في وقت كثر الحديث عن مستقبل وطبيعة العلاقة بين القوة الصينية الصاعدة وبقوة إلى مصاف القوى العظمى، وبين القوة العظمى الأولى الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في الغرب الأوروبي في المقبل من الأيام، تزامناً مع تصاعد حدة الأتهامات والتصعييد المتبادل، وبعد هذا الصعود القوي للصين اقتصادياً وعسكرياً..ومحاولات أمريكا الحثيثة لاحتواء هذا الصعود الصيني ،عبر تضييق الخناق على الصين اقتصادياً وعسكرياً مع محاولات التقرب من تايوان وتهديد مبدأ”صين واحدة “، والتوسع بالتحركات العسكرية الأمريكية والغربية ببحر الصين الجنوبي والجنوبي الشرقي .
الصينيون اليوم بدورهم ،أثبتوا للجميع أنهم أصحاب الكلمة العليا والفصل في الملف الاقتصادي العالمي، فهم لم يرضخوا منذ سنوات لمجموعة ضغوط ومساومات من أجل تخفيض صادراتهم الاقتصادية التي اكتسحت العالم، مع العلم أنّ للأوروبيين والأميركيين تجارب كثيرة في مسار المساومات مع الصينيين بخصوص التنازل للأوروبيين وللأميركان عن جزء من حصتهم في السوق العالمية، وهناك أوراق مساومات طرحها جون كيري وجو بايدن وجون ماكين للتفاوض مع الصينيين بمراحل زمنية مختلفة، ولكن صمود الموقف الصيني، وثبات موقف بعض القوى والنخب الرسمية والاقتصادية والشعبية والسياسية داخل الصين، هو من أجهض في الكثير من المراحل أوراق المساومات الأميركية – الأوروبية التي كانت تُقدّم للصينيين، والتي كانت تتزامن في الكثير من مراحلها مع اشتداد موجة الضغوط الأميركية الأوروبية على الصينيين بخصوص ملفي بحر الصين الجنوبي، وما صاحب كلّ هذا من موجة عقوبات اقتصادية على الصينيين ومن خلف الكواليس.
الصينيون بدورهم كانوا يدركون حجم الخطورة التي ستفرزها الضغوطات الأميركية الأوروبية، وخصوصاً بعد تجميد الحلول السياسية «مرحلياً» بخصوص ملفي بحر الصين الجنوبي ، فالصينيون يدركون أنّ النظام الأميركي الرسمي وحلفاءه في الغرب وفي المنطقة يستعمل سلاح الممرات البحرية والمعابر الدولية ومناطق النفوذ والتهديد الأمني كورقة ضغط على النظام الرسمي الصيني، للوصول معه إلى تفاهمات حول مجموعة من القضايا والملفات الدولية العالقة بين الطرفين ومراكز النفوذ والقوة والثروات الطبيعية وتقسيماتها العالمية ومخطط تشكيل العالم الجديد وكيفية تقسيم مناطق النفوذ بين القوى الكبرى على الصعيد الدولي، وعلى رأس كلّ هذه الملفات هو الوضع ببحر الصين الجنوبي، ومن هنا أدرك الصينيون مبكراً أنّ أميركا وحلفاءها في الغرب يحاولون بكلّ الوسائل جلب النظام الرسمي الصيني وحلفاءه إلى طاولة التسويات المذلة، ليتنازل الصينيون وحلفاؤهم عن مجموعة من الملفات الدولية لمصلحة بعض القوى العالمية وقوى الإقليم الآسيوي.
من جهة أخرى، برز واضحاً في الفترة الأخيرة مدى التقارب بالمواقف السياسية والأمنية، بين النظام الرسمي الروسي والنظام الرسمي الصيني، وذلك ظهر جلياً من خلال دعم الروس للموقف الصيني ببحر الصين الجنوبي والدعم الصيني للروس بالملف الاوكراني، فهذا الدعم وتقارب الآراء وثبات الموقف الروسي والصيني بخصوص رؤيتهما لسبل إنهاء ملفات الصراع الدولية، يؤكد أنّ هناك حلفاً دولياً بدأت تتبلور معالمه وركيزته الأولى هي القوتان العسكرية الروسية والاقتصادية الصينية.
ختاماً، يمكن القول إنّ جميع أوراق المساومات التي طرحها الأميركيون ـ والأوروبيون، أو التي سيطرحوها مستقبلاً للضغط على الصينيين ودفعهم إلى التخلي عن طموحاتهم بالصعود إلى مصاف القوى العظمى قد باءت وستبوء بالفشل، فمجموع المؤشرات الدولية والإقليمية تؤكد أنّ الصينيين هم من يفرضون اليوم رؤيتهم الاقتصادية على الجميع «لأنها هي الرؤية الأنجع والأفضل»، وهذا ما يؤكد أنّ الصينيين عائدون وبقوة إلى مصاف الدول «العظمى «لصناعة عالم متعدّد الأقطاب.