19 نوفمبر، 2024 8:42 م
Search
Close this search box.

فيلم “الغول”.. كشف كارثية الواقع وجرأة مواجهتها

فيلم “الغول”.. كشف كارثية الواقع وجرأة مواجهتها

 

خاص: كتبت- سماح عادل

فيلم “الغول” هو فيلم مصري درامي يتناول حكاية هامة وهي امتيازات الأغنياء التي تعفيهم من أن يتم تنفيذ القانون عليهم ومعاقبتهم على جرائمهم وخاصة القتل منها.

الحكاية..

بدأ الفيلم بالصحفي “عادل عيسي” الذي قام بدوره الفنان “عادل إمام” وهو يتحدث إلى المذيعة”مشيرة” وتقوم بدورها الفنانة “نيللي”، حيث أنه كتب مقالا في إحدى المجلات ينتقدها فيها، وتتعرف “مشيرة” على “عادل عيسى” وتشعر أنه شخصية عنيدة، ويطلب منها توصيله إلى أحد النوادي الرياضية ليرى ابنته، لتعرف أنه تزوج من سيدة مشهورة لكن زواجهما انتهي بسبب فقره وحياته البسيطة، وأنه محروم من رؤية ابنته فيذهب إلى النادي ليراها خلسة دون علم أمها.

ثم يظهر الكاشف رجل الأعمال الشهير الذي يقوم بدوره الفنان “فريد شوقي”، والذي يغضب بسبب انتقاد المذيعة “مشيرة”، ويكلم رئيس تحرير المجلة ليلومه على ما حدث. ويذهب “عادل عيسى” إلى أحد البارات في وسط البلد ليحتسي البيرة، ويطلب منه أحد الموسيقيين العجائز أن يساعده في إيجاد غرفة في لوكانده رخيصة لفتاة تهمه، حيث جلبها من بلدها لتعمل بديلة لإحدى الراقصات، لكن رفضت الراقصة تشغيلها، وأنه لا يقدر على اصطحابها إلى بيته لأن لديه ثلاث بنات والمكان ضيق. يوافق عادل على مساعدته على حجز غرفة للفتاة، لكن يتدخل “نشأت الكاشف” ابن “فهمي الكاشف” ويعرض على “مرسى السويفي” الموسيقي البسيط أن يوفر غرفة للفتاة، لأن أبوه يمتلك عدة لوكاندات.

قتل..

ويأخذهما “نشأت الكاشف” في السيارة ويعرض على الفتاة أن تبيت في شقة متوفرة، وتتردد هي في الأمر، وحين يذهبان إلى الشقة يعطي “نشأت الكاشف” ل”مرسي السويفي” نقودا طالبا منه الرحيل، فيفهم “مرسي” ويرفض ترك الفتاة بمفردها مع “نشأت”، وتدور مشاجرة فيهرب “مرسي” والفتاة “نادية” ويجريان بأقصى سرعتهما، لكن يلحق بهما “نشأت” ويدوسهما عمدا بسيارته.

وينتشر خبر الحادثة المريعة التي دارت في منطقة وسط البلد، ويذهب “عادل” لرؤية ما جرى ليكتشف أن القتيل هو “مرسي السويفي”، فيذهب إلى الشرطة ويبلغهم بما يعرف، وأن “مرسي” والفتاة ذهبا بصحبة “نشأت”.  في نفس الوقت يذهب “نشأت” لأبيه وأمه ويحكي لهما الأمر، مصورا أنه حادثة بالخطأ، ويتصرف “فهمي الكاشف” سريعا ويطلب من ابنه الذهاب إلى بيت مدير أعماله للسهر هناك، وحين يأتي  رجل الشرطة يخبره أن ابنه يسهر في الخارج.

وباستدعاء “نشأت” يشهد مدير أعمال “فهمي الكاشف” أن “نشأت” كان يسهر في منزله طوال الليل، ويصر “عادل عيسى” على أن “نشأت” كان يسهر في البار، ويذهب الجميع إلى البار ليشهد الموظفون بإيعاز من رجال “الكاشف” أنهم لم يروا “نشأت الكاشف” هذه الليلة في البار.

خطف…

ويبدأ “عادل” يشك في شبهة القتل العمد، نتيجة لتلاعب “نشأت الكاشف” ويصر على كشف أمر الحادثة. ويتصادف أن يكون وكيل النيابة المعني بأمر القضية صديق قديم له، يقوم بدوره “صلاح السعدني”، وينقل “عادل” شكوكه لوكيل النيابة وأن الأمر ليس حادثة سيارة وإنما قتل عمد. ويشعر “فهمي الكاشف” بالقلق ويقرر إبعاد الفتاة التي نقلت إلى المستشفى بإصابات خطيرة، ويتم خطفها من المستشفى وإبعادها في إحدى مزارع “فهمي الكاشف”، لكن الطبيب البيطري في المزرعة، والذي كلفوه بعلاجها يشعر بالأسف على حالها خاصة وأن أحوالها تسوء بسبب عدم رعايتها من قبل طبيب مختص، فيحاول مساعدتها على الهرب.

ويصر “عادل عيسي” على متابعة القصية ويذهب لزوجة “مرسي” ليعزيها ويعطيها مبلغا صغيرا من المال، ويرى بناته الثلاث، كما يذهب بصحبة وكيل النيابة للبحث عن نادية ليفاجأ باختفائها من المستشفى.

تلاعب..

ويعرف “فهمي الكاشف” بأمر “عادل عيسي” فيحاول استمالته، ويطلب منه كتابة مذكراته، لكن “عادل” يبدي رفضا، ويعترف “الكاشف” بجريمة ابنه في تحدي، وحين يرفض “عادل التعاون معه يحاول ترضيته من خلال “مشيرة” حين يعلم أنها تعرفه. فتذهب “مشير”ة له بمبلغ خمسين ألف جنيه كتعويض لأهل “مرسي” عن مقتله، لكن “عادل” يرفض موضحا أنها جريمة قتل وتجب معاقبة المسئول عنها.

ويتهم مشيرة أنها خليلة “فهمي الكاشف” فتخبره “مشيرة” أنها ابنته وأنه يخفي ذلك الأمر لأنه يخاف من زوجته، التي تزوجها منذ زمن طويل حين التحق بالعمل في شركة زوجها كمحاسب صغير، وأنها هي من جعلته يتنكر لزوجته الأولى وللطفل الذي في بطنها، بل وجلب لها رجلا لتتزوجه وتكتب الطفل باسمه والذي أصبح فيما بعد “مشيرة”. ورغم إصرار “الكاشف” على عدم اعترافه بابنته إلا أنه يعاملها كأب ويعطيها الأموال، ويوفر لها جزء من ثروته سرا. فنكتشف مدى قبح “فهمي الكاشف” وتشعر “مشيرة” بمهانة موقفها من رد فعل “عادل عيسى” عليه، وتطالب أبيها بان يعترف بها، مما يزيد من إغضاب “فهمي الكاشف” من “عادل عيسى”.

إخفاء الأدلة..

ويتم إخفاء كل الأدلة التي تشير إلى مسؤولية “نشأت” عن جريمة القتل، فيتم تخريب السيارة، والتلويح لزوجة “مرسي” بالنقود لكي تضغط على “عادل” لكي يترك أمر القضية، لكن “عادل” يصر على المضي في طريقه بل ويستقطب “مشيرة” إليه، والتي تشعر بفظاعة ما يحاول أبوها فعله. وتساعده “مشيرة” في كشف مكان “نادية”، وتذهب معه لمساعدتها في الهرب لكي تشهد في المحكمة. لكن “فهمي الكاشف” بنفوذه يظل هو الأقوى، فيعين كبار المحامين للدفاع عن ابنه، وينجح أحدهم في إفساد شهادة “نادية”، وبالتالي تتم تبرئة “نشأت الكاشف” قانونيا من المحكمة، وحين يعترض “عادل” يتم حبسه أربعة وعشرين ساعة.

ومما زاد من فظاعة الأمر امتناع “فهمي الكاشف” عن إعطاء زوجة “مرسي” الأموال التي وعدها بها، مبررا الأمر بأن زوجته لم تقم بما طلب منها، ويعرف عادل بذلك.

حل فردي..

ثم تتصاعد الأحداث بشكل يفاجئ المشاهد، فيقرر “عادل” أن يكون له دور في مواجهة ما حدث، فيشحذ سلاح أبيض كان لديه ويخبأه بين صحيفة، ويذهب ليري ابنته للمرة الأخيرة، ويتقابل مصادفة مع “مشيرة” التي يعلن لها أنه يحبها، ويطلب منها الاهتمام بابنته فتعرف أنه ينوي على فعل شيء خطير. ثم يذهب إلى شركة “فهمي الكاشف” ويطلب منه بضع دقائق للحديث، فيسمح له “فهمي الكاشف” بذلك، وحين يقترب منه يسأله لما لم يعط النقود لبنات “مرسي”، ثم ينهال عليه بالسلاح الأبيض، ويحاول الأمن مقاومته برمي الكراسي عليه، وبعد أن يجهز على “فهمي الكاشف” تماما يجلس في هدوء ويطلب منهم إبلاغ الشرطة.

وحين يدخل على وكيل النيابة صديقه يعاتبه الأخير على ما فعل، فيقول له “عادل” أن ذلك هو الانتقام الأمثل، ويقول له وكيل النيابة أنه بذلك يشرع لقانون الغاب. وينتهي الفيلم على ابتسامه “عادل” وهو يدلي بأقواله.

قانون سكسونيا..

الإخراج بارع، وأداء الممثلين ممتاز، واهتم صانعو العمل بعمل تفاصيل ثرية وكثيرة، متخذين من قانون ساكسونيا خلفية لقصة الفيلم.

وقانون سكسونيا من أغرب القوانين الموجودة في العالم، فبمقتضى ذلك القانون كان هناك تمييز في تنفيذ العقوبة بين المجرم من عامة الشعب والمجرم من طبقة النبلاء. وُضع هذا القانون في ولاية ساكسونيا، وهي إحدى ولايات ألمانيا القديمة، ووضعته حاكمة ولاية ساكسونيا في القرن الخامس عشر، وكان ذلك بواسطة مشرعين من طبقة الأغنياء. وارتبط اسمه باسم الولاية.

كان ذلك القانون يُفرِّق بين الناس في العقوبة وفق طبقتهم الاجتماعية. فكان يجري تنفيذ عقوبة الإعدام للقاتل إذا كان من عامة الشعب، وذلك بأن تُقطع رأسه بحيث تفصل عن جسده. أما إذا كان القاتل من طبقة النبلاء والأغنياء فكان يجري تنفيذ عقوبة الإعدام بطريقة «غريبة»، إذ كان يؤتى بالقاتل ليقف في الشمس وكان يُقطع رقبة ظله! وكذلك في تنفيذ عقوبة الجلد للسارق من عامة الشعب، بأن يُجلد ظهره، بينما السارق من طبقة النبلاء كان يؤتى به ليقف في الشمس ويُجلد ظهر ظله!

فقصة الفيلم تدين التمييز الذي يحصل عليه الأغنياء على مستوى ارتكاب الجرائم ومخالفة القانون الذي يحكم الجميع، لكن ما ميز الفيلم حقا أنه ورغم استلهامه لفكرة قانون ساكسونيا إلا أنه نقل الواقع في فترة الثمانينيات نقلا أمينا، فقد نقل فساد رجال الأعمال الذين كان “فهمي الكاشف” نموذجا لهم في الفيلم، حيث استفادوا بالانفتاح وقاموا بالتجارة في كل شيء وفي استيراد مواد فاسدة أضروا بها جموع الشعب، وزادت ثرواتهم ومن ثم زاد نفوذهم الاجتماعي والسياسي وأصبحوا ملوكا في البلاد، لا يحاسبهم أحد ولا يخضعون لقانون. كما كشف الفيلم عجز القانون على مواجهة نفوذ الطبقة الرأسمالية الطفيلية، بل وربما تواطؤ القائمين علي تنفيذه مع طبقة الأغنياء.
كما جاءت النهاية صادمة وربما محرضة، وجاءت فكرة تبرئة “نشأت الكاشف” لتزيد من كارثية الأمر، وكأن لا أمل أو حل لتصاعد نفوذ الأغنياء إلا بالتدخل من قبل أفراد الشعب.

والجدير بالذكر أن مؤلف الفيلم “وحيد حامد” قد ذكر في أحد البرامج التليفزيونية أنه تمت مصادرة الفيلم من الرقابة، بل وتمت كتابة تقارير نارية عنه، كانت ممكن أن تودي به إلى عقوبة غليظة، حيت تم اتهامه بتحريض الطبقات الفقيرة على الأغنياء ومحاولة زعزعة أمن المجتمع. ويبقى الفيلم علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية، حيث أنه انتقد الفساد وأمور كانت تجري وقت صدور الفيلم بجرأة وتحدي ووضوح تام دون خوف من نتيجة ذلك، أو محاولة التورية، كما أشار إلى سلبيات تحدث في المجتمع بل واختار حلا صادما وجريئا.

الفيلم..

“الغول” هو فيلم مصري عرض عام 1983، بطولة “فريد شوقي وعادل إمام ونيللي”، ومن تأليف “وحيد حامد” وإخراج “سمير سيف”، الفيلم مأخوذ عن المسلسل الإذاعي «قانون سكسونيا».

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة