل حسم ومن خلال متابعة الأحداث الأخيرة هي: “لا”، فالجيل الذي عبر عن آرائه بمختلف الأشكال الاحتجاجية المدنية والسلمية، مثل التصويت في الانتخابات ببطاقات بيضاء، أو التفاعل في الفضاء المجازي، أو تسجيل أدنى مستوى مشاركة في انتخابات الرئاسة والمحليات الأخيرة كنوع من الاحتجاج المدني على الأوضاع والمشكلات الإيرانية، لكن للأسف لم يسمع المسؤولين لتلك الاحتجاجات الصامتة؛ بحيث انتهى الأمر إلى الاضطرابات الأخيرة؛ بحسب “رها معبري”، في تقريره المنشور بصحيفة (آرمان آمروز) الإيرانية الإصلاحية.
لكن اختلاف احتجاجات أجيال الألفينات عن احتجاجات أباءهم المدنية الصامتة طبيعي جدًا؛ لأنهم جيل يبّح عن أسئلة الإجابات عبر الإنترنت، في حين كان على أباءهم البحث عن إجابات في مجلدات الكتب.
وكما قال “أمان الله قرائي مقدم”؛ أستاذ الاجتماع: “خصوصية هذا الجيل من منظور علماء الاجتماع، أنه يقف في مرحلة الحكم الذاتي، وهي ليست مجرد كلمة؛ وإنما هي تدل على نظرية اجتماعية من إبتداع؛ ديفيد رايزمان، عالم الاجتماع الأميركي المعروف. بمعنى أن شبابنا لاسيما من جيل الألفينات طوى مرحلة التقليدية ويعيش مرحلة الحكم الذاتي. بعبارة أخرى يتبعون في تصرفاتهم عقولهم ويرفضون إتباع أفكار كبار السن أو حتى العادات والتقاليد”.
اختلاف طريقة التعبير عن الاعتراض..
هل أجيال الألفينات أبناء جيل الاحتجاج الصامت ؟.. للإجابة يقول “أمير دبيري مهر”؛ باحث العلوم السياسية: “لطالما بحث علماء الاجتماع والدراسات بين الأجيال هذا الموضوع. والواقع أن الجيل الجديد يمتلك أجواء فكرية وعملية وخطابية تختلف عن الأجيال السابقة، وهؤلاء الشباب أكثر استقلالية واختلافًا عن آباءهم في عرض احتجاجاتهم. وهذا موضوع غير معقد حيث تختلف أدوات الاعتراض والاستياء بين جيل الآباء والأبناء. وهذه مسألة موجود بالفعل في الدراسات والبحوث الاجتماعية، بل إن هذا واضح من خلال الأفراد الذين يعيشون في هذا المجتمع، وعلاقاتهم الاجتماعية تثبت هذه الحقيقة. وإنكار هذا الموضوع بمثابة إنكار وجود الشمس في النهار. لكن لذلك الجيل أدبيات وأساليب وأفكار ورؤى تختلف عن الأجيال الأخرى. لكن هذا لا يعني أن الجيل السابق يُعارض بالضرورة احتجاجات هذا الجيل، وأنه لا علاقة بين الجيلين”.
لا تصطادوا في المياه الضحلة..
يُضيف باحث العلوم السياسية: “كانت للأجيال السابقة احتجاجاتها وانتقاداتها السلمية على الأوضاع السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية. هذه الاحتجاجات الصامتة اتخذت أشكالًا مختلفة؛ لاسيما عن طريق الانتخابات بشكلٍ خاص. كذلك عبر هذا الجيل من الآباء عن آراءهم على الشبكة الاجتماعية والفضاء المجازي والإعلامي الرسمي وغيرها. لكن الجيل الجديد مقتنع أن أساليب احتجاجات الآباء لم تكن مفيدة. وهم يعتقدون أن احتجاجاتهم يجب أن تأخذ شكل الصراخ والكتابة على الجدران وغيرها”.
موضحًا: “كذلك تختلف خصوصيات التعبير عن الاحتجاجات، وهم متعجلون ويستخدمون أساليب مختلفة للتعبير عن احتجاجاتهم. كذلك فالجذور الاحتجاجية والنقدية واضحة، وهي تشترك بين الآباء والأبناء. فالناس في كل جيل بيحثون عن الرفاهية، والاستقرار الاقتصادي، وموقفنا الدولي تجاه الدول الأخرى، بشكلٍ يبعث على سهولة سفر أبناء الشعب الإيراني إلى الدول الأخرى، ولا يواجهون مشكلة في التأشيرات، وألا يكون حسن الحظ في الهجرة ومغادرة الوطن، وأن تكون أوضاع فرص العمل منظمة، والعوائد المالية كافية. تلك هي مطالب الجميع هذا بخلاف احترام الخصوصية الشخصية، والاعتراف الرسمي بالحريات الفكرية والاجتماعية. وهذه الموضوعات معقدة بالأساس، لكن البعض يريدون الصيد في المياه الضحلة”.