الحرب في اوكرانيا، هي، وبكل تأكيد؛ صراع امريكي روسي. وهو صراع حول التسيد الامبراطوري، تسويقا ومنطلقا واهدافا، بدرجة كبيرة جدا، لجهة امريكا وبدرجة اقل لجهة روسيا، إنما هو، وبكل تأكيد يقع في هذا الاطار، وليس صراعا حول القيم او الاطر الايديولوجية. فهذان التوصيفان لهذا الصراع، بعيدان كل البعد عن هذه الحرب وعن محركاتها او دوافعها، على الرغم من ان كلا الجانبين الامريكي والروسي، اي المسؤولون الامريكيون والروس يقولان عن انها حرب قَيًم ومُثَل. امريكا تقول عنها من انها تدعم اوكرانيا دفاعا عن القَيًم والمُثَل الغربية، وروسيا هي الاخرى تقول من انها تدافع عن قيم روسيا ومُثَلها في الحياة سياسيا وثقافيا وغيرهما بما له علاقة عضوية بهما. جميع الحروب الا القليل جدا منها هي في الدافع والمحرك لها؛ الاستحواذ والضم والسيطرة على الاخر، حين ينهزم امام قوة الخصم. الاعم الاغلب من الامبراطوريات عبر العصور، كانت حروبها من اجل توسيع مساحة اراضيها واخضاع الاخر بقوة السلاح لها.. حتى الحربين الاولى والثانية وحتى الحرب الباردة؛ كانت دوافعها ومحركاتها المركزية والاساسية، تقع على هذا المسار من الناحية الفعلية والعملية وليس من الناحية الاعلامية والتسويقية والتبريرية لها، اي لهذه الحروب. الحرب في اوكرانيا لا تخرج باي حال من الاحوال عن هذا المسار؛ فهي حربا، ذات ابعاد استراتيجية وتكتيكية وكل ما يقال بخلاف هذا ما هو الا عملية تسويق وتبرير لهذه الحرب من الجانبين الامريكي والروسي على الارض الاوكرانية التي هي الضحية في هذه الحرب بفعل او بسبب سوء تقدير قيادتها. امريكا دول ليبرالية وامبريالية تحكمها شركات عملاقة عابرة للحدود والجنسيات، روسيا من الجانب الثاني ايضا هي دولة يحكمها رأس مال اي انها دول نظامها الاقتصادي؛ نظام رأسمالي اي يتحكم فيه اقتصاد السوق، وهذا الاقتصاد حكما اي بحكم الضرورة يبحث له عن مناطق نفوذ اقتصادي حتى لا يتعرض للاختناق، لكنه بدرجة اقل كثيرا جدا من الاقتصاد الامريكي الذي يعتمد بدرجة كبيرة جدا على الفضاءات التي يتحرك فيها، اقتصاد السوق الحر الامريكي، خارج حدود حركة هذا السوق الجغرافية. ان اس الصدام الامريكي والروسي على الاراضي الاوكرانية؛ هو هذا الطريق ذو الافاق البعيدة التي ليس لها علاقة باي شكل من الاشكال بالقيم والمُثَل. من الطبيعي ان كلا الدواتين؛ لا يمكن لهما ان يقولا ان حربهما من اجل هذا الذي ذكرته في الذي سبق من هذه السطور المتواضعة، على ارضية سياسية، تعتمد في ذلك على توسعة جغرافيتها السياسية خارج حدودها، سواء في المحيط القريب او المجاور للقريب او البعيد؛ لذا، فهما يقولان من ان هذه الحرب هي حرب قيَمٌ ومُثَل.. من الجانب الامريكي، يقول المسؤولون فيها من انها حرب قيم ليبرالية وديمقراطية، ومُثَل غربية، المسؤولون الروس هم ايضا يقولون من ان هذه الحرب هي حرب للمحافظة وحماية القيم الروسية ومُثَلَها. ان هذين التوصيفان لهذه الحرب توصيفان متقاطعان تماما مع الحقيقة اي حقيقة هذه الحرب. روسيا والصين تقفان في خندق واحد بمواجهة امريكا والغرب اي من الناحية الفعلية والواقعية، مع ان الصين تحاول ان تناءى بنفسها ولو ظاهريا عن هذه الحرب. إنما من جهة المسار سابق الاشارة له في هذه السطور؛ سوف يجبرها هذا المسار؛ ان تكون اكثر وضوحا مما هي عليها الآن، في صف روسيا. السؤال هنا ماهي القيم والمُثَل المشتركة بين روسيا والصين؟ اذا ما ابعدت شراكتهما عن هذا الطريق، ووضعنا بدلا منه؛ القَيًم المشتركة والمُثَل بين الدولتين العظميين روسيا والصين؛ لا توجد قيم مشتركة ومُثَل بين الدولتين، الاولى دولة رأسمالية والثانية دولة يحكمها اقتصاد السوق الاشتراكي الذي يعتمد في رؤيته الاقتصادية على الماركسية بالطريقة الصينية، كما يقول عن اقتصادها هذا، تقرير صدر عن المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني الذي تم عقده مؤخرا. بل هي اي الشراكة، على هذا الاساس؛ هي شراكة في مواجهة عدو واحد هو امريكا.. يفرض الشراكة عليهما فرضا. مع انها اي هذه الشراكة، في الامد البعيد، ربما تتضاربا فيما بينهما. اما من الجانب الامريكي والغربي معا؛ صحيح ان هناك قيم ليبرالية وديمقراطية بينهما، لكن وفي ذات الوقت هناك تقاطع في منطلق الاهداف وخواتمها، بين امريكا واوروبا باستثناء بريطانيا. امريكا تريد ان تفرض رؤيتها على العالم، على الجميع، بما فيها اوروبا، وهي اي هذه الرؤية، ليست قَيًم ومُثَل من الناحية الكلية اي النظر إليها نظرة كلية من حيث البداية والمبدأ والهدف؛ بل هي ( الرؤية..) غطاء لاستدامة هذه الوسائل، التي يتم تسويقها على اجنحة هذه الرؤية السياسية والديمقراطية وحقوق الانسان. اوروبا طريقها او طُرقًها سوف تتقاطع اجلا مع طرق امريكا وحتى مع الرؤية الامريكية للعالم اي صياغة الكوكب وما فيه على مقاسها، بصرف النظر عن رؤية اوروبا، وهذا هو ما يحدث الآن في الحرب في اوكرانيا. في المقررات الاخيرة التي اصدرها مجلس الامن القومي الامريكي، وهي رؤية هذا المجلس للصراع الدولي في المقبل من الزمن على ظهر الكوكب؛ حدد عدوان، الصين وروسيا؛ سوف يواجهان امريكا لجهة القَيًم والمُثَل الامريكية التي تريد للعالم ان يحترمها، لأنها كما يقول عنها هذا التقرير، من غايتها وهدفها هو السلام والاستقرار والامن وحماية حقوق الانسان في المعمورة، بمعنى ان القَيًم والمُثَل الامريكية هدفها وغاياتها؛ هو هذا الذي ذكرته قبل سطر؛ في تقاطع واضح لحقيقة الاهداف الموجودة ابتكارا واجتراحا في العقل الامريكي الامبريالي..