في تسعينيات القرن المنصرم، ونتيجة لظروف الحصار الاقتصادي، ازدهرت تربية المواشي والدواجن، خصوصا في المناطق الشعبية، فصدر قرار من صدام بقتل الخيول التي تجر العربات، ومصادرة المواشي والدواجن، واناط هذه المهمة بالحزب تعاونه امانة بغداد، متذرعا انها تجلب الامراض، وتذهب بجمالية المدن، وصادف ان بيت حجي احسوني في محلتنا يمتلكون القليل من المواشي، وكان قطاع 55 في مدينة الثورة يحاذي في نهاياته، مناطق زراعية تتصل بمنطقة العبيدي من جهة الشرق، فكان ان كلف ابناءه بأخذ الاغنام الى المزارع والمبيت بها هناك، الحزب يعرف ان الحاج حسوني يمتلك عددا من الاغنام، وفي يوم من الايام عاد الابناء بالاغنام ليرتاحوا يوما او يومين ثم يعودون الى المزارع، فكان الرأي ان توضع الاغنام على سطح الدار، وماهي الا ساعات، حتى طرق اصحاب البدلات الزيتونية الباب، فخرج الحاج، قال له المسؤول الحزبي: حجي عدك اغنام بالبيت؟، فانكر الحاج واقسم، ولكن خروفا مشاكسا ارتفع صوته بوضوح، فما كان من المسؤول الحزبي الا ان يهز يده، ويأمر الحاج بالتنحي للدخول الى الدار، فقال الحاج حسوني: ها عمي وين رايح؟ بالله عليك اتجذب هاي اللحيهْ ، وتصدك الخروف!.
وللّحى قضايا كثيرة ونوادر قل نظيرها، ولانتكلم عن لحية حجي احسوني، لاننا في هم وغم منذ ان حطت اللحى رحالها في العراق، لحية سارقة ولحية قاتلة، ولحى اخرى شبقة، تختار من النساء مثنى وثلاث ورباع وخماس وسداس وسباع الى نهاية القائمة، ولحى اخرى متسخة بوساخات اخرى، اتعجب وانا انظر للّحى، سيارات فارهة واتباع وامارات، تتوزع على عموم مساحة العراق، والادهى من هذا كله ان القرار السياسي اصبح ايضا من اصحاب اللحى، وقديما قالوا في اللحى: من طال ذقنه قصر عقله، واصله : اذا طالت اللحية تكوبح العقل، وفي هذا قال ابن الرومي:
( اذا عرضت للفتى لحية…… وطالت وصارت الى سرتهْ
فنقصان عقل الفتى عندنا……. بمقدار ماطال من لحيتهْ)
وقال آخر:
( مارجل طالت له لحية…… فزادت اللحية في هيبتهْ
الا وماينقص من عقله….. يكون طولا زاد في لحيتهْ)
واكاد اجزم ان المنطقة احترقت برمتها حين دخلت اللحى على خط السياسة، على اعتبار ان السياسة فن جديد ويحتاج الى كاريزما خاصة، وهذا الفن يختلف تماما عن الدين في تعاليمه، ولذا نرى الهفوات الكبيرة التي تتركها اللحى، حين تطلب من الناس ان يسلّموا، انها اي اللحية نائبة عن الله في الارض، وان جميع مايصدر عنها هو مقدس مبجل لايجوز الخوض فيه، ومن خاض فيه فله عذاب الدارين الدنيا والآخرة، وهكذا تدرج الامر ليصل الى التكفير من جهة اخرى، والقتل والتمثيل بالجثث، لانه وبحسب اعتقاد هذه اللحى، فان كل مايصدر عن المقدس هو مقدس، فشُرعن القتل واصبح من مظاهر العبادة، والامر لم يرتبط بزمننا فقط وانما التاريخ يحمل بصمات هذه اللحى في التنكيل والخوف واعمال الابادة، ففيلسوف كبير مثل الحسين بن منصور الحلاج قتل ومثل بجسده بشكل كريه، حتى يقال انه قطع الى اوصال ثم احرق وذر رمادا في دجلة، ومن حكم بهذا ونفذ هي اللحى، فيا اخوتي اياكم واللحى، لانهم قالوا قديما: (لحيته جوه كل شعره منها 100 شيطان)، وبحسب مانحن فيه ربما ازداد عدد الشياطين بعد ان دخلت اللحى الى حقل السياسة.