19 نوفمبر، 2024 4:29 م
Search
Close this search box.

مع كتابات.. إبراهيم يوسف: روايتي أطلقت أسئلتها الاستفزازية حول العالم الصامت إزاء كورونا

مع كتابات.. إبراهيم يوسف: روايتي أطلقت أسئلتها الاستفزازية حول العالم الصامت إزاء كورونا

 

خاص: حاورته- سماح عادل

إبراهيم يوسف” شاعر وروائي وكاتب صحفي كردي سوري، ولد عام 1960 في قرية” تل أفندي”، يحمل إجازة في الأدب العربي وعمل في حقل التدريس منذ  أكثر من  ثلاثة عقود ونصف صدر ديوانه الأول قبل أكثر من خمس وثلاثين سنة. صدر له العديد من المجموعات الشعرية والقصصية والروايات وكتب نقدية.

كان لي معه هذا الحوار الشيق:

** متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟

لاشك أن تاريخ بدء الكتابة لدي يعود إلى مرحلة طفولتي، كما يعرف الأحياء من زملاء دراستي آنذاك- أدامهم الله- وكانت في الغالب نصوصاً ارتجالية شفهية أطلقها على عدد ممن حولي، بشكل ساخر، فيتقبلها هؤلاء، ويطالبونني في بعض المجالس بأن أكررها. لقد كانت جد عفوية. لاعلاقة لها بالشعر ما عدا القافية الموحدة وبعض الجرس الفطري السماعي. هذه المحاولات الأولى كانت تتوازى مع محاكاتي لأول معلم أعد مجلة حائط في ستينيات القرن الماضي، فرحت أقلده. آتي ب” كرتونة” تالفة. استخدمت في تغليف- بضاعة ما- أو ورقاً مقوى أقتنيه من” الحواج” المتنقل، أو صفحة من دفترالرسم، وأهندس هذه المساحة، بعد تقسيمها إلى مربعات ودوائر ومستطيلات أملؤها بالحكم والأقوال المأثورة وما يجود به علي أبي، أو ما يصححه لي من نصوص تأتي امتداداً لمحفوظاتي المتأثرة- في الغالب- بمفردات لغة القرآن الكريم أو الحديث النبوي مما أسمعهما من أبي، وهوما كان يسجل لي، إذ كان معجمي اللغوي في توسع دائم، من خلال ما أتلقاه من أبي، سماعاً، أثناء مواصلته طقوس الصلاة والتلاوة، أو من خلال الدروس التمهيدية أو الموازية التي كنت أتلقاها على يديه، مكرهاً، بسبب تعلقي بأقراني المتفرغين لألعابهم وصيد الطيور.

فيما يتعلق بالتطور، حقيقة لا أعلم ما الذي حدث لتجربتي؟ شيء واحد أعرفه ألا وهو أنني في يوم ما لم أفقد الثقة بما أكتب. أعود الآن إلى نصوص لي كتبتها في الثمانينات أقرؤها بروح نقدية وأقول: إن أعد كتابتها الآن فلن أزيد عليها، في الوقت الذي أقرر إلغاء بعض نصوصي من أعمالي الشعرية التي قد أشتغل عليها بتشجيع من الشاعرمحمد عفيف الحسيني.

أمر آخر أعرفه، ولاعلاقة له بالقيمة الإبداعية لما أكتب، بل بالدور الوظيفي لكل ما أكتب، إذ إنني أشعر بغبطة كبيرة في كتاباتي التي رافعت فيها عن المظلومين. عن شعبي. عن بلدي. عن وطني، رغم إني أعرف أن تسعة وتسعين بالمئة من تلك الكتابات كانت مرتبطة بمرحلتها الزمانية، ومنها ما راح أدراج الرياح. حتى من رافعت عنهم، وتحملت ردود الفعل بسببها من أجلهم، ماعادوا يتذكرونها، بل ثمة من قد يتنكرون لها. هذه هي دورة الحياة. هذه ضريبة من يكرس يراعه للشأن العام، إلا إن هناك من يثمن عالياً مثل هذا الدور. غيريتي دفعتني لأن أكرس جزءاً كبيراً من عمري الكتابي لأجل هذا الصنف من الكتابة، ولو عشت الحياة مرة أخرى، وبدأت الكتابة لما ترددت عن الخوض في غمار هكذا كتابة إلى جانب نصي الإبداعي، وإن كنت سأبرمج  حياتي الكتابية على نحو أدق، لئلا يكون كل ذلك على حساب ما هو جمالي!

** في رواية “جرس إنذار” هل حاولت توثيق ما حدث منذ بدء جائحة كورونا في ألمانيا بعيون مغترب؟

– مؤكد أنه عندما يكون هناك حدث كوني مصيري، يكاد أن يكون الأعظم عبرالتاريخ، وفق تقديري، كما هو حال وباء كورونا الذي هدد قارات العالم كلها، وبات يقلق كل آدمي، أينما كان، فلا مفر من الخطرالمحدق. سواء أكان على وجه البسيطة، أم في طائرة محلقة، أم في باخرة في وسط البحر، وقد كانت البشرية كلها مهددة بالزوال، لاسيما بعد أن تفاجأنا بحالة الذعر والرعب التي كان يعيشها كبار قادة العالم.  لم أخطط، وأنا أتناول هذا الحدث العظيم في عمل سردي لأوثق ما يتم، بل أن أكتب كل هذا، ما أمكن. أجمع بين ما أراه وما أتخيله، في آن واحد، ليكسر الخيال التوثيق، وإن كانت هناك بعض التفاصيل التي قد تذكر بالتوثيق!

** في رواية “جرس إنذار” هل تعمدت عقد مقارنة بين تعامل بلدك سوريا مع الجائحة وتعامل البلد الذي تعيش فيه ألمانيا؟

لم يكن تناول المفارقة ترفاً جمالياً، فحسب، وإنما بذخ بلدان العالم المتحضر في تأمين أسباب- الحماية والوقاية والعلاج، وإنتاج ما يلزم من أدوات مواجهة هذه الحرب الضروس بدءاً بالكمامة، ومروراً بالمعقم وفيتامينات تقوية المناعة، إلى جانب نشر الوعي الصحي، ووضع القوانين الرادعة لمنع توسع وانتشارالفيروس، ناهيك عن توافر الغذاء المناسب، في الوقت الذي لم يتوافر في الوطن كان يدعوني للحزن، ولقد تجلى الشعور لدي بأعلى وتائره وأنا أتلقى اللقاح الأول وهو لما يصل أهلي وبلدي. وجوه بعض مقربي وأقربائي الذين فقدناهم بسبب هذا الفيروس لما أزل أعيش بألم كبير إزاءها، وهو جزء من ألمي وحزني تجاه كل ضحية لهذا الوباء، لاسيما إن العالم بعد كورونا ليس العالم قبل كورونا.

ثمة نقطة مهمة أحب أن أقولها: إن الرواية انتهت في الشهر السادس من عام كورونا الأول كما سميته، إلا إن طباعتها تأخرت بسبب ظروف العالم تحت وطأة وباء كورونا، ولهذا فإنني كنت أعيش كما العالم حالة قلق وترقب، على مصائر الأهلين. مصائر العالم كله!

**شخصية “آلا” امرأة تعرضت لكل الصعاب من اجتماعية وسياسية لكنها ظلت قوية تحافظ على هدف مساعدة الناس وخدمة أهلها.. حدثنا عن تلك الشخصية؟

لم أستطع وأنا أعيش مع العالم كله تحت وطأة هذا الوباء المدمر نسيان أوجاع إنساننا في ظل- الحرب على الوطن. إن شخصية “آلا” أنموذج عن هؤلاء البسطاء من ريفنا المنسي. كانت تقطع مسافات طويلة، تحت رحمة الحر والقر، كي تواصل تعليمها في مدرسة بعيدة عن بيتها، ناهيك عن ظروف البيت. سوء علاقة الوالدين، وكانت في لحظة ما ضحية تنظيم داعش إلى أن فك أسرها، وهاجرت إلى بلد أوربي، كي تؤدي دورها الإنساني في زمن كورونا، بعد أن يغدو لها وطنان وطن اللجوء وطن الولادة، فلا ينسيها حاضرها أمسها وذويها ومكانها!

**  لما كانت قصة الحب خجولة وغير مكتملة بين البطل و”آلا”؟

– كثيرون ممن قرأن أو قرأوا الرواية طرحوا علي أسئلة كثيرة بصدد العلاقة بين البطل و “آلا”، ومن بينها ما يقارب هذا السؤال تحديداً. أعتقد أننا الآن في حدود مهمة النقد التي من شأنها كشف هذه العلاقة، في ظل تطورات شخصيتي “آلا” والبطل، ورغم ما قد يسجله القارىء على العلاقة فإن ثمة خيوطاً ووشائج مستمرة بينهما لم يجهز عليها، ولربما راحت تتوثق وتتمتن أكثر!

** حاولت رواية “جرس إنذار” نقل حالة الهلع والرعب التي أصابت الناس في ظل عدم وضوح الرؤية وعجز الدول حتى المتقدمة منها عن محاصرة الوباء والقضاء عليه أو منع موت الكثيرين.. احك لنا؟

كما أشرت، قبل الآن، فإن الرواية كتبت في الأشهرالأولى من عمرالوباء- فإنها أطلقت أسئلتها- الاستفزازية حول العالم الذي بدا صامتاً إزاء هذا الخطرالمحدق، ناهيك عن إن الإعلام إلى جانب دوره التوعوي فإنه أزاد الطين بلة، وبات يكرس هذه الحالة، لذلك فإنه يمكن اعتبار الرواية صرخة في وجه قادة هذا العالم الذين أعلنوا عن هزيمتهم، بينما كان العلماء الغيارى يعملون بصمت، وقد تناولت الرواية ذلك، من ضمن حالة التخييل التي تحتاج استقراءها، ضمن ظرفها الزمني: زمن رواية و زمن كتابة!

** أُثير وقت انتشار الجائحة الحديث عن المؤامرة، وسعى الرأسماليات الكبرى إلى تخفيف كثافة سكان العالم وكون هذا الفيروس مختلق في المعامل.. ما رأيك في هذه الآراء؟

– هذه المعلومة لما تزل تثار، وكبار علماء العالم لما يزالوا يطرحونها. إنه امتداد لنظرية مالتوس، وقد كشفت العولمة اللثام عن كل ذلك، فإن الدعوة إلى مجتمع الثلث أمام ما يسمى ب”خطر” التضخم لما يزل مطروحاً، ولقد أشارت الرواية إلى ذلك، وهو نفسه ما أشرت إليه في أحد كتبي الأربعة التي كتبت في عام كورونا الأول وهو كتاب: “جماليات العزلة في أسئلة الرعب وباء” والذي صدر في طبعتين 2020-2021!

** لما تمتلئ رواية “جرس إنذار” بالحنين الجارف لسوريا ولمن عشت معهم من الأهل والأحباب والمعارف؟

لاحظ عدد ممن قرؤوا رواياتي الأربع الصادرة حتى الآن أن هذه السمة موجودة فيها، جميعاً، وإن ضمن رؤية محددة، في كل منها، بحسب عالمها. عندما غادرت الوطن مكرهاً، كنت موقناً أن هجرتي هذه قصيرة، لذلك فقد اخترت بلداً خليجياً، عشت فيه بضع سنوات، إلا إن الحرب التي بدأت بعد هجرتي لم ينطفىء وطيسها، بل ظلت مشتعلة إلى أن اضطررت إلى الهجرة إلى ألمانيا، باقتراح من دبلوماسية ألمانية في الخليج، بعد أن علمت بوشوك انتهاء موعد صلاحية جواز سفري. إلى وقت طويل كان يخيل إلي أن اللقاء بالأهل قريب، إلا إن استطالة مدة الحرب بدأت تنشر حالة فزع وخوف لدي، ما يجعلني أساوي بين طرفي المعادلة- تلقائياً- بالاستسلام لهذه النوستالجيا المتفجرة التي تجعلني أحافظ على بعض  توازني!؟

** هل هذا الحنين هو ما يدفعك إلى تدعيم التواصل بين من تعرفهم من أصدقائك وأقاربك حتى بعد الاغتراب بسنوات ومتابعة أخبارهم وقت ذروة الجائحة؟

– على الصعيد الشخصي فإن التواصل: واقعاً أو خيالاً مع مقربي، ضمن حدود الوطن، لم يتوقف، بل ظل مستمراً، وبوتائر أعلى، مقربي هؤلاء ظللت أتناولهم فيما أكتب سرداً وشعراً. في مقالاتي وروايتي وفي قصيدتي لأنهم دفق الروح التي تمنح الحياة للحظتي!

** كيف تصف حنينك إلى بلدك وأهلك واغترابك؟

– ثمة أمر أليم قد يؤلمك أيضاً إن أقله، ألا وهو حقيقة هجرة الأهلين من الوطن. نصف سكان الوطن غادروه، بهذا الشكل أو ذاك. أكثر أهلي غدوا هنا خارج الوطن. الوطن بات مسكوناً بالغرباء والعابرين. ثمة صور مفزعة تصلنا عنه وهو أن شارعاً من مئة بيت- مثلاً- ليس فيه إلا عشرة بيوت من أهله الأصليين، وقد هاجر حتى بعض أبناء وبنات هذه البيوت ذاتها. ثمة تغيير ديمغرافي مشغول عليه تم ويتم في ظل وطأة الحرب، ومع هذا فأنا في انتظار لحظة العودة إلى الوطن، بعد أن يستعيد أمانه وأمنه عسانا نستطيع أن نفعل شيئاً ما لكائننا ومكاننا!

ملاحظة:

أجري الحوار قبل وفاة الشاعر محمد عفيف حسيني- رحمه الله إلا إن نشره تأخر!

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة