19 نوفمبر، 2024 6:31 م
Search
Close this search box.

رواية “هدية غابرييل”.. يفقد الأطفال الأمان عند انفصال الوالدين

رواية “هدية غابرييل”.. يفقد الأطفال الأمان عند انفصال الوالدين

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “هدية غابرييل” للكاتب البريطاني “حنيف قريشي” تحكي عن اكتشاف العلاقات وتعقيداتها من قبل طفل على وشك دخول مرحلة الشباب، حيث يبدأ في فهم علاقة أبيه بأمه ومآسي الكبار وإخفاقاتهم.

الشخصيات..

غابرييل: طفل في عمر الخامسة عشر، ينفصل أبوه عن أمه، و يعاني كطفل تداعيات ذلك الانفصال، خاصة أن والده كان يرعاه ويبقي معه وقتا أطول.

كريس: والد غابرييل، موسيقي عاش مجد الشهرة في فترة الستينات حيث كان يعزف وراء مغني مشهور، ثم حدثت له حادثة عرضية  وترك الفرقة لأجل العلاج، ثم لم يلتحق بالعمل معهم مجددا، لكنه عاش على ذلك المجد وفقد اتصاله بالواقع وأصبح عاطلا لا يعمل، أو يعمل أعمال هامشية مما جعل زوجته تمل من وجوده.

كريستين: والدة غابرييل، كانت تقوم بعمل ملابس الفرقة التي كان يعمل بها الوالد، ثم بعد عدة سنوات من معاشرة رجل كسول لا يعمل أو لا يربح ما يكفي لإعالة الأسرة اضطررت إلى أن تعمل كنادلة والانفصال عن زوجها.

وهناك شخصيات أخرى ثانوية، تتفاعل مع تلك الشخصيات الرئيسية.

الراوي..

الراوي عليم يحكي عن غابرييل بشكل أساسي وعن رؤيته لكل ما يدور حوله، فهو ينطلق من عقل ذلك الطفل الذي يتعرف على تجربة جديدة عليه وهي الانفصال بين أبيه وأمه، ويسمح لباقي الشخصيات بالتعبير عن نفسها من خلال الحوار.

السرد..

الرواية تقع في حوالي 286 صفحة من القطع المتوسط، تدور حول الانفصال بين أبو غابرييل وأمه وتأثير ذلك عليه ونموه العقلي والذهني والنفسي الذي يواكب ذلك الانفصال، ثم عودتهما مرة أخرى وتحقيق غابرييل لأول حلمه كطفل.

تأثير الانفصال على الأطفال..

تحكي الرواية بشكل أساسي عن تأثير انفصال الوالدين على الطفل غابرييل الذي يبلغ من العمر خمسة عشر عاما، والذي كان مقربا من والده يذهب معه إلى المدرسة ويأتي ليأخذه، وفي الطريق يعلمه أشياء كثيرة ويعيشان علاقة ممتلئة بالود والطمأنينة. ثم فجأة يخسر غابرييل والده حيث تصر أمه على الانفصال، ويترك الوالد المنزل وتأتي بمربية مهاجرة لا تجيد الانجليزية، كما أنها تراقبه كظله، فيشعر بالجفاء خاصة حين تضطر أمه إلى العمل كنادلة وتتأخر كثيرا خارج المنزل، ثم تطصحب معها رجل في الليل وتحتسي الشراب.

يشعر غابرييل بافتقاد والده وافتقاد الحياة الأسرية التي كان يعيشها ويقترب أكثر من ذاته، ويحاول التركيز في الشيء الذي يحبه وهو الرسم، كما يحاول التواصل مع روح أخيه التوأم الذي مات في سن صغيرة، ويشعر ببعض الاضطرابات النفسية التي تحدث له جراء غياب والده، لكنه يحاول مقارنة نفسه بصديقه زاك الذي انفصل والديه أيضا وساءت حالته أكثر لأن والده قرر أن يحول ميوله الجنسية نحو الرجال، كما عاني من اضطراب العلاقة بين والديه.

ثم يظهر والده ويكتشف غابرييل أنه يسكن غرفة في مكان فقير، وأنه مازال يعاني من عدم وجود عمل، فيشجعه غابرييل ويحاول تحفيزه ليلتحق والده بعمل ما. حيث يكتشف غابرييل أن والده يجد فرص للعمل لكنه يضيعها دوما. وبالفعل يجد والده نفسه في عمل المدرس الذي يعلم الأطفال الموسيقى، ويكتشف والده أن تلك المهنة هي ما كان ينتظرها طوال حياته، وأنها أفادته في الشعور بأهميته وبأنه مفيدا للآخرين. وحين يعمل الوالد تنصلح الأمور حيث يتغير على مستوى سلوكه وتقتنع الوالدة بهذا التغيير وتعطيه فرصة أخرى، وتعود الأسرة كما كانت مما يسعد غابرييل.

وتصور الرواية كيف يجعل الانفصال بين الوالدين الطفل مشتتا نفسيا ويفقد الشعور بالأمان، كما يتوزع نفسيا بين طرفين متصارعين مما يجعله هو الضحية في المقام الأول، خاصة إذا حاول الوالدان إدخال الطفل في مشاكلهما أو زجه في صراعهما، فيضطر أن يتعلم سلوكيات سيئة كالكذب أو إخفاء ما يدور في حياته و إخفاء أمور هامة عن والديه.

الاختباء في الماضي..

كما رصدت الرواية مرض بعض البشر الذين يرفضون العيش في الحاضر بفاعلية ويعيشون دوما على أمجاد الماضي، لأن الماضي كان بالنسبة لهم جميلا ومبهرا أو كانوا ناجحين فيه فهم يهربون دوما إليه ويعيشون داخله رافضين الاقتناع بأنه مضى وانتهي. وهذا يؤثر على تعاملهم بكفاءة مع الواقع، فهذا ما حدث لكريس والد غابرييل الذي كان لا يريد الخروج من صورة الموسيقي الشهير الذي يعمل في فرقة شهيرة، وهذا الأمر جعله يفقد صلته بالواقع ويتوقف عن النمو والتطور، وأيضا يرفض العمل ليعيل أسرته، ودوما ما كان يتشبث بحلم أن يؤلف موسيقاه الخاصة.

لكنه عندما وجد فرصة للتعبير عن ذاته والشعور بأهميتها انقلب حاله، فقد اكتشف أن مهنة التدريس تحقق له شعورا نفسيا بالرضا وبأنه مفيد لعدد من الطلاب، وبأنه مستمع جيد حتى مع الأطفال الجانحين نفسيا والذين يجد أهلهم صعوبة في التعامل معهم، وهذا جعله يخرج من فقاعة الماضي اللعينة ويتصرف كشخص مسئول.

كما رصدت الرواية من خلال عيون الطفل غابرييل نفسية المرأة، حيث رصد التغييرات التي حدثت لأمه بعد غياب والده وكيف أصبحت هشة نفسيا وضعيفة وتحتاج للحب والحنان ، حتى أنها دخلت في علاقة مع رجل يصغرها في السن، كما كانت متلهفة على الارتباط برجل أغنى لكي يريحها من الفقر الذي تعيشه. لكن الأمر لم ينجح وعادت إلى زوجها الذي وجدت  فيه تغيير يرضيها. كما صورت مشاعر الأم التي فقدت طفلا وكيف تتغير لتصبح امرأة مزاجية وغضوب ويؤثر ذلك على أسرتها، حيث تنتاب المرأة حالة من الجنون حين تفقد طفلا لها، وتصبح حريصة بشكل مرضي على أطفالها الباقين على قيد الحياة. كما صورت الرواية بعض تفاصيل المجتمع البريطاني خاصة في وسط المشاهير والأغنياء، حيث أصدقاء والد غابرييل الذين حققوا نجاحا وشهرة.

انتهت الرواية نهاية سعيدة بعودة الوالدين وشعور غابرييل بالاستقرار مرة أخرى، خاصة حين اختفت معظم المشاكل بين الوالدين ووجدا الاستقرار المادي بوظائف مجزية مما أوصلهما إلى الاستقرار النفسي والقيام بأدوارهما كأب وأم على نحو صحيح.

الكاتب..

حنيف قريشى، روائي ومؤلف مسرحي وسيناريست، ولد بلندن في 5 ديسمبر عام 1954 لأب باكستاني وأم بريطانية، وقد عانى بسبب أصوله الباكستانية لذا قرر في لحظة ما “إنكار” أصله الباكستاني الذي بات يمثل بالنسبة إليه لعنة” على حد قوله، غير أنه بعد ذلك تأكد أن المزيج الذي يحمله هو الأساس الذي فجر في داخله القدرة على الإبداع.

بدأ الكتابة في سن المراهقة، ودرس الفلسفة في جامعة لندن، , وعين في العام 1982 كاتباً مقيماً في مسرح البلاط الملكي، وفي العام 1984، دخل قريشي عالم السينما من أوسع أبوابه من خلال ترشيح فيلم “مغسلتي الجميلة” لجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو، وحازت روايته “بوذا الضواحي” على جائزة أفضل رواية أولى في العام 1990، وفي 2008، وضعت جريدة التايمز البريطانية اسمه ضمن قائمة “أعظم 50 كاتبا بريطانيا منذ 1945”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة