عند دخول داعش أرض العراق, تصور بعض الساسة أن البلد قد انتهى, لكن ظهرت شجاعة العراقيين, وإصرارهم على دحر الغزاة المجرمين, شاهرين سلاحهم بكل إصرارٍ, مُلَبينَ نداء المرجعية العليا.. وكذلك أمرت المرجعية العليا, بالحرب على الفساد, واعتبرته المعركة العظمى, فلا فرق بين الإرهاب المسلح, وبين ما وُصِفَ بمافيات الفساد.
أزماتٌ تفاقمت وأحداثٌ تلاحقت, وتظاهراتٌ في المحافظات الجنوبية والوسطى, جموعٌ بشريةٌ احتشدت, وأرواحٌ أزهقت وأجسادٌ غضة أصيبت, والسبب الظاهر محاربة الفساد, فركب الموجة الفاسدون والحاقدون, ومن يحلم بعودة الدكتاتورية, وأقيلت حكومة السيد عادل عبد المهدي بعد صراعٍ بين طرفين, فالحكومة المشكلة دون أغلبية برلمانية, رأت أن تُطبق برنامجها التنموي, فدخلت عرين الفساد والتدخلات الأمريكية, ولكنه حورب من أوسع الأبواب, ولعدم توفر الأمن وانتشار الفوضى, فقد أسقط البرنامج الذي كان مؤملاً أن يكون فاتحة خير, عن طريق تنفيذ الاتفاقية الصينية, فَفُتحت بواباتُ الصد داخلياً وخارجياً, لإسقاط عملية حرب الفساد, وبنفس الوقت تنفيذ التنمية الاقتصادية, وكما قيل في المثل الشعبي” رمانتين بيد واحدة ما تنلزم” فتشكلت حكومة الإرادات, فما بين الفساد وإسقاط النظام, إرادةٌ واحدة تخدم الفساد.
عامان ما بين 2019 و 2021, رُتب مخطط ظاهره إصلاحي, وباطنه نهبٌ لثروات العراق دون هوادة, تقوده عصابات هدامة, متنفذة في كل مفاصل الدولة, تزيد الفساد فساداً وزيادة, موازنة أصبحت كرمادة, وفوقها أموالُ نفطٍ سُرقت دون هوادة, تحت قانون تحول لقرارٍ كأنه الإبادة, فأضحى العراق بلا أمن ولا سيادة, والشعب معرض للفقر المطقع لا محالة, حكومة وعدت والجموع هدأت, والانتخابات حُددت وكأنها تشرينية ثانية, ولا فرق بينهما, إلا أنَّ الأولى في الشوارع, والتكملة في صناديق الاقتراع التي ظهرت نتائجها, والصورة واضحة للعيان, فالتلاعب للعراق قد باع الوطن, في غفلة من الشعب, الذي لم يحتكم للعقل, فقد سيطر الفاسدون وتلاعبوا بالعواطف, أو كذلك بان لهم, وتناسوا أن للظالم جولة وإن للحق صولة, كصولة الشُبان في الحرب على داعش.
إنسدادٌ وانجماد وتكلس ساد الوضع السياسي, حتى بدا لبعض المحللين أن حرباً أهلية ستنشب, فصَعَّدَ الفاسدون والانتهازيون من هجمتهم, لتعيش بغداد ليلةَ توجسٍ, فالحرب داخل الخضراء أُشعلت, أملاً في إسقاط العملية السياسية, لتُظهر حكمة المرجعية العليا على القرار, وتكبح جماح الفوضى وتفرض الاستقرار, فقد أصدرت الأمر وتم تنفيذه لينسحب المسلحون وتجمد العمليات, وأُنقذَ العراق من نتيجة تُحرقُ الأخضر واليابس, لينعقد البرلمان رغماً عن أنوف ذوي المصالح, وأسقطت مخططاتهم وتجار المعارك, بالرغم من قصف الخاسر البائس, الذي حاولً يائساً, أن يضع المعول في عجلة الإصرار, فتكونت الحكومة بعد عرض المنهج الصالح, وأوكل الأمر لمحمـد شياع السوداني, ليحمل أدوات الإصلاح, والبدء بخطة الإجهاض المفاجئ, لمفاصل الفساد التي بدت وكأنها, محصنة لا يمكن اختراقها, فتبددت أحلام المتنفذين.
ضربة تلو ضربة وهجمة تلتها هجمة, كشفت سرقة المليارات, جعلت أزلام العصابات تتلاطم, لا يعرف أحدهم أين يولي الُدُبُر, فأنزل من الطائرة زنيم والقي القبض عليه قبل المغادرة, لتبدأ عملية التحقيق مع الغَدرة, الذين سرقوا الأمانة ليعترف على كل الفجرة, ملياراتٌ من الدولارات, تكفي لبناء دول, تلتها عملية القاء القبض, على مهربي النفط من البصرة, لترتبط العملية مع شحنها من كركوك, ليتيه الفاسدون الفسقة كداعش أيام التحرير, إنها أول غزوة لأوكار الفساد والرذيلة, فقد أصبحت حتى عوائلهم في مرمى السيطرة على أموالهم, التي سُجلت بأسماء المقربين, بعد أوقف أولياء أمورهم من الفاسدين, فقد وعد رئيس مجلس الوزراء, في منهاجه الحكومي, فوضع مدة زمنية للقضاء على الفساد, أمدها تسعون يوماً, ليبدا المرحلة الأخرى, بإنهاء المناصب بالوكالة.
كانت هذه حصيلة موجزة, لما دار في العراق, من ضربات خاطفة, بينت الحكومة فيها, هشاشة الفساد الذي صوروه بأنه عرين أسود, ليظهر للعالم بصورته الحقيقة, فما هو إلا جحور فئران تحاول الهرب سريعاً, لتدخل المصيدة المحكمة.