خاص: حاورتها- سماح عادل
“خيرة الساكت” كاتبة تونسية، من مواليد أصيلة مدينة رأس الجبل (ولاية بنزرت)، وهي أستاذة تعليم ابتدائي، تكتب القصة القصيرة منذ قرابة 6 سنوات، حاصلة على شهادة ختم الدروس بالمعاهد العليا لتكوين المعلمين. أصدرت مجموعة قصصية بعنوان “حبر لا ينضب” 2020.
كان لي معها هذا الحوار الشيق:
* متى بدأ شغفك بالكتابة وهل وجدت دعم من الأسرة؟
– بدأ تعلّقي بالكتابة كوسيلة للتعبير عن النفس وتفسير لوجودي وكينونتي منذ سنوات المراهقة الأولى، وهو نتاج تفاعلي مع ما أقرؤه من كتب ومجلّات ثقافية والتي كانت متوفّرة بكثرة في منزلنا. بدأت القراءة في سنّ مبكرة حتى أنّي كنت أقرأ ولا أفهم ما أقرؤه من قضايا فكرية وسياسية تترسّخ بذهني كمبادئ عامّة. وأجمل ما كنت أقرؤه تلك التقارير حول بلدان العالم التي كوّنت لديّ ثقافة موسوعية متنوّعة وهذا بفضل عائلتي التي حرصت على تعليمي وتوفير الكتب وتشجيعي على المطالعة. دعم أسرتي لي بحر دون شطآن وإلى الآن تخصّني أسرتي بالرعاية والاهتمام والدعم.
* تكتبين القصة القصيرة والرواية والشعر ما سر هذا التنوع في مجالات الإبداع الأدبي؟
– بصراحة لا يمكن تحديد السرّ والقول بأنّ هناك سببا معيّنا وراء تنويع الكتابة وولوج عوالم أدبية مختلفة، لكن يمكن أن أرجع ذلك لعامل يساعد في الكتابة وهو تنويع القراءة وعامل آخر وهو البحث والمثابرة الدائمة فإذا كنت أريد كتابة رواية فلن يكون الأمر اعتباطيّا أبدا يجب أوّلا أن أتعلّم تقنيات كتابة الرواية وأن أقرأ روايات متنوّعة من حيث الأساليب والثقافات. .
طبعا يبقى الأمر رهين توفّر الموهبة أوّلا مع الحرص على التدرّب المستمرّ وتخصيص حيّز زمني من يومنا للكتابة. فالتنقّل من جنس أدبيّ لآخر يشبه البحث عن أنفسنا في أروقة بيتنا، وأشعر دائما كأنّني أكتب جنسا أدبيّا واحدا فعمليّة الكتابة وما يصاحبها من متعة وأرق هي نفسها وإن اختلفت الأجناس الأدبيّة.
* في مجموعتك القصصية “حبر لا ينضب” في قصة “الوهم” نفي لوجود دولة إسرائيل، هل تسعين إلى الدفاع عن القضية الفلسطينية في أدبك ولم؟
– القضية الفلسطينيّة هي قضية الأمّة وقضية الإنسان وقد أسالت حبرا كثيرا وتناولها الكتّاب والمفكّرون بالمناصرة والتحليل والدعم، وتحدّثوا في جوانب عديدة تقريبا أتوا على كلّ الجوانب ومازال الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال في المخيّمات والملاجئ ومشرّدا والعالم لا يحرّك ساكنا.
كان عليّ أن أنظر للقضيّة من زاوية أخرى .اشتغلت على مصطلح “اسرائيل” معنى هذه التسمية، إلى ماذا ترمز، وهل الدولة الحالية التي سمّيت اسرائيل كان لها وجود سابقا، وهل سعت التوراة فعلا لتحقيق ذلك. ولكي أكتب قصة الوهم قرأت التوراة وكتب مفكّرين يهود يتحدّثون فيها عن دينهم حتى أفهم كيف ينظرون لأنفسهم وكيف يعرّفونها .
أوّلا كتاب التوراة يضمّ بين طيّاته دمويّة مفزعة ورغبة كبيرة في محو كل ماهو غير يهودي، وقد أضيفت له أسفار أخرى حتى يتسم بالبعد الأخرويّ، فالديانة اليهودية لا تعد متبعيها بحياة بعد الموت وهو ما يفسّر جشعهم وسعيهم الدائم لامتلاك كلّ شيء في الحياة الدنيا.
خلاصة القول أنّ اسرائيل ليست الوهم الوحيد الذي سيطر على عقول اليهود. كثيرة هي أوهامهم مثل كونهم الشعب المختار وادّعائهم بأنّ ديانتهم توحيدية فقراءة بسيطة للتوراة تجعلنا نكتشف وجود آلهة أخرى يؤمنون بها خلافا ليهوه. إنّ الدفاع عن القضية الفلسطينية واجب على كل انسان مناصر للحق وللمستضعفين.
* في مجموعتك القصصية “حبر لا ينضب” في قصة “إهداء” تناولت فكرة العصبية الذكورية التي تفرض على المرأة مع من تتزوّج ومع من تعيش، كما أشرت لفكرة عدم حرية الكاتبة في التعبير عن ذاتها وحياتها داخل نصوصها الأدبية حدثينا عن ذلك؟
– قضية المرأة في عالمنا العربي شائكة ومعقّدة ومتفرّعة فالمرأة المضطهدة لا يمكن لها أن تربّي جيلا مبدعا مفكّرا، فعدم احترام حقّها في الكتابة والتعبير عن فكرها وموقفها سيلقي بظلاله على الطفل والأسرة والمجتمع.على الرجل أن يفهم أنّ المرأة ليست فقط أمّه وأخته بل تتوسّع الدائرة لتشمل الزوجة والصديقة والزميلة والجارة وعليه أن يحترمهنّ جميعا.
ربّما وضعيّة المرأة التونسيّة تبدو أكثر أريحيّة خاصّة مع الأسرة التي دائما ما تدعم ابنتها في أيّ نشاط إبداعي، بل ويكون الأمر بالنسبة لها مدعاة للفخر، ولكن ما إن تتزوّج حتّى يتغيّر الوضع رغم قوانين الأحوال الشخصيّة التي تسعى لحماية المرأة والأسرة ،فالزوج هنا يبدو وكأنّه فوق كل القوانين سلطته لا حدود لها وقد تغوّل أكثر مع خوف المرأة من المواجهة ومن لقب مطلّقة، فتضطرّ للتخلّي عن طموحها صاغرة في سبيل مواصلة الحياة الزوجيّة وهكذا يضيع كلّ العمر هباء.
أنا أقول أنّ أقسى ما يمكن أن يحدث للمرأة أن تعتمد على الرجل في إعالتها وتسيير حياتها، لذلك يجب عليها أن تحقّق استقلاليّتها الماديّة قبل كلّ شيء حتّى تتمتّع بحريّتها في التعبير عن ذاتها.
* هل تستمد أحداث وشخصيات قصصك من الواقع أم يلعب الخيال دورا كبيرا؟
– النصّ الأدبيّ يرتكز بالأساس على الخيال وحتّى وإن كنت أتحدّث عن شخصيّة واقعيّة فالطريقة التي أتناولها بها ستكون خياليّة هذه هي ميزة الكتابة الأدبية.
ويبقى الواقع دائما ملهما ودافعا للخيال، فأنا أستقي منه الأفكار والقضايا ولكن حبكة القصّة تكون من صنع الخيال، فإذا اكتفيت بسرد وقائع وإعادة الأحداث والأخبار ستتحوّل القصّة إلى مقال.
* لما اتجهت لكتابة الرواية، وهل تستطيعين التعبير فيها أكثر من القصة القصيرة؟
-هنا نحن نتحدّث عن جنسين أدبيين مختلفين تماما. تهتمّ الرواية بقضيّة كبيرة متفرّعة إلى قضايا عديدة وهي تذكر أدقّ التفاصيل وتسهب في الوصف وفي السرد، بينما تتناول القصّة القصيرة جانبا واحدا من القضيّة وهي توثّق لموقف حدث مع الشخصيّة مع الضغط على النصّ لاختزاله وتكثيفه والتسريع من وتيرته.
كلاهما متفرّدان وممتعان، فأنا في الرواية إزاء مشروع كبير أبنيه لبنة لبنة وفي القصة القصيرة في تحدّ لنفسي لتكون القصّة في أبهي حلّة، تحقّق الهدف والعبرة وتترك الاندهاش لدى القارئ، فالقصة القصيرة كما تقول إيزابيل الليندي “كالسهم تنطلق فتصيب الهدف”، وأنا أكتب كلاهما في نفس الوقت وأحبّهما كثيرا.
* هل واجهتك صعوبات في النشر وماهي هذه الصعوبات؟
– تتمثّل الصعوبات دائما في العائق المادّي فنحن أغلبنا ننشر على نفقتنا الخاصّة، وهذا الأمر مرهق جدّا وإذا تمكّن الكاتب من نشر كتاب لن يتمكّن من نشر كتاب آخر بسبب الالتزامات العائليّة والمسؤوليّات.
أيضا هناك دور نشر ترفض التعامل مع الكتّاب الجدد لأنّها تريد كاتبا كبيرا مشهورا، تحصل على أرباح من وراء كتابه، هذا بالإضافة للوضع الثقافي في تونس والعالم العربي الذي يعاني من عزوف عن القراءة وهجر للكتاب.
* هل تجدين مشاكل في حضور فاعليات ثقافية في الوسط الثقافي في بلدك بسبب كونك امرأة؟
-بصراحة لا أجد مشاكل لأنّني إمرأة. أكتب وأنشر وأحضر أي فعاليّات ثقافية أريدها، وإن كنت مقلّة في الحضور والمشاركة فذلك بسبب التزامات العمل والأولاد. الدعوات للمشاركة في بعض الفعاليّات توجّه على أساس العلاقات والولاء لبعض الأطراف وليس كوني امرأة أو رجل. عموما أفضّل دائما الجلوس في منزلي وقراءة كتاب شيّق.
* ما تقييمك لحال الثقافة في بلدك وهل يدعم الكتاب والكاتبات؟
-الوضع الثقافي في بلادي ضبابي دون ملامح أو سياسة واضحة. أمّا عن الدعم فنحن الكتّاب ندعم أنفسنا بأنفسنا نقوم بجميع المهامّ كتابة ونشر ودعاية وترويج للكتاب حتّى نصاب بالإرهاق والملل. لا تتكفّل الوزارة بالترويج لكتبنا وترجمتها ولا تحرص على تواجدها في جميع المعارض الدوليّة .
* هل توجد اختلافات بين الكتابة لدى النساء وبين الكتابة لدى الرجال في رأيك، وما هي ملامح هذه الاختلافات؟
– الاختلاف الوحيد هو في مدى جرأة التناول بينما يكتب الرجل ما يريد بكل حريّة ولا يخشى أي لوم أو مشكلة نجد المرأة حبيسة الترميز والإيحاء الخجول، أمّا عن التجريب وأساليب الكتابة فالمرأة تضاهي الرجل وتتفوّق عليه أحيانا في الإبداع.
* ماهو رأيك في مصطلح “الأدب النسوي” وهل تسعين في أدبك إلى الدفاع عن قضايا المرأة وحقوقها وكشف التمييز الواقع على المرأة في المجتمع؟
– أسعى دائما للدفاع عن المرأة وكشف الضّيم الذي يحدق بها والانتصار لكل مظلوم في هذه الحياة، ومن خلال كتاباتي أحاول دائما تسليط الضوء على المعاناة الإنسانية بحثا عن حلّ لها.
أهدف أيضا إلى تغيير وضعية المرأة العربية إلى ماهو أفضل ولو أنّي أؤمن بأنّ الكتابة يجب أن تعاضدها القوانين المنصفة للمرأة والإرادة السياسيّة القويّة لتطبيق هذه القوانين حتى لا تظلّ حبرا على ورق.
وكذلك هناك أهمية لتوعية المرأة لأنّ إمرأة واعية مثقفة تتمتّع بحقوقها قادرة على تكوين مجتمع راق وتربية ناشئة بطريقة سليمة. أمّا عن الأدب النّسويّ فأنا لا أحبّذ هذا المصطلح حقيقة فما تكتبه المرأة وما يكتبه الرّجل يندرج ضمن مسمّى الأدب الإنساني.
مصطلح الأدب النسوي يحمل في طيّاته تفرقة وتقليلا من قيمة ما تكتبه المرأة، وهو نتاج لرؤية الرّجل والمجتمع عموما للمرأة وهو محاولة لتأكيد الفكرة القائلة بأنّ ما تكتبه المرأة ذاتي منغلق على نفسه ولا يفيد العالم في شيء أمّا ما يكتبه الرجل فهو عالمي.
* هل في رأيك يواكب النقد غزارة الإنتاج وهل يحتفي بإنتاج الكاتبات؟
– الحركة النّقديّة بطيئة جدّا وتتعامل مع الكتّاب بمنطق انتقائي، كاتب مشهور يسعى الجميع للحديث عنه، أمّا الكتّاب الجدد فلا ينالون حظّهم من الاهتمام النقديّ خاصّة وأنّ الإنتاج الأدبيّ غزير يقف النقّاد أمامه عاجزين.
وفي كثير من الأحيان يتمّ تجاهل إنتاجات الكاتبات والصمت تجاهها وذلك لنظرتهم الدونيّة لما تكتبه المرأة واعتقادهم بأنّه مجرّد هذيان تافه لا يرقى لما يكتبه الرجل، فالمرأة بالنسبة لهم هي مجرّد جسد ليستمتع به الرّجل.