18 نوفمبر، 2024 12:30 ص
Search
Close this search box.

محمود درويش حالة شعرية – قراءة للقبض على مجداف النقد بين أمواج الشعر

محمود درويش حالة شعرية – قراءة للقبض على مجداف النقد بين أمواج الشعر

منذ صدور كتاب” نجيب محفوظ قيصر الرواية العربية 1999م، ومجلة دبي الثقافية تواصل إصدار سلسلتها الشهرية لتصل إلى الرقم ” 28″ بكتابها الجديد الذي كتبه الناقد المعروف الدكتور صلاح فضل بعنوان ” محمود درويش حالة شعريّة”.
   والشاعر محمود درويش الذي احتفت واحتفلت بذكرى وفاته الأولى الأوساط الثقافية العربية الشهر المنصرم وخصص” الاتحاد الثقافي” ملفاً خاصاً عنه لمناسبة مرور عام على وفاته في عددها “108 ” في 6 أغسطس الماضي. فإنّ دبي الثقافية قد خصت الشاعر بدراسة نقدية عنه هي ” محمود درويش حالة شعرية” للدكتور صلاح فضل.
   بدا مفردات الكتاب الشاعر سيف المري رئيس تحرير المجلة بـ” هذا الكتاب” الذي أشاد بالشاعر درويش كونه قد مثل قامة شعرية تتجاوز حدود المألوف. وتقترب من الأسطورة.. ويقول:” إنّه الرائع بحضوره، والمبدع في غيابه، لغته الشعرية قريبة من الروح، وكأن له معرفة بأسرار ذلك العالم! تألق في حياته، كما تأنق في وفاته. قلبه الكبير استوعب رجال القضية الفلسطينية بكل تناقضاتهم، ورحلة نضاله لم تتوقف بتوقف” عدّاد” الأيام، اجتاز بشعره، مسافات العالم؛ فأوصل صوته وقضيته إلى أركان الدنيا”.
   وكتب ناصر عراق سكرتير التحرير كلمة” درويش وفضل سيمفونية الشعر والنقد” الذي أراد منها الموازنة مابين شعر درويش ونقد فضل حيث:” يقودنا صلاح فضل خطوة خطوة وبحذق نحو عالم درويش الصاخب والجريء والمُدهش والمتنوع والإنساني، فنرى ونلمس ونتذوق تجربة عريقة ومتنوعة لشاعر فذّ واستثنائي أقام الدنيا ولم يقعدها، وشغل الناس فانشغلوا به وما زالوا!!”.
    وجاءت موضوعات كتاب دبي الثقافية بالمفتتح، وثلاثة فصول أخرى، ففي مفتتح كتابه مرّ فيه المؤلف فضل على جوانب من سيرة درويش الذاتية والذي عاش موزعاً بين الأزمنة والأمكنة والقصائد، يولد في قرية” البروة” من قضاء عكا في الجليل الغربي بفلسطين لأسرة ريفية بسيطة. ويتابع المؤلف سرد سيرة الشاعر ولمراحل من حياته الأدبية والشعرية الأخرى ولذكر دواوينه الشعرية التي أنجزها طيلة حياته.
شعرية العشق
    ثم قدم المؤلف في الفصل الأول من الكتاب لـ” شعرية العشق”، مشيراً فيه إلى الشاعر عندما كان في العشرينات من عُمره قد شرع لأصدر ديوانه الأول” أوراق الزيتون”: العام 1964م ثم أعقبه بالثاني” عاشق من فلسطين” العام 1966م، وكان فضل في بعثة الدكتوراه في مدريد. ويسرد تفاصيل عن الشاعر وعدم معرفته به بعد النكسة، لكنه عرف من المستعرب الإسباني” بدرو مارتينيث” انشغاله بترجمة مجموعة مختارة من شباب الشعراء العرب يطلق عليهم اسم المقاومة” فراجع فضل قصيدة درويش” بطاقة هوية” إلى الإسبانية، ويقول:” أخذت بشعريتها الطازجة وهي تنطلق لتعلن مولد إنسان عربيّ يتمرد على قدر الهزيمة ويُعلن انتصاره الروحيّ، شعرت حينئذ- بشكل مُبهم- بقرابة هذا الأسلوب من شعر نزار قباني نفسه في قدرته المُذهلة على تجسيد المشاهد وتحويل الدلالات الغائمة إلى مَعالِم ملموسة لا يختلف على إدراكها أحد.
  ثم تناول الناقد في هذا الفصل جوانب أخرى تمثل النقلة النوعية الفادحة كما يُطلق عليها والتي أحدثها الشاعر أدونيس بأسلوبه التجريدي الذي كان قد استشرى عند شعراء الحداثة امتثالاً لتطور أشكال التعبير الفنيّة من التصوير إلى التجريد في الرسم والموسيقى والعمارة. ويضيف قائلاً: وتتالت بعد ذلك مُغامرات درويش الإبداعيّة لتتجاوز حدود الحداثة المستقرة عند منطقة التجريد، ولتقدم مزيجاً جديداً من التعبير المُكثف حيناً والمُلطف حيناً آخر عن هموم الإنسان في الحبّ والموت والخلاص، اخذ درويش يُحدّق في مرآة الذات التي تعكس تحولات الوطن والعالم مِن حوله وهو يكتشف” طَزَاجة” الشعر وقدرته على تفجير الإيقاع، وتوليد أشكال التعبير عن أدقّ الحالات الداخلية للإنسان خلال مُعاينته للكون…
عالم من التحولات
    الفصل الثاني” عالم من التحولات” يحكي فيه مؤلفه عن الوعي العميق عند الشاعر درويش، والذي يراه من أبدالات أسلوبه الشعريّ التي لا تتمثل في تغيير ألوانه واختلاف طرائقه في التعبير عند كلّ مرحلة من تطوره. بقدر ما تظل أقرب إلى تحولات الوجه الواحد من الطفولة إلى مرحلة الشباب، ثم انقلاب الشاعر عند النضج والكهولة بحيث يكتسب ملامح لم يكن بوسعك أن تتوقعها، فإذا ما تركت بصماتها على مُحياه، وشاهدته عند الشيخوخة، إن كان الشعر يشيخ، رأيت الطفل في الرًجُل، وأدركت كم تغير عندما أكتهل وظلّ في هو في الوقت نفسه، دون قطيعة صارخة…
    وقد أسهب فضل في بيان تلك العوالم التي طرأت وتحول فيها درويش في عالمه الشعريّ عبر سني حياته، والتي يجدها” على وجه الخصوص تكاد تختزل بشكل مُكثف تحولات الشعر العربي المعاصر كلّه، بحيث يصلح ، نموذجاً جليّاً يمكن أن يجعله بالفعل ” مدينة الشعراء”. ثم أستشهد الناقد بنماذج من أشعار درويش تحت عنوان” من البراءة إلى الخطر”،  حيث قام بدراستها نقدياً من جوانبها المختلفة، عندما وجده شاعراً برز من وراء أسوار الاحتلال الصهيوني” بطاقة هويته”، فلفت أنظار العالم العربي لقوافيه. وراح يحلل قصيدته المشهورة:
سجّل!
أنا عربيّ
ورقم بطاقتي خمسون ألف,
أطفالي ثمانية
وتاسعهم سيأتي بعد صيف
فهل تغضب؟
   وأعقب ذلك بعنوان فرعي في هذا الفصل” الخروج إلى شكل آخر” و” شولميت مازالت تنتظر”، أشار فيه المؤلف إلى اعتناق الشاعر محمود أسلوب الدراما الحيويّ، وأخذ يكتب قصائد مُطولة تُوظف تقنيات سرديّة مُركبّة تتجمع فيها خواص الشعر الحيويّ والدراميّ بدرجة كثافة تعبيريّة عالية. مُستشهداً بنماذج شعرية له منها ديوانه” حبيبتي تنهض من نومها” الصادر عام 1970م، وهو بعنوان” كتابة على ضوء بُندقية”.
قراءات نصيّة
   أما مسك ختام كتاب دبي الثقافية الجديد ثالث فصولها ” قراءات نصيّة حالات الشعر والحصار”، الذي أفرد فيه مؤلفه لعنوانات عديدة أضاء فيها لعدد من القصائد الدرويشية المختارة التي وضعها تحت مشرط النقد والتحليل، ورحل الناقد في قراءة نماذج من أشعار درويش والمُتمثلة في: قصيدة دراميّة شاملة، لمسات الحداثة، سلام الشعراء، محمود درويش” كزهر اللوز أو أبعد، المقهى والجريدة، العرس وشهوة الحياة، زهو اللوز، محمود درويش لا يعتذر عمّا فعل، في القدس/ الحُلم، أقول لسمي، طبقات الشعر والرُوح، سيناريو القصيدة،ضربات المرمى،ماذا يقول الشعر؟ يوميات ” أثر الفراش’”، البنت/ الصرخة، الحوار مع الموت، اغتيال،ربيه سريع، على قلقٍ كأنّ الريح تحتي، صيف وشتاء، التسمية في الشعر، شظايا شعرية”. وقدّم في ” قصيدة درامية شاملة” لكون الشاعر كان يحلم أن يكون شعره ملحمة الحياة العربية الحديثة، ومشيراً إلى ديوانه” حالة حصار” وهو نموذج ملتهب للقصيدة الدرامية التي لا تتعدد فيها الأصوات ولا الشخوص، بل تتراكب اللفتات والمواقف، وتنو الحوارات المُتخيلة المتماسكة فيقول فيها:
( إلى قاتل) لو تأملت وجه الضحيّة.
وفكرت، كنت تذكرت أمك في غرفة
الغاز، كنت تحررت مِن حكمة البندقية،
وغيرت رأيك: ما هكذا تُستعادُ الهُوية.
 بينما يرى مؤلف الكتاب في” لمسات الحداثة” بأنّ محمود درويش رغم كونه شاعر القضية الأخطر في التاريخ العربي، لكنّه شاعر حداثي، وهذه مُفارقة لافته برأيه. وأورد مقطعاً للاستشهاد على قوله من” حالة حصار” يهديه إلى حارس :
( إلى حارس): سأعلمك الانتظار
على باب موتي المُؤجل
تمهل، تمهل
لعلك تسأم مني
وترفع ظلك عني
وتدخلُ ليلك حراً
بلا شَجى
( إلى حارس آخر): سأعلمك الانتظار
على باب مقهى
فتسمع دقات قلبك أبطا، أسرَع
قد تعرف القشعريرة مثلي
تمهل
لعلك تصفّر لحناً يُهاجر
أندلسيّ الأسَى، فارسِيّ المَدار
فيُوجعك الياسمين وترحل.مسكاً بالعمود،وصف الشعر،محمود درويش لاعب النرد، بطاقة الختام.

[email protected]

أحدث المقالات