واحدة من اهم العبارات التي اختتم بها الرئيس الروسي كلمته في الجلسة العامة لنادي فالداي الدولي للحوار ، والتي كانت بعنوان “العالم بعد الهيمنة: العدالة والأمن للجميع” ، هي ان روسيا ليست عدوًا ، ولم تكن لديها أي نوايا خبيثة تجاه الدول الأوروبية والولايات المتحدة ، وان لدى موسكو العديد من الأصدقاء ، و ” سوف نبني علاقات قائمة على أساسهم ” ، والاشارة الى أن روسيا لا تتحدى نخب الغرب ، وانها تدافع عن حقها في الوجود والتنمية الحرة ، في ذات الوقت لن تكون روسيا نوعًا من المهيمن ، وقال ” نحن لا نقترح استبدال القطبية الأحادية “، القطبية الثنائية ، القطبية الثلاثية ، وسيصبح هذا طريقًا مسدودًا جديدًا.
في العالم اليوم هناك نوعان من الغرب على الأقل – غرب القيم التقليدية ، هذا الغرب قريب الى روسيا بطريقة ما ، ولديهما جذور مشتركة ، ولكن في نفس الوقت لكن هناك غرب آخر – عدواني وعالمي ، لذلك روسيا لن تتحمل إملاءات هذا الغرب ، بسبب تغيير الأيديولوجية الليبرالية للغاية اليوم إلى درجة لا يمكن معها التعرف عليها ، فإن أي انتقاد للخصوم يُنظر إليه على أنه مكائد الكرملين! وهذا بوصف الرئيس بوتين ” نوع من الهراء ، الذي غرقوا فيه ” ، فقد غيّر الغرب على الفور العديد من القواعد [عندما أصبح ممكناً] ، وبمجرد أن يصبح شيء ما مربحًا لنفسه ، يتم تغيير القواعد فورًا أثناء التنقل ، وكل خيارات وأشكال الديمقراطية الأخرى ،وكان هذا هو الحال منذ العصور الاستعمارية.
أن معظم شعوب العالم لا تريد أن تتقبل محاولات الغرب الجماعي للسيطرة على الإنسانية ، وان الغرب غير قادر على إدارة الإنسانية بمفرده، ولكنه يحاول يائسا القيام بذلك، ومعظم شعوب العالم لم تعد ترغب في قبول ذلك ، ويشير الرئيس الروسي الى أنه عندما كانت تجادل بعض الدول الولايات المتحدة كان الموضوع يأخذ ضجة كبيرة و”لكن الآن أصبح الأمر مألوفا عندما ترفض دول مختلفة مطالب واشنطن التي لا أساس لها، على الرغم من حقيقة أنها لا تزال تمارس الضغط على الجميع”.
ولطالما أن الأسلحة النووية موجودة ، كما يقول الرئيس الروسي فهناك دائمًا خطر استخدامها ، وإن هدف الضجة اليوم حول الأسلحة النووية بدائي للغاية ، وهذا الإملاء من الغرب ، ومحاولتهم للضغط على جميع المشاركين في الاتصالات الدولية لا تنتهي بلا شيء ، وهم يبحثون عن حجج إضافية لإقناع الجميع بأنه يجب جميعًا الوقوف معًا ضد روسيا ، ويتم استخدام فرض الأطروحة حول الاستخدام المحتمل للأسلحة من قبل روسيا لهذه الأغراض على وجه التحديد – للتأثير على الدول المحايدة.
وهنا يبرز التساؤل المشروع ، من هي الدولة الوحيدة التي استخدمت الأسلحة النووية ضد قوة غير نووية هي الولايات المتحدة ، فما ما هو الغرض؟ هل أن اليابان تهدد سيادة شخص ما ، هل كان هناك نوع من النفعية العسكرية؟ اما بالنسبة لروسيا ، فلديها عقيدة عسكرية ، فليقرؤوها ، والتي تقول في أي الحالات يمكن لروسيا استخدام الأسلحة النووية – لحماية سيادتها وضمان أمن الشعب الروسي.
ان الابتزاز ” النووي ” الذي يمارسه الغرب لتخويف من ضربة نووية روسية في أوكرانيا ، فقد شخر منها الرئيس بوتين ، وشدد على أن روسيا ليست بحاجة إلى توجيه ضربة نووية لأوكرانيا، مشيرا إلى أنه لا جدوى من ذلك، محذرا في الوقت ذاته من أن الأسلحة النووية طالما كانت موجودة، فهناك دائما خطر من استخدامها، وأن روسيا لم تقل أي شيء بشكل استباقي بشأن استخدام الأسلحة النووية ، لكنه أكد أن روسيا تعرف بشكل تقريبي المكان الذي يعد فيه الأوكرانيون “قنبلة قذرة”، مشيرا إلى أن كييف تبذل قصارى جهدها للتستر على آثار تحضير “القنبلة القذرة” ، والاعراب عن تأييده لزيارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أوكرانيا للتحقق من التقارير التي تتحدث عن “قنبلة قذرة”.
وواحدة من المشاكل الخطيرة لأولئك الذين يُزعم أنهم يهتمون بمستقبل أوكرانيا هي أن القومية والفاشية الجديدة تندمج هناك ، فمن المستحيل فصل الوطنيين الشوفينيون اليوم عن بانديرا ، وأتباع الجنجويد ليسوا مدفوعين حتى بأفكار القومية ، فهم مدفوعون بالمصالح الاقتصادية – للاحتفاظ في البنوك الغربية بمليارات الدولارات التي سرقوها من الشعب الأوكراني ، لقد سرقوها ، وأخفوها في البنوك الغربية ، ومن أجل ضمان سلامة رؤوس أموالهم ، فإنهم يفعلون كل ما يطلبونه من الغرب ، ويلفونه في غلاف قومي ، وتقديمه لشعبه كنضال من أجل مصالح الشعب الأوكراني.
إن الخطأ الفادح من جانب الولايات المتحدة هو استخدام الدولار كسلاح في الكفاح من أجل المصالح الامريكية ، وهذا يقوض بشكل أساسي الثقة في الدولار ، فكر الجميع فيما إذا كان يستحق استخدامه ، و أين نرى مستقبل النظام المالي الدولي؟ وهنا يجب تزويد جميع البلدان بالتنمية السيادية ، ويجب احترام اختيار أي بلد ، ويجب أن يكون نظام الدفع مستقلاً وغير مسيس ، وقائم على الأنظمة المالية للدول الرائدة في العالم ، وإذا تم إنشاؤه ، فإن المؤسسات الدولية لمساعدة البلدان التي تحتاج إلى هذا الدعم ستعمل بشكل أكثر فعالية ، وفوق كل شيء ، وفي إطار هذا النظام ، من الضروري ضمان نقل التقنيات ، ورائد هذا النظام هو توسيع المستوطنات بالعملات الوطنية ، وستسهم تصرفات الولايات المتحدة وفقا للرئيس بوتين حتما في تطوير نظام المدفوعات بالعملات الوطنية.
ان علاقات روسيا اليوم في العالم الخارجي، وان كانت قد تضررت بسبب الضغوط الامريكية على بعض البلدان ، إلا أنها لازالت تحتفظ بموقعها في العديد من البلدان ، والأعلام الروسية لازالت موجودة وبقوة في إفريقيا وآسيا ، ولديها الكثير من الأصدقاء ، وان روسيا ليست بحاجة إلى فرض أي شيء على أحد ، فقد سئم الجميع العيش في ظل الإملاءات الخارجية ، وعندما يرون مثالاً على الكفاح ضد هذه الإملاءات ، فإنهم داخليًا وخارجيًا يقفون إلى جانب روسي ، ومثل هذا الدعم سوف ينمو .
والعلاقة مع الصين مثلا اكتسبت في السنوات الأخيرة ، مستوى غير مسبوق من الانفتاح والثقة المتبادلة والفعالية ، وهي أكبر شريك تجاري واقتصادي لروسيا ، واكد الرئيس الروسي ” نحن نعمل معًا في جميع المجالات تقريبًا ، ونتعامل مع الصين كصديق حميم ، مع احترام كبير لثقافتها وتقاليدها ، وأنا متأكد من أننا ، بالاعتماد على هذه القاعدة ، سوف نتحرك بثقة إلى الأمام ” ، وشدد بوتين على ان كل الإيماءات ذات الطبيعة الاستفزازية ، المرتبطة بزيارة كبار المسؤولين في الولايات المتحدة إلى تايوان ، لا تعتبرها روسيا سوى استفزاز ، وتتساءل لماذا اضطرت هذه الجدة إلى جر نفسها إلى تايوان من أجل استفزاز الصين للقيام بعمل ما ، في الوقت الذي لم يحسموا فيه العلاقات بسبب أوكرانيا؟ ، والجواب إنه مجرد هراء ، وثقة بالنفس وإحساس بالإفلات من العقاب – هذا ما يكمن وراء هذه الأفعال غير العقلانية.
ونصح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الولايات المتحدة وطريقة تعاملها مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، قائلا”بن سلمان شاب، حازم، ذو شخصية ، و هذه حقيقة واضحة ، لا تكون فظا معه حتى لا يرد عليك بنفس الطريقة ، هذا كل شيء، يجب احترام ولي العهد والسعودية نفسها، وهم سيردون بنفس الطريقة” ، وعبر الرئيس الروسي عن دعمه لانضمام السعودية إلى مجموعة “بريكس” ، واصفا في الوقت نفسه رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، بأنه ينتهج سياسة مستقلة لصالح شعبه، ويتحرك في الاتجاه الصحيح مثل كاسحة الجليد ، ووصف الرئيس الروسي أردوغان بالشريك الدائم والموثوق
ولعل احد المواضيع المهمة الأخرى التي اثارها الرئيس بوتين ، هو موضوع قواعد القانون الدولي في ضوء التغيرات الجديدة في العالم ، فقد حدد ميثاق الأمم المتحدة ميزان القوى بعد الحرب العالمية الثانية ، ولكن العالم يتغير ، وبالتالي ، يجب أن تتبع هذه القواعد هذه التغييرات ، ولكن يجب أن يتم ذلك بهدوء وببطء ووفقًا لمبادئ مفهومة وليس وفقًا لقواعد اخترعها شخص ما ،كما ويجب أن يكون الأساس هو مراعاة المصالح ، والقواعد التي يتم فهمها وقبولها بشكل موحد من قبل جميع المشاركين في الاتصالات الدولية ، وعلى أن يتم ذلك علنا وليس وراء الكواليس وليس لمصلحة مجموعة واحدة من الدول.
إن روسيا مستعدة لتزويد أوروبا بالغاز والنفط، وأزمة الطاقة الحالية قائمة على نقص تمويل مصادر الطاقة التقليدية ، أن أسعار النفط آخذة في الارتفاع بسبب أخطاء الغرب النظامية في قطاع الطاقة. وأضاف أن الولايات المتحدة تسحب النفط من احتياطياتها الاستراتيجية وقد تضطر إلى تجديدها مرة أخرى بأسعار مرتفعة ، كما وإن روسيا كما شدد بوتين ضد العربدة في قطاع الطاقة ومستعدة لتزويد أوروبا بالغاز والنفط، “وإذا لم يرغبوا في ذلك، فلا داعي” .
وذكر بوتين ان الولايات المتحدة عادة ما تستمر في تسمية النظام القائم على الطريقة الأمريكية بـ “الليبرالية” ، لكن في الواقع ، يؤدي هذا النظام بشكل متزايد إلى خلق الفوضى ويصبح أقل احتمالًا ، و هذه هي الأزمة العقائدية للنموذج النيوليبرالي الأمريكي ، وليس لديهم ما يقدمونه للعالم سوى الحفاظ على هيمنتهم ، ويشير بوتين الى ضرورة أن تسير التنمية على وجه التحديد في حوار الحضارات ، وعلى أساس القيم الروحية والأخلاقية ، وان تعد التعددية القطبية هي الفرصة الوحيدة لأوروبا نفسها لاستعادة الذاتية السياسية والاقتصادية.
والحالة اليوم والتطورات العالمية، وتحميل روسيا أسبابها ، فان افضل رد على ذلك تلك الطرفة التي استعان بها الرئيس بوتين خلال حديثه ، والتي أخبره بها أحد أصدقائه الألمان : –
يسأل الابن والده: أبي، لماذا الجو بارد جدا؟
فيجيب الأب: لأن روسيا هاجمت أوكرانيا.
الطفل: وما شأننا نحن؟
الأب: لأننا فرضنا عقوبات على روسيا.
الطفل: لماذا؟
الأب: ليندموا على فعلتهم.
الطفل: وهل نحن روس؟