13 يناير، 2025 11:46 ص

اضطراب ثنائي القطب.. التراوح بين نوبات اكتئاب ونوبات هوس

اضطراب ثنائي القطب.. التراوح بين نوبات اكتئاب ونوبات هوس

 

 

خاص: إعداد- سماح عادل

هو اضطراب نفسي وله تسميات أخرى هي (الاضطراب ذو الاتجاهين- الاضطراب الوجداني ثنائي القطب- الاكتئاب الهوسي).

تعريفه..

هو اضطراب نفسي يسبّب نوباتٍ من الاكتئاب ونوبات أخرى من الابتهاج غير الطبيعي. تعدّ نوبات الابتهاج المذكورة، والتي تعرف أيضاً باسم الهوس أو الهوس الخفيف، ذات أهمّية في تشخيص الحالة وذلك اعتماداً على شدّتها أو إذا كانت أعراض الذِّهان بادية. تختلف نوبات الابتهاج غير الطبيعي عن الشعور بالابتهاج في الظروف الاعتيادية، ففي الحالة المرضية يشعر المرء بنشاطٍ وسعادةٍ وتهيّجٍ غير طبيعي؛ كما قد تؤدّي بالشخص في بعض الأحيان للقيام بأعمال طائشة وغير مسؤولة أو مدروسة العواقب.

تتضاءل الحاجة إلى النوم أثناء نوبات الهوس؛ في حين قد يظهر على الأشخاص المصابين خلال نوبات الاكتئاب أعراض من قبيل نوبات البكاء، والنظرة السوداوية للحياة، بالإضافة إلى تجنّب الالتقاء مع الآخرين. يظلّ خطر الانتحار عند المرضى المصابين بالاضطراب ثنائي القطب مرتفعاً بنسبة تفوق 6%، وفي الوقت نفسه قد تحدث أيضاً حالات من إيذاء النفس عند حوالي 30% إلى 40% من الحالات. يمكن لاضطرابات نفسية أخرى مثل اضطراب القلق أو اضطراب تعاطي المخدرات أن تكون مرتبطة بالاضطراب ثنائي القطب.

الأسباب..

ما تزال مسبّبات هذا الاضطراب غير مفهومة بوضوح؛ إلّا أنّ العوامل البيئية والوراثية يمكن أن يكون لها دور في ذلك. تتضمّن العوامل البيئية الخطرة وجود إساءة في مرحلة الطفولة أو حالات طويلة الأمد من التوتّر النفسي (الكرب)؛ في حين يساهم العديد من التأثيرات الجينية الصغيرة في خطر الإصابة بهذا الاضطراب النفسي؛ وتشير بعض الدراسات أنّ العوامل الوراثية هي الأكثر تأثيراً في الواقع، إذ يُعزى إليها حدوث حوالي 85% من الحالات.

نوعين..

ينقسم الاضطراب ثنائي القطب بصفةٍ عامّة إلى نوعين: النوع الأول يتميّز بحدوث نوبة هوس واحدة على الأقلّ، مع أو بدون نوبات اكتئابية؛ أمّا النوع الثاني فيتميّز بوقوع نوبة واحدة على الأقل من الهوس الخفيف (وليس الهوس) ونوبة اكتئابية رئيسية (كبرى). قد تُشخّص حالات من اضطراب المزاج الدوروي عند الأشخاص الذين يعانون من أعراض أقلّ شدّة وطويلة الأمد من الاضطراب ثنائي القطب. وإذا كانت الأعراض ناتجةً عن عقاقير أو مشاكل طبّية فإنّها تصنّف بشكل منفصل.

من بين الحالات الأخرى التي قد تظهر بشكل مشابه، نجد مثلاً اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط واضطرابات الشخصية الأخرى والفصام واضطراب تعاطي المخدرات بالإضافة إلى عددٍ من الحالات الطبّية الأخرى.

ليس من المتَطلّب إجراء اختبارات طبية في هذه الحالة لتشخيص المرض، ومع ذلك فلا بأس من القيام بتحاليل دمّ أو تصوير طبّي من أجل استبعاد المشاكل الأخرى.

وصمة..

يعاني العديد من الأفراد من مشاكل مالية واجتماعية ومهنية جرّاء هذا الاضطراب؛ وتُصادَف تلك المشاكل في حوالي ربع إلى ثلث الأوقات وسطياً. بالإضافة إلى ذلك فإنّ المصابين بهذا الاضطراب قد يواجهون مشاكل متعلّقة بالوصمة الاجتماعية. يرتفع خطر الإصابة بالأمراض الأخرى مثل مرض القلب التاجي بمقدار الضعف عند المصابين بهذا الاضطراب نتيجة التغيّرات في نمط الحياة وبسبب التأثيرات الجانبية للعقاقير.

يصيب هذا الاضطراب حوالي 1% من البشر عالمياً، كما يُقدَّر أنّ حوالي 3% من السكان في الولايات المتحدة عُرضةٌ في مرحلةٍ ما من حياتهم لهذا الاضطراب بشكل متقارب بين الجنسين. يعدّ سن الخامسة والعشرين السنّ الأكثر شيوعاً لظهور أعراض هذا الاضطراب. قُدّرت الخسائر الاقتصادية المتعلّقة بهذا الاضطراب في الولايات المتحدة سنة 1991 بحوالي 45 مليار دولار؛ وذلك بشكل رئيسي بسبب الغياب عن الدوام في العمل، والذي قُدّر بحوالي 50 يوماً في السنة.

الأعراض..

يتّسم كلٌّ من الهوس والاكتئاب بحدوث اضطرابات وتقلّبات في المزاج الطبيعي وفي النشاط النفسي الحركي وفي النظم اليومي وفي المعرفة. يمكن للهوس أن يُلاحَظ بمستويات مختلفة من اضطراب المزاج وذلك بشكل يتراوح من الابتهاج الطبيعي إلى الانزعاج والتهيّجية. يتضمّن العارض الرئيسي للهوس حدوث هياج نفسي حركي؛ كما يمكن للهوس أن يترافق مع هوس العظمة أو تسارع في الكلام وتوارد الأفكار أو الاندفاعية. يتمايز الهوس عن الهوس الخفيف بمدّة الحالة، إذ أنّ الهوس الخفيف أقصر، كما أنّه لا يترافق دوماً مع حدوث اختلال في الوظائف. لا تزال الآلية الحيوية المسؤولة عن التحوّل من نوبة الهوس إلى نوبة الاكتئاب، وكذلك بالاتجاه العكسي، غير مفهومة بالكامل.

تتميّز نوبة الهوس بحدوثها عندما ينتاب المصاب مزاج يمكن أن يتراوح من الابتهاج إلى الهذيان وذلك لفترة لا تقلّ عن أسبوع؛ ويترافق ذلك مع المظاهر السلوكية التالية: الهياج النفسي الحركي، والتسارع في الكلام والأفكار، وقلّة الحاجة إلى النوم، وتقلّبات في الشهيّة، وقصر مدى الانتباه، والقيام بنشاطات مهيّجة محدّدة الهدف لكنها غير محسوبة العواقب، مثل فرط النشاط الجنسي أو التبذير. لكي تُشخَّص نوبة الهوس بشكل صحيح ينبغي على السلوكيات المذكورة أن تعيق قدرة الفرد المصاب على الاندماج في المجتمع أو الذهاب إلى العمل. في حال عدم علاجها قد يطول أمد نوبة الهوس من ثلاثة إلى ستّة أشهر.

قد يمكن أن يكون للأشخاص الذين ينتابهم الهوس سجلٌّ من تعاطي المخدرات قد يمتدّ لعدّة سنوات كوسيلةٍ للتداوي الذاتي؛ وفي أقصى الحدود يمكن لهؤلاء الأشخاص في أشد حالات الهوس أن يعانوا من الذهان وذلك بحالة انفصال عن الواقع؛ كما يمكن أن يترافق ذلك مع أوهام وهلوسات تدفعهم للشعور بأنهم في مهمّة مختارة أو أن لديهم قدرات خارقة. قد يؤدي ذلك إلى سلوك عنيف، ممّا قد ينتج عنه في بعض الأحيان الحاجة إلى الإدخال إلى مستشفى الأمراض النفسية؛ ومن حيث المبدأ يمكن لمدى وشدّة أعراض الهوس أن تقاس باستخدام مقياس يونغ لتدرّج الهوس.

نوبات الهوس الخفيفة..

يمثّل الهوس الخفيف كما يوحي الاسم حالةً مخففّةً من الهوس، وذلك عندما تمتدّ الحالة لأربعة أيام على الأقلّ بأعراض مشابهة للهوس؛ ولكن من دون أن يسبّب ذلك انخفاضاً ملحوظاً في قدرة الفرد المصاب على التواصل الاجتماعي أو القيام بنشاط العمل اليومي، بالإضافة إلى عدم ظهور الأعراض المرافقة المميّزة للذهان مثل الوهام أو الهلوسة، ولا يتطلّب الإدخال إلى مستشفى الأمراض النفسية. يمكن أن تُفهَم حالة الهوس الخفيف لدى البعض أنّها حيلة دفاعية ضد الاكتئاب؛ كما أنّ البعض ممّن يبدي حالة هوس خفيف قد يبدون مقداراً متزايداً من الإبداع، في حين أنّ البعض الآخر تكون أحكامهم مشوّشة وقراراتهم خاطئة.

من النادر أن تتطوّر نوبة الهوس الخفيف إلى نوبة هوس شديدة الأثر؛ في حالات نادرة قد تترك نوبة الهوس الخفيف شعوراً جيّداً لدى بعض الأشخاص الذين تتنابهم؛ على الرغم من أنّ أغلب الأشخاص الذين عاشوا تلك التجربة كانوا قد صرّحوا أن الكرب المرافق كان وقعه شديداً. بالرغم من ذلك فإنّ الأشخاص الذين ينتابهم الهوس الخفيف يميلون أن ينسوا آثار أفعالهم على المحيطين بهم؛ حتّى عندما تلاحظ العائلة والأشخاص المقرّبون حدوث تقلّب في المزاج، إلّا أنّ الفرد المصاب غالباً ما ينكر حدوث أيّ أمرٍ خاطئ.

إذا لم يرافق نوبة الهوس الخفيف أيّ نوبات اكتئاب فإنّ ذلك لا يعدّ علامةً من علامات الاضطراب ثنائي القطب النفسي؛ ولا تعدّ ذات إشكالية، إلّا إذا كان تقلّب المزاج غير منضبط. من الشائع أن تستمرّ أعراض نوبة الهوس الخفيف من عدّة أسابيع إلى عدّة أشهر.

نوبات الاكتئاب..

تشمل علامات وأعراض نوبة الاكتئاب في الاضطراب ثنائي القطب مشاعر متواصلة من الحزن والتهيّجية والغضب وانعدام التلذّذ وشعور غير مبرّر بالذنب وبفقدان الأمل؛ وعدم انتظام في النوم وذلك إمّا بحدوث مشاكل بالأرق أو بفرط النوم، وكذلك تغيّر في الشهيّة و/أو الوزن، وكذلك الإعياء ومشاكل بالتركيز، والشعور بالعزلة والسوداوية بالإضافة إلى كره الذات والشعور بعدم القيمة، والتفكير في الانتحار. في الحالات الشديدة، قد يعاني الفرد المصاب من أعراض الذهان مثل حدوث توهّمات أو هلوسات (أقل شيوعاً نوعاً ما). تستمرّ الحالة الاكتئابية الكبرى لفترة تزيد عن أسبوعين ويمكن أن تستمرّ لأكثر من ستّة أشهر إذا تُرٍكت دون علاج؛ وحينئذٍ ترتفع خطورة محاولة الانتحار.

كلّما كانت الحالة في أوّلها كلما زادت احتمالية أن تكون النوبات الأولى اكتئابية. بما أنّ تشخيص الاضطراب ثنائي القطب يتطلّب حدوث نوبة هوس أو هوس خفيف، لذلك فإن العديد من الأشخاص المصابين يُشخَّصون بأنّ لديهم اضطراب اكتئابي وتوصَف لهم مضادّات اكتئاب وذلك بشكلٍ خاطئ.

اختلاط..

قد يحدث في بعض حالات الاضطراب ثنائي القطب أن تكون هناك حالات مختلطة تظهر فيها أعراض متزامنة من الهوس والاكتئاب. من الأمثلة على ذلك أن ينتاب المصاب أفكار متعلّقة بهوس العظمة وذلك بشكل متزامن مع ظهور أعراض اكتئابية مثل شعور عميق بالذنب أو الرغبة بالانتحار. تعدّ الحالات المختلطة عموماً ذات خطورة مرتفعة فيما يتعلّق بالميل نحو الانتحار لأنّ المشاعر الاكتئابية مثل فقدان الأمل تكون مترافقة مع مشاكل في ضبط المشاعر الاندفاعية. يمكن لاضطرابات القلق أن تُرافق بشكل متكرّر النوبات المختلطة للاضطراب ثنائي القطب أكثر من النوبات غير المختلطة لهذا الاضطراب.

التشخيص..

عادةً ما يُشخّص الاضطراب ثنائي القطب أثناء مرحلة المراهقة أو البلوغ المبكّر؛ ولكن على العموم يمكن لأعراض هذا الاضطراب أن تظهر في مراحل الحياة المختلفة. يصعب تمييز هذا الاضطراب عن الاضطراب الاكتئابي أحادي القطب، ويمكن أن يتأخّر التشخيص الصحيح لمدّة وسطية تتراوح بين 5-10 سنوات بعد ظهور الأعراض. يأخذ تشخيص الاضطراب ثنائي القطب عدّة عوامل في الحسبان، منها التقارير الذاتية للأعراض من الأفراد المصابين أنفسهم؛ وكذلك للسلوكيات الغريبة الملاحَظة من قبل أفراد العائلة أو الأصدقاء أو زملاء العمل؛ بالإضافة إلى الأعراض التي يُشخّصها الطبيب النفسي المختصّ، وكذلك الإطّلاع على التقارير الطبّية من أجل استثناء مسبّبات مرضية فيزيولوجية. وُجدَ أنّه أثناء استخدام مقدّم الرعاية لمقاييس التدرّج في التشخيص، فإنّ البيانات المقدّمة من الأمّ تكون أكثر دقّة من المعلّم وتقارير التقييم المدرسية في تخمين احتمالية حدوث الاضطراب ثنائي القطب لدى اليافعين. عادةً ما يُجرى تقييم الحالة في العيادات النفسية الخارجية؛ إذ أنّ الإدخال إلى مستشفى الأمراض النفسية يحدث عندما يشكّل المصاب خطراً على نفسه أو على الآخرين.

هناك معايير لتشخيص الاضطراب ثنائي القطب، وأكثرها شهرةً الموضوعة من منظّمة الصحة العالمية والمنشورة في تقرير المراجعة العاشرة للتصنيف الدولي للأمراض (ICD-10)؛ وكذلك الموضوعة من الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين، والمنشورة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية في طبعته الأخيرة الخامسة (DSM-5)، والتي وصفت المعايير بشكل أكبر دقّة عن الموجودة في الطبعة الرابعة. تُستخدَم معايير ICD-10 على نطاق عالمي في الدراسات السريرية والأبحاث، في حين أنّ معايير DSM تُستخدَم بشكلٍ أكبر على نطاقٍ محلّي في الولايات المتّحدة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة