رغم أنف “واشنطن” .. شبح الركود يُجبر ألمانيا على الإتجاه نحو “بكين” !

رغم أنف “واشنطن” .. شبح الركود يُجبر ألمانيا على الإتجاه نحو “بكين” !

وكالات – كتابات :

وصل المستشار الألماني؛ “آولاف شولتس”، إلى “الصين”، الجمعة 04 تشرين ثان/نوفمبر 2022، بصحبة فريق من كبار الرؤساء التنفيذيين. وحملت الزيارة رسالةً واضحة فحواها أن العلاقات مع ثاني أكبر اقتصادٍ في العالم لا بد أن تستمر، رغم كل المحاولات الأميركية لإبعاد حلفائها الأوروبيين عن “بكين”، حيث أصبحت “ألمانيا”؛ اليوم أكثر من أي وقت مضى، في أمسّ الحاجة إلى “الصين”.

“ألمانيا” تلجأ لـ”الصين” خشيةً من نفق الركود..

التقى “شولتس” بالزعيم الصيني؛ “شي جين بينغ”، داخل “قاعة الشعب الكبرى” في “بكين”، وصحب خلال زيارته التي تستمر يومًا واحدًا، وفدًا كبيرًا يضم: 12 رئيسًا تنفيذيًا من عمالقة الصناعة الألمانية مثل: (فولكس فاغن(، و(دويتشه بنك)، و(سيمنز)، وشركة (باسف-BASF) العملاقة للكيماويات، بحسب شبكة (سي. إن. إن) الأميركية، حيث سيلتقي الوفد بالشركات الصينية خلف الأبواب المغلقة.

وتُعتبر زيارة “شولتس”؛ لـ”الصين”، هي الأولى من نوعها لأحد زعماء دول “مجموعة السبع” منذ نحو ثلاث سنوات، وتأتي في وقتٍ تتجه خلاله “ألمانيا” إلى هوة الركود، لكن الزيارة أثارت المخاوف الأميركية حيال الارتباط الشديد لمصالح أكبر اقتصادٍ أوروبي مع مصالح “بكين”.

والآن؛ بدأ القلق حيال علاقات “ألمانيا” مع “الصين” يمتد إلى البعض داخل حكومة “شولتس” الائتلافية، حيث تجلّت هذه التوترات مؤخرًا نتيجة الجدل الحاد حول عرض شركة الشحن الصينية الحكومية العملاقة، (كوسكو-Cosco)، لشراء حصة نسبتها: 35% في الشركة، التي تُدير إحدى المحطات الأربع الرئيسة داخل “ميناء هامبورغ”، لكن ضغط بعض أعضاء الحكومة تسبب في تحديد نسبة الاستثمار عند: 24.9% فقط.

وأثارت الصفقة المحتملة المخاوف داخل “ألمانيا” من أن العلاقات الأوثق مع “الصين” ستجعل البنية التحتية الحيوية عرضةً للضغوطات السياسية من “بكين”، كما أنها تُفيد الشركات الصينية بدرجةٍ غير متكافئة.

“ألمانيا” لا تستطيع التخلي عن “الصين”..

لكن “ألمانيا” ليست في موقفٍ يسمح لها بقلب الطاولة على “بكين” مطلقًا كما تُريد “أميركا”، بينما تواجه “برلين” تحديات إنعاش اقتصادها المتعثر. حيث تحمل المستهلكون والشركات الألمانية العبء الأكبر لأزمة الطاقة الأوروبية، بينما يبدو الركود العميق وشيكًا.

وفي حال انفصال “الاتحاد الأوروبي” و”ألمانيا”؛ عن “الصين”، فسيؤدي ذلك إلى: “خسائر كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي” للاقتصاد الألماني، بحسب تصريحات “ليساندرا فلاش”، مديرة مركز (ifo Center for International Economics).

بينما قدّرت منظمة (Kiel Institute for the World Economy)؛ أن التراجع الحاد في التجارة بين “الاتحاد الأوروبي” و”الصين” سيؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لـ”ألمانيا” بنسبة: 1%.

وتحتاج “ألمانيا” لتدعيم أسواق تصديرها بالتزامن مع استمرار إنهيار علاقاتها بـ”روسيا”، التي كانت مصدرها الرئيس لـ”الغاز الطبيعي” من قبل.

وعندما نتحدث عن “الصين”، فلن ترغب “ألمانيا” في: “خسارة هذه السوق أيضًا، أو فقدان هذا الشريك التجاري”، بحسب “رافال أولاتوسكي”، أستاذ العلوم السياسية والدراسات الدولية المساعد في جامعة “وارسو”.

الضغوطات الأميركية على “برلين”..

تفرض الدول الغربية عقوبات اقتصادية قاسية على “روسيا” اليوم، لكن “الصين” أعلنت إلتزامها: “الحياد” في الحرب علنًا، بينما زادت حجم تجارتها مع “موسكو” في هدوء.

وأثار ذلك الأمر ردود أفعالٍ قوية داخل “أوروبا”، التي كانت بعض دولها قلقةً بالفعل من التعامل تجاريًا مع “الصين”، بسبب قيود “صفر كوفيد” الصارمة.

وتتراكم الضغوطات على “برلين” بسبب سجل “الصين” في حقوق الإنسان أيضًا، حيث طالبت: 70 جماعة حقوقية؛ “شولتس”: بـ”إعادة النظر” في رحلته إلى “بكين”، وذلك عبر خطابٍ مفتوح يوم الأربعاء، الثاني من تشرين ثان/نوفمبر.

بينما رد “شولتس”؛ خلال مقال افتتاحي بإحدى الصحف الألمانية في اليوم نفسه، قائلاً إنه سيستغل الزيارة من أجل: “التطرق إلى القضايا الصعبة، ومنها احترام الحريات المدنية والسياسية، وحقوق الأقليات الإثنية في مقاطعة سنجان”.

فيما ردّ متحدثٌ باسم الحكومة الألمانية على الانتقادات الأوسع؛ في الأسبوع الماضي، قائلاً خلال مؤتمر صحافي إن الحكومة ليست لديها أي نية: “للانفصال” عن أهم شركائها التجاريين. وأوضح المتحدث: “قالها المستشار مرارًا وتكرارًا إنه لا يؤيد الانفصال أو الإبتعاد عن الصين، لكنه قال في الوقت ذاته إن علينا التنويع لتقليل المخاطر”.

المخاوف والمكاسب..

يُذّكرنا الغضب الذي صاحب صفقة “ميناء هامبورغ” بالتنازلات التي ستضطر “ألمانيا” لمواجهتها، في حال أرادت الحفاظ على علاقاتها الوثيقة مع سوق تصدير واستيراد حيوية لهذه الدرجة، كما تقول شبكة (CNN).

بينما تحدث ممثل شركة (Hamburger Hafen und Logistik)، التي تُدير محطة الميناء، إلى شبكة (CNN) الأميركية، في 03 تشرين ثان/نوفمبر، وصرّح بأن الشركة لا تزال تتفاوض على الصفقة مع “موسكو”.

فيما قالت “ليساندرا” إن الصفقة تحتاج إلى تدقيق، بسبب: “غياب المعاملة بالمثل، إذ لا تستطيع ألمانيا الاستثمار في الموانيء الصينية مثلاً”. ومع ذلك قال “أليسكاندر ساندكامب”، أستاذ الاقتصاد المساعد في منظمة (Kiel Institute for the World Economy)، إنه من السهل المبالغة في حجم تأثير الاتفاق المحتمل.

بينما صرح “يورغن ماتيس”، مدير الأسواق العالمية والإقليمية في (German Economic Institute)، للشبكة الأميركية بأن النقاد لا يكتفون بقياس المكاسب التجارية للاستثمارات الصينية في البلاد اليوم. وقال “ماتيس”: “يجب النظر إلى الجوانب السياسية والاقتصادية معًا، ولا يمكن الفصل بينهما بعد اليوم”.

ولا شك أن طريقة تعامل “الصين” مع “ليتوانيا”؛ مؤخرًا، قد عمّقت المخاوف من: “عدم تردد بكين في انتهاك القواعد التجارية ببساطة”، وفقًا لـ”ماتيس”. حيث زعمت الدولة الأوروبية الشرقية الصغيرة أن “بكين” نصبت الحواجز التجارية بينهما؛ في العام الماضي، وذلك انتقامًا من “ليتوانيا” بسبب دعمها لـ”تايوان”.

ما الذي يحمله الوفد الألماني في رحلته إلى “بكين” ؟

واجه الوفد الألماني مشكلةً أخرى بمجرد وصوله إلى “بكين”؛ يوم الجمعة، وهي المشكلة التي أصبحت أكبر صداع في رأس الشركات بمختلف أرجاء “الصين”، حيث قال “ماكسيميليان بوتيك”، من غرفة التجارة الألمانية في “الصين”: “لا تزال سياسة صفر كوفيد الصينية هي أكبر تحدٍّ يواجه الشركات الألمانية”.

وأردف “بوتيك”؛ في حديثه إلى (CNN): “تخنق هذه القيود النمو الاقتصادي، وتؤثر بشكلٍ حاد على جاذبية الصين للاستثمارات الأجنبية المباشرة”.

وأوضح أن القيود واسعة النطاق كانت خانقةً، لدرجة أن بعض الشركات نقلت مقراتها الإقليمية إلى دول أخرى، مثل “سنغافورة”. وأضاف: “من شبه المستحيل أن تُدير منطقةً كاملة دون أن تتمكن من السفر بحرية”.

تمتلك “ألمانيا” كافة المحفزات الاقتصادية التي تدفعها للحفاظ على تقاربها مع الصين، رغم التوترات الجيوسياسية، ورغم قيود (كوفيد) التي تفرضها “بكين”.

ويتجلى اعتماد “ألمانيا” على “الصين” في مختلف الصناعات، إذ بلغت نسبة الواردات من “الصين” نحو: 12% من إجمالي الواردات الألمانية؛ العام الماضي. لكن “الصين” كانت مسؤولةً عن: 80% من الحواسيب المحمولة المستوردة، و70% من الهواتف المحمولة المستوردة التي دخلت “ألمانيا”؛ بحسب “ساندكامب”.

وتعتمد صناعات السيارات، والكيماويات، والكهرباء على التجارة الصينية أيضًا. وأردف “ساندكامب”: “سنقع في ورطةٍ إذا أوقفنا تجارتنا مع الصين”.

اعتماد كبير على السوق الصينية..

ويُذكر أن “الصين” شكّلت نحو: 40% من إجمالي طلبيات سيارات (فولكس فاغن) العالمية، خلال أول ثلاثة أرباع من العام الجاري، فضلاً عن كونها من أكبر الأسواق بالنسبة لشركات سيارات أخرى مثل (مرسيدس).

ويصب التعاون الاقتصادي في مصلحة الطرفين، لكن قلق بعض المسؤولين الألمان حيال تقارب البلاد مع “الصين”؛ قد يُترجَم إلى سياسةٍ تجارية أكثر تقييدًا.

حيث صرح وزير الاقتصاد الألماني؛ “روبرت هابك”، لوكالة (Reuters) البريطانية، في أيلول/سبتمبر، بأن الحكومة تعمل على وضع سياسة جديدة للتجارة مع “الصين” من أجل تقليل الاعتماد على المواد الخام، والبطاريات، وأشباه الموصلات الصينية.

لكن “بوتيك” أوضح أن: “الصين لا تزال بلا منافس على صعيد حجم السوق وفرص النمو بالنسبة للعديد من الشركات الألمانية، رغم كافة الظروف والتحديات”.

كما توقع “بوتيك” أن: “الغالبية العظمى من الشركات ستظل ملتزمةً تجاه السوق الصينية، ومن المتوقع أن توسع أنشطتها هناك”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة