كما هو معروف إن ظهور الأزمات واستفحالها يتبع بنحو مباشر الى ظروف وعوامل كثيرة و مؤثرة ، فالعديد من الأزمات تتلاشى مع زوال مسببات حدوثها…
دعونا هنا لتناول الأزمة الكهربائية المستعصية في العراق نموذجا ًلهذا النوع من الأزمات و التي عانى ويعاني من تبعاتها المواطن منذ من عقدين من الزمان ،فهي تعد من الأزمات متوالية الانحسارأو الاختفاء تمامًا ولمرتين على مدار العام الواحد مما يؤدي هذا الى إيهام متلقي خدمة الكهرباء بأنها لا تعدو الا ان تكون أزمة عابرة زائلة وما ان تعاود بالظهور المستفحل حتى يقع المواطن في دائرة الحيرة والاستفهام ،باستثناء أصحاب المعرفة عن دهاليز عمل المنظومة الكهربائية وعلاقتها بالظروف المناخية ودرجات الحرارة المتفاوتة ، فالتعافي المؤقت في تجهيز التيار الكهربائي للمنازل ومرافق الخدمات العامة في أثناء فصلي الربيع والخريف لا علاقة له بتحسن اداء مكونات المنظومة الكهربائية العاملة في انجاز مشاريع الحلول المناسبة لتطوير ركائزها بوساطة القضاء على الاختناقات الحاصلة في شبكات النقل والتحويل نزولًا الى معدات التوزيع الثانوية ولا علاقة له بإضافة قدرات إنتاجية جديدة بوساطة رفع التحديدات عن سعات وحدات التوليد المربوطة أصلًا بالمنظومة الوطنية أو تدشين وحدات انتاجية جديدة ، هذا التعافي لا يعني مطلقًا القضاء على الأزمة وإنما يعود الى الانخفاض الكبير في الطلب على الاحمال الكهربائية نتيجة لغياب الحاجة الى تشغيل وسائل التهوية والتكييف كما هو الحال في أيام الصيف وانتفاء الحاجة أيضاً الى استخدام معدات التدفئة والتسخين التي يتم اللجوء اليها في أثناء فصل الشتاء البارد ، يضاف الى ذلك العديد من العوامل الفنية المساعدة وعلى سبيل المثال زيادة إطلاق كميات المياه من السدود والتي تساهم في زيادة انتاج المحطات الكهرومائية وعلى وجه التحديد في فصل الربيع لضمان توفير سعات تخزينية لمياه أمطار موسم الشتاء الذي يليه ، في نفس الوقت يتبارى المعنيون في ادارة قطاع الكهرباء على الظهور في وسائل الاعلام المختلفة وهم بحالة من الزهو الزائف والتبجح يستعرضون عبرها وابلاً من الانجازات (الوهمية )المتحققة بفعل جهدهم الاستثنائي على وفق ما يدعون .
، في مقال سابق كنت قد وصفت هذه الحالة تحت عنوان( الجو المعتدل وهم كهربائي وجرعة تخدير ) وتناولت ضرورة التوجه الى الاستغلال الأمثل لفترة الاجواء المعتدلة التي يرافقها استقرار ملحوظ في اداء منظومة الكهرباء وذلك بتطبيق برنامج واسع ومتكامل في تنفيذ صيانة شاملة على كافة مفاصل الشبكة الكهربائية العامة .
من هنا يمكن وصف أزمة الكهرباء وتداعياتها بأنها من النوع الذي يختفي في سبات عميق ولكنه مؤقت ليظهر بعده بتأثير صادم ليعكر حياة المواطنين وليزيد من معاناتهم بفعل أزمات اخرى ولكنه يعود ليتلاشى كرة أخرى وهكذا دواليك ولن ينتهي هذا المسلسل الممل الابفعل حلول حاسمة تؤمن الاستعداد الكافي في مواجهة متغيرات الظروف المناخية والتي سوف تتبعها تلقائيا ظروف العمل الطارئة لمنظومة الخدمة الكهربائية، لذا فإن على دوائر التخطيط والدراسات التابعة لقطاع الكهرباء القيام بتدقيق متأن لمتطلبات الأحمال و بالاعتماد على منحنيات الطلب السنوية السابقة والتي تعكس نسبة التفاوت في الأحمال بين فصل وأخر من فصول السنة وبهذا سوف تقترب التقديرات الخاصة بالتوقعات المستقبلية الى مستوى مقبول من الدقة و على أن يرافق ذلك تأمين المستلزمات الاساسية لتمكين شبكتي النقل والتحويل من إستيعاب تدفق كميات الطاقة المنتجة لضمان إيصالها بمستوى وثوق عالي الى شبكات التوزيع وعلى وفق هذا المنهج سوف يتم إنتزاع حالة الوهم والتخبط في المعالجات المتأتية من فعل ما تم وصفه بسبات الأزمات لتعود الخدمة بنحو مستقر ودائم يرضي المواطنين ، ينطبق هذا على العديد من الأزمات في مجال الخدمات أو توفير السلع المختلفة والتي تخضع الى ظروف متغيرة كل منها حسب مسبباتها والتي تستدعي إجراءات تصفيرها الى جهد يستند على مدخلات سليمة بعيدًا عن مقاسات تأثيراتها عندما تكون في حالة السبات .