الشعبوية: ” هي أيديولوجية، أو فلسفة سياسية، أو نوع من الخطاب السياسي الذي يستخدم الديماغوجية ودغدغة عواطف الجماهير لتحييد القوى المضادة وكسب تأييد الناس والمجتمعات” (1). أنها نظام يعتمد سياسات تحظى بشعبية على المدى القصير ولكن غير مستدامة في المدى الطويل، وعادة في مجال السياسات الاجتماعية. وتظهر الشعبوية كتيار سياسي خلال الأزمات السياسية والاجتماعية التي تنشأ بسبب فشل النخب الحاكمة في تحقيق الوعود الإنتخابية والقيام بالاصلاحات التي يحتاجها التطور الاجتماعي، وبشكل عام غياب العدالة الاجتماعية، حيث تشكل هذه الظروف، البيئة المناسبة لظهور الزعامات الشعبوية، وبنفس الوقت الدافع المهم لانخراط مجموعات كبيرة من السكان في نشاط المنظمات الشعبوية (2).
وتفرز الأزمات الاجتماعية، بعض الزعامات الشعبوية، التي تستغل نمو مزاج سياسي غاضب لدى الفئات الأكثر تضرراً من نتائج الأزمة، والتي تفقد ـ بسبب الشعور بالتهميش والحرمان الاجتماعي ـ الثقة بنظام الأحزاب السياسية والنخب الحاكمة، فيقوم الزعيم الشعبوي بتقديم حلول للأزمة تتجاوب مع المزاج العام، معتمداً خطاباً يتملق الجماهير لغرض التعبئة السياسية ضد نخب منافسة له. ويتصاعد تأييد الفئات المهمشة للشعبوية عندما تكون معارضة للسلطات الحاكمة، ولكن سرعان ما يضعف هذا التأييد بعد الفوز بالسلطة، لأنها تفتقد، أي الحركات الشعبوية، إلى برنامج سياسي واضح، تستطيع من خلاله المحافظة على التأييد الواسع عندما كانت في المعارضة (3).
ويهدف الخطاب الشعبوي إلى اعتبار النخب السياسية الحاكمة، نخباً فاسدة خذلت جمهورها وكذبت على المواطنين، مؤكدا على أن خطابه هو الوحيد المعبر عن طموحات الغاضبين من النظام القائم ونخبه السياسية والثقافية والدينية، والقادر على انتشالهم من حالة البؤس والحرمان بمجرد الاشتراك في نشاطاته الشعبوية والثقة بالوعود التي يقدمها “القائد الرمز” باعتباره الممثل الحقيقي لطموحاتهم. وعلى صعيد التحرك السياسي، فإن تحرك القائد الشعبوي، يهدف إلى خلق حالة من التمييز بينه وبين الزعماء الآخرين لإظهار نفسه بانه المناضل الوحيد الذي لا مثيل له، والغرض من ذلك اشعار الجمهوربتفرده بين الزعامات السياسية في الوسط الذي يتحرك فيه وغالباً ما يكون هذا الوسط قد فقد الشعور بالقدرة على التغيير لذلك من السهل عليه تلقف الأوهام التي يبشر بها القادة الشعبويون.
وغالباً ما تلعب ظروف التكوين الاجتماعي والنفسي لشخصية هؤلاء القادة، دوراً في تعزيز النرجسية لديهم، فيقومون باللجوء إلى سياسة تهييج المشاعر الجماعية، قومية اومذهبية أو طائفية، بهدف تكوين نرجسية جماعية، يقوم الزعيم الشعبوي باستغلالها،لكي تشعر هذه الجماعة بأهمية دورها المركزي بين المكونات الاجتماعية. وهناك خاصية لدى الجماعات الطائفية وذات الأيديولوجيا الدينية، التي تضفي صفات القدسية على قادتها، الامر الذي يصبح انتقاد هؤلاء القادة حالة غير مقبولة. أما من حيث محتوى الخطاب الشعبوي، فانه يتميز ببعض السمات الرئيسية، منها:
أما في المجال السياسي فتتميّز الشعبوية بالارتجال في النشاط وفي تعاملها مع الفعاليات التي تريد زج أنصارها بها في إطار صراعها مع الأنظمة التي تعتقدها فاسدة، وتتبع نخباً سلطوية فاسدة أيضاً، لذلك تلجأ الشعبوية إلى انتقاد المؤسسات السياسية القائمة على الرغم من وجود تمثيل لها فيها لأن الأنظمة التي تعمل الشعبوية على إزاحتها “تمتلك مؤسسات تحدد اليات عملها من خلال المؤسسات الدستورية والسلطات الشرعية التي تعد النافذة الرسمية التي يتم من خلالها التغيير على العكس من الشعبوية التي لا تعد هذه المؤسسات هي الوسيلة الحقيقية للتغيير، بل الجماهير هي الحاكمة في طبيعة هذا التغيير من خلال الشارع والاحتجاجات (5)“.
وتفرز الشعبوية السلوك الجمعي الذي يضفي قداسة على القادة والمكان والزمان، وهو أحد اهم المخاطر التي تتولد عنها، فتتحول إلى حالة عفوية يرتبط وجودها وفعاليتها برمزية القائد الذي يتحكم بأساليب نشاطها وأهدافها، لذلك تفقد استمرارية النشاط والتغييرات المستمرة للأهداف. وبما أن الشعوبية تميل إلى الإيمان بالترجمة المباشرة للنبضات العامة والعواطف العامة، لذلك يقوم الزعماء الشعوبيون باثارة المشاعر، خاصة لدى الفئات غير الواعية، ودفعها للابتعاد عن التفكير العقلاني بالمشاكل التي تواجهها. وهذا يفسر سبب الهيجان لدى العامة الذي يحركهم القادة الشعبويون، الذي سرعان ما يخفت بناء على الرغبة الذاتية لزعيمهم.
وتتمّكن الزعامات الشعبوية من تهميش القواعد السياسية والاجتماعية والقانونية، والتي تشكل الضوابط التي تنظم الصراعات بين مختلف مكونات التشكلية الاجتماعية وتمنع تحولها إلى العنف، خاصة خلال فترة احتدام أزمة السلطة والمجتمع، وذلك من خلال العمل على إذكاء النزعات البدائية في المجتمع، التي تعتمد على العنف والقوة، لفرض الرأي وأقصاء الآخرين، متخذين من تخلف الوعي الاجتماعي وسيلة لتأجيج النزعات الطائفية والمذهبية والقومية والعشائرية والمناطقية.
واخيراً، يؤدي التحاق مجموعة من المثقفين بالزعامات الشعبوية إلى تحول نوعي في تركيبة قيادتها السياسية، يساعدها على تطوير إمكانياتها السياسية والتعبوية. وغالباً ما يحدث التحول في مواقف المثقفين الفكرية، بعد الصراعات الداخلية حول النهج السياسي والفكري في الأحزاب اليسارية والقومية، ففي الستينيات شهدت المنطقة العربية تحول في مواقف اليساريين باتجاه الناصرية، خاصة الموقف من الاتحاد الاشتراكي. وتكرر ذلك بعد الثورة الإيرانية، على ضوء مناهضتها للأمبريالية ونهجها الشعبوي، ثم حدثت الموجه الثالثة في التحول الفكري، بعد انهيار التجربة الاشتراكية، حيث انتقلت مجموعة من المثقفين الماركسيين واليساريين، إلى الفكر الليبرالي، باعتباره الفكر القادر على تحقيق التقدم الديمقراطي في البلدان العربية الإسلامية، بدعم من الليبرالية الجديدة في الغرب.
الهوامش