“ألكسندرا كولونتاي”.. أول امرأة في العالم تشغل منصب وزير

“ألكسندرا كولونتاي”.. أول امرأة في العالم تشغل منصب وزير

 

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“ألكسندرا كولونتاي” كاتبة روسية من أبرز نساء الحركة الشيوعية الروسية.

حياتها..

ولدت “ألكسندرا ميخائيلوفنا دومونتوفيتش” في 31 من شهر مارس في مدينة سانت بطرسبرغ. انحدر والدها الجنرال “ميخائيل ألكسيفيتش دومونتوفيتش” من عائلة أوكرانية ترجع أصولها إلى القرن الثالث عشر وكان ضابطًا في الحرب الروسية التركية وعُين حاكمًا مؤقتًا لمدينة “تارنوفو” البلغارية بعد أن أثبت فعالية مشاركته في الحرب ثم أصبح قنصلًا عسكريًا في مدينة “صوفيا” عاصمة “بلغاريا”. تمتع والد “ألكسندرا” بآراء سياسية ليبرالية وكتب دراسة عن الحرب الروسية التركية التي شارك فيها لكن الرقباء صادروها لأنه لم يشير إلى حماس الجنود الروس.

كانت “ألكسندرا ميخائيلوفنا “أو كما تُعرف بـ “شورا” قريبةً من والدها الذي ورثت عنه العزيمة والإصرار والاهتمام بالتاريخ والسياسة، لكن علاقتها مع والدتها التي سُميت باسمها معقدة بعض الشيء. ذكرت ألكسندرا فيما بعد: “كانت والدتي متطلبة ومربيتي كذلك إذ كان عليّ ترتيب ملابسي بنفسي وكانتا تشددان على مواظبتي على دروسي في الوقت المحدد ومعاملة الخدم باحترام، كل ذلك كان بناءً على طلبات أمي”.

كانت ألكسندرا طالبة مجتهدة نشأت على خُطى والدها وشاركته اهتمامه بالتاريخ وأتقنت عددًا من اللغات إذ تحدثت الفرنسية مع والدتها وشقيقاتها، والإنجليزية مع مربيتها والفنلندية من الفلاحين الذين كانوا يعملون عندهم وتعلمت الألمانية من خلال دراستها.

سعت ألكسندرا إلى مواصلة تعليمها في الجامعة إلا أنها واجهت رفضًا شديدًا من والدتها بحجة عدم أهمية التعليم للمرأة وإن المنتمين إلى الجامعات يزرعون الأفكار المتطرفة في عقول الطلبة.

التقت ألكسندرا في عام 1890 عندما كانت تبلغ من العمر 19 عامًا بابن عمها وزوجها المُستقبلي الطالب في كلية الهندسة “فلاديمير لودفيجوفيتش كولونتاي”، لكن زواجها منه واجه رفضًا شديدًا من قِبل والدتها لأن الشاب كان فقيرًا وإمكانياته محدودة. أصرت ألكسندرا على زواجها منه وقالت بأنها ستعمل مدرسةً للمساعدة في تغطية نفقاتهما لكن والدتها سخرت منها مرارًا وقالت: “أنت لا تستطيعين توضيب سريركِ وتسيرين في المنزل مثل الأميرات ولا تساعدين الخدم أبدًا في عملهم، أنت مثل والدك تمامًا تتجولين وتتركين الكتب على الكراسي وطاولات المنزل!”.

مُنعت ألكسندرا من هذه العلاقة في النهاية وأرسلوها إلى أوروبا الغربية لتنسى فلاديمير، لكنهما ظلا على تواصل كل تلك الفترة وتزوجا في 1893، حملت ألكسندرا بعد زواجها بفترة قصيرة وأنجبت ابنها ميخائيل في 1894. كرست ألكسندرا وقتها بعد ذلك في قراءة الأدب السياسي والماركسي وكتابة الروايات.

وتزوجت المهندس “فلاديمير كولونتاي” وغادرت روسيا إلى ألمانيا، ودرست الاقتصاد السياسي في زيوريخ. أسهمت في الحركة الاشتراكية الديمقراطية الألمانية، وتوثقت صلاتها بأبرز قادتها، وبخاصة “روزا لكسمبورغ وكلارا زتكن”.

أما على صعيد السياسة الثورية الروسية، فقد وقفت “كولونتاي” إلى جانب المناشفة خلال انشقاق الحزب عام 1903. ولم تنضم إلى البلاشفة إلا خلال الحرب العالمية الأولى وهي أول امرأة في العالم تشغل منصب وزير عندما عينت على رأس وزارة الشئون الاجتماعية في أول حكومة بلشفية برئاسة “لينين” وقد توفيت “كولونتاي” في موسكو عام 1952 ولها من العمر ثمانون عاما.

خاضت في السياسة الراديكالية في تسعينيات القرن التاسع عشر وانضمت إلى حزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي (RSDLP) في عام 1899. أسست “كولونتاي” جيناديل أو ما تُعرف بقطاع المرأة في أمانة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي (البلاشفة) في عام 1919 والتي عملت على تحسين وضع المرأة في الاتحاد السوفيتي.

النسوية الماركسية..

عارضت الأيديولوجية النسوية الليبرالية لأنها كانت ذات أفكار ماركسية واعتبرتها برجوازية، لكنها ناصرت حرية المرأة. وآمنت بأن التغيير لن يحدث إلا بتغير النظام الاجتماعي والاقتصادي وعلى هذا الضوء اعتبرت “ألكسندرا كولونتاي” شخصيةً رئيسةً في النسوية الماركسية.

الالتزام السياسي..

أدى التزامها السياسي إلى تأزم علاقاتها بزوجها الذي اعتبر نشاطها السياسي بمثابة تحد شخصي له. فانفصلت عنه ومعها طفلها الوحيد رغم ما كانت تكن له من حب واحترام. واختارت حياة النضال والعمل الخلاق على حياة الحب والأسرة. ولم يكن مثل هذا الاختيار أمرا يسيرا بالنسبة لها ولبنات جيلها. وتروي في مذكراتها المكتوبة عام 1926: “ما زلت أنتمي إلى جيل من النساء نشأ عند منعطف التاريخ. وكان الحب, بكل ما يجره من خيبات أمل متكررة ومآس وسعي دائم وراء السعادة الكاملة, ما يزال يلعب دورا كبيرا في حياتي, دورا أكبر مما يجب أن يكونه! ولقد هدرت فيه الوقت الثمين والكثير من الطاقة, ويمكن القول أنه كان عديم الجدوى, في التحليل الأخير.

فنحن, نساء الجيل الماضي, لم نكتشف السبيل إلى التحرر الفعلي. فبذلنا طاقاتنا بدون حساب, وهدرنا طاقاتنا العملية في تجارب عاطفية عقيمة. وتأكيدا, فإني وغيري من المناضلات والكادحات, أدركنا أن الحب ليس الهدف الأساسي للحياة, وتمكنا من أن نجعل العمل محورا لحياتنا. ولولا أننا لم نهدر طاقاتنا في الصراع الدائم مع عواطفنا تجاه الآخرين, لكنا استطعنا بذل المزيد من الجهد الخلاق. والواقع أن هذا النزاع كان حربا دائمة ضد تدخل الرجل في شؤوننا وتعديه على ذاتيتنا, نزاع يدور حول مشكلة معقدة: العمل أو الحب والزواج؟ نحن نساء الجيل القديم, لم ندرك, كما يدرك الشباب والشابات اليوم, أنه يمكن التوفيق بين العمل والسعي وراء الحب, بحيث يبقى العمل محورا للوجود. فقد منحنا كل ذاتنا للمحبوب على أمل بلوغ التناغم الروحي الكامل.

غير أن الرجل كان يسعى باستمرار إلى فرض ذاتيته علينا وتكييفنا حسب مبتغاه. فاضطرمت الثورة في داخلنا, رغم كل شيء, وتحول الحب تكرارا إلى قيد يقيدنا, وشعرنا بأننا مستعبدات وحاولنا التحرر من قيد الحب. وبعد نضالات متواصلة مع المحبوب, انعتقنا أخيرا, وتدافعنا نحو الحرية. وسقطنا مجددا في الوحدة والتعاسة والوحشة. لكننا كنا ننعم بحرية السعي وراء فارس أحلامنا ـ العمل. من حسن حظ الجيل الحالي أنه ليس مضطرا إلى خوض غمار هذا النضال العديم الجدوى بالنسبة للمجتمع البشري, فيوفر كامل جهوده للنشاط الخلاق”.

الحركة النسائية في روسيا..

بعد أن استعادت كولونتاي «حريتها» غادرت روسيا إلى ألمانيا, ودرست الاقتصاد السياسي في زيوريخ, وأسهمت في الحركة الاشتراكية الديمقراطية الالمانية, وتوثقت صلاتها بأبرز قادتها, وبخاصة روزا لوكسمبرغ وكلارا زتكن. أما على صعيد السياسة الثورية الروسية.

عادت كولونتاي إلى روسيا مع اندلاع الثورة الأولى عام 1905. وكرست معظم وقتها, في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى, للعمل بين النساء. تأسست الحركة النسائية في روسيا عقب الثورة الأولى. وكانت بقيادة الحركة النسوانية البرجوازية, المطالبة بالمساواة الكاملة بين النساء والرجال, بغض النظر عن التحولات الاجتماعية والسياسية المطلوبة لتحقيقها, وسعيها لتنظيم كافة النساء حول هذا المطلب, الأمر الذي يميّع وعي العاملات للاستغلال الذي يتعرضن له ويضعهن تحت القيادة البرجوازية.

في سعيها لتأسيس عمل اشتراكي بين النساء, اضطرت كولونتاي إلى النضال على جبهتين: ضد الحركة النسوانية من جهة, ومن أجل إقناع رفاقها ورفيقاتها في الحزب الاشتراكي الديمقراطي بضرورة الاهتمام بتنظيم العاملات. فأسست مع رفيقات لها نادي النساء العاملات, عام 1906, لدراسة قضايا المرأة العاملة, والتدريب على مختلف أشكال الدعاية والتحريض في صفوف العاملات. وأخذت تطالب بإنشاء أجهزة حزبية متخصصة للعمل بين النساء, انطلاقا من خصوصية وضع المرأة كأم وربة بيت, وبالتالي خصوصية أشكال القهر والاستغلال الإضافية التي تتعرض لها. وقد أسهم هذا النادي في تكوين أول نواة للحركة الاشتراكية النسائية في روسيا. وفي المؤتمر النسائي الأول لعموم روسيا, المنعقد عام 1908, أمكن للمرأة العاملة أن تتمثل وتطرح مطالبها المتميزة بوفد من النساء الاشتراكيات ضم 30 عاملة, معظمهن من الأميات.

مع اشتداد موجة القمع والإرهاب, وصدور الأمر بإلقاء القبض عليها, اضطرت كولونتاي إلى سلوك طريق أعنف عام 1907. في ألمانيا، واصلت عملها النسائي, وحضرت مؤتمر شتوتغارت للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني. كذلك كانت كولونتاي في عداد المحاضرين في مدرسة الكادر الحزبية للعمال الروس في ايطاليا, ووضعت مشاريع القوانين حول رعاية الأمومة والطفولة ليقدمها النواب الاشتراكيون-الديمقراطيون في مجلس الدوما. وفي المنفى صدر كتابها «الأسس الاجتماعية لمسألة المرأة» وهو بمثابة سجال ضد الاتجاه النسواني ودعوة للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي أن يبني حركة عمالية نسائية. شاركت, عام 1911, في تنظيم أول عيد عالمي للمرأة, الذي ما زلنا نحتفل به في الثامن من آذار (مارس) من كل عام. وزارت فرنسا حيث ساهمت في تنظيم إضرابات ربات البيوت ضد غلاء المعيشة, وانكلترا, حيث اطلعت على الدور الذي تلعبه النساء في النقابات العمالية الانكليزية.

عينت كولونتاي مفوضة الشعب (وزيرة) للشؤون الاجتماعية في أول حكومة بلشفية برئاسة لينين. وشغلت هذا المنصب حتى آذار (مارس) 1918. فأرست الأسس لعدد واسع من التحولات الجذرية بالنسبة لوضع المرأة والخدمات الاجتماعية عامة. وكان من أول إجراءاتها تحسين أحوال مشوهي الحرب, وإلغاء التعليم الديني للفتيات في المدارس الرسمية, وإحالة الراهبات والرهبان إلى الإدارة المدنية, ومنح الطالبات حق الإدارة الذاتية للمدارس, وإيواء الأيتام واللقطاء في مؤسسات خاصة بالمشردين. وشكلت اللجنة التي وضعت قانون الضمان الصحي المجاني الشامل لجميع سكان روسيا, وأنشأت المكتب المركزي لرعاية الأمومة والطفولة في مطلع 1918, وحولت مستشفيات التوليد إلى بيوت مجانية لرعاية الأمومة والطفولة تتولى إرشاد الحوامل وتوفير وسائل منع الحمل, وأنشأت الحضانات النهارية لإيواء أطفال العاملات…

وفي غضون سنة من تسلم البلاشفة الحكم, كانوا قد ألغوا سيطرة الكنيسة على الزواج وحققوا المساواة الكاملة في الحقوق بين الرجال والنساء, وبات الزواج اتفاقا حرا بين شريكين متساويين, يحق لأي منهما طلب حله.

وعقد في تشرين الثاني (نوفمبر) 1918, أول مؤتمر للفلاحات والعاملات ضم 1147 مندوبة. وانبثقت عنه لجنة لتوعية النساء الكادحات, على حقوقهن الجديدة ومحاربة كافة أشكال التمييز ضد النساء, في الحزب والمجتمع. وكان الهم الرئيسي لهذه اللجنة تعبئة النساء للمساهمة في النضال السياسي وفي بناء الاشتراكية.

وفاتها..

توفيت “الكسندرا كولونتاي” في موسكو عام 1952 بعد شهر من عيد ميلادها الثمانين. كانت العضو الوحيد في اللجنة المركزية للبلاشفة التي قادت ثورة أكتوبر وغيرت الحياة في الخمسينيات من القرن الماضي على عكس ستالين وداعمه المخلص “ماتفي مورانوف”.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة