ـ يقول ابن خلدون: (إن التاريخ فن).. فيما يؤكد العلماء الغربيون: (إن الفن يعني العلم).
ـ ماديو القرن التاسع عشر يقولون: (يوجد علم واحد هو علم التاريخ.. وينقسم إلى تاريخ الطبيعة.. وتاريخ الإنسان).
ـ أما أصحاب الفلسفة ألكونية فيعتبرون (التأريخ كلّ شيء).. فكلّ ما عندنا هو من الأمس.. و”فلسفة التأريخ” كما يقولون: ليس “التأريخ وحده”.. بل أحد أهمّ العوامل التي شكّلت فلسفتنا الكونيّة.. لكونها “ختام الفلسفة” في الوجود.. فهي اليوم تمارس لتزوير التاريخ خدمة للأغراض المطلوبة.
-أما الروسي مكسيم غوركي فيقول: ان التاريخ لا يكتبه المؤرخون بل الفنانون.. الذين يكتبون التاريخ الحقيقي للناس.
أما الفيلسوف الألماني هيجل (1770 _ 1831م) المنهج الجدليّ وقال: إن سير التاريخ البشريّ يتم بوجود الفكرة ونقيضها.. أو كما عبّر عن ذلك في دراسته للتاريخ بوجود الأطروحة ثم نقيضها ثم التوليف بينهما.
ـ بينما المعارضون.. قالوا: (إن التاريخ مجرد كذبة).. وينسب الى نابليون بونابرت قوله: (بأن التاريخ هو مجموعة من الأكاذيب التي يجري الاتفاق عليها).. ويعززون آراؤهم بالعديد من الأمثلة التاريخية.. منها: قالوا للإمبراطور نابليون بونابرت: إن الجنرال …… اغتيل.. فسأل: ماذا قال؟ قالوا: (انه كان يتأوه ألماً.. ومات ولم ينطق كلمة قط).. قال نابليون: سجلوا انه هتف بحياة الإمبراطور ثلاث مرات قبل أن يلفظ أنفاسه).. وهكذا سجل التاريخ بأن الجنرال…… هتف بحياة الإمبراطور ثلاث مرات قبل أن يموت!!.
ـ آخرون قالوا: (إن التاريخ يدونه القوي أو المنتصر أو كتبة السلطان).. مثال مجسد من محكمة نورنبرغ التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.. فعندما تمت محاكمة قائد السلاح الجوي الألماني “هيرمان جورينج”.. قال له ممثل الادعاء أمام المحكمة:
ـ سيلعنكم التاريخ إلى الابد.. فردً عليه “جورينج” بهدوء:
ـ طبعاً لأنكم انتم من سيكتبه.. ولو كنا نحن المنتصرين.. لجعلنا التاريخ يلعنكم إلى الأبد!
من يكتب التاريخ؟:
ـ على مر العصور كان التاريخ السياسي يكتب من قبل أصحاب السلطة أو المنتصرين.
ـ أما التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي فلم يحظً باهتمام هؤلاء.. مع انه لا يعدو أن يكون إلا انعكاساً لسياستهم تلك.
ـ ومنذ العصور التاريخية القديمة وصلت إلينا مسلات حجرية وألواح طينية دَونً عليها الحكام والقادة العسكريون انتصاراتهم وانجازاتهم وفتوحاتهم.. لكن لا أحد منهم كتبً شيئاً عن هزائمه وانحداراته.
تاريخنا.. كيف كتب.. ويكتب؟
ـ لو رجعنا لكتب تاريخنا على سبيل المثال لا الحصر.. لوجدنا العجائب والغرائب والتناقضات.. بل بعض هذه التناقضات مكشوفة ومفضوحة.. ولا يمكننا رفض بعضها.. ونبقي بعضها.
الأنكى من ذلك نجد كتب التاريخ الخاصة بالسلطان فيها تناقضات.. مثلما نجد كتب التاريخ الخاصة بالمعارضة فيها تناقض فيما بينها.
ـ أما في تاريخنا الحديث والمعاصر فحدث بلا حرج.. فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك ثمانية روايات عن مصرع نوري السعيد (رئيس وزراء العراق في العهد الملكي).. عصر يوم 15 تموز 1958.. جميعها مختلفة فيما بينها.. وكلها تخالف الحقيقة والواقعة.. حتى إن البيان الرسمي الحكومي الذي أعلن من راديو بغداد بعد مصرعه لا يمثل الحقيقة البتة!!
ـ وسبقت هذه الحادثة موت الملك فيصل الأول.. فهل مات بسبب مرضه أم مات مسموماً؟.. لا اجابات محددة حتى الان؟؟
ـ وهل مات الملك غازي بسب اصطدام سيارته أم مات بفعل فاعل؟.. لا أحد يستطيع الجزم.
ـ ومثلها أحداث إعدام عبد الكريم قاسم ورفاقه ؟.
ـ ولا أحد يستطيع أن يجزم هل إن أحمد حسن البكر مات موتةً طبيعية.. أم مات مسموماً؟.
ـ كذلك مقتل الكثير من القادة في كل العصور.. وحتى الإنجازات وغيرها تجدها متناقضة.
ـ أما الرسائل والأطاريح الأكاديمية الخاصة بالتاريخ.. فهناك ما لا يصدقه العقل والمنطق والعلم.. فقد يكون المجرم في بعضها ناسكاً.. والعكس صحيح.. بالمقابل هناك رسائل علمية تثبت بواقعية الحقائق التاريخية من لدن مؤرخين أفذاذ.
ـ كل ذلك لا يعفي الباحثين والمؤرخين من التدقيق ما بين السطور.. ونأخذ منه الفائدةَ والعِظة.. فتاريخنا الإسلامي على سبيل المثال لا الحصر.. حافلٌ وزاخرٌ.. وقد ساهم المسلمون بشكل وافر في الدِّين.. والأدب.. والطِّب.. والعلوم المفيدة الأُخرى.
ـ ولنا مِن الكلمات المأثورة.. والقصص المشهورة.. والحِكم المروية ما يُطرب ويُعجب.. وفي السياسة والحرب من الإرشادات والتنبُّه.. وضبط الأسرار.. والدقة في التعبير.. والتخلص من المآزق.. بأساليبَ رائعة.. وفطنة نادرة.
ـ ومَن يتأمَّل ما جرى على العَرَب في عصورهم المتأخِّرة.. يُدرك أنَّ من بين أسباب ضعفهم وهزيمتهم.. إعراضَهم عن دراسة تاريخهم.. وعدمَ أخْذهم العبرةَ والعِظة منه.
تاريخنا اليوم .. كيف يدرس؟ وكيف نكتبه؟
ـ يُدرسْ التاريخ في كل العالم .. للإفادة منه.. كدروس وعبر.
ـ ودراسة الأخطاء.. والفشل .. للإفادة منها في الحاضر والمستقبل.
ـ والإفادة بعدم تكرار الأخطاء والسلبيات .. وحالات الفشل.
ـ أما نحن فندرس التاريخ من اجل : أن نقولً فلان أفضل من فلان.
ـ ونبرز فضائل فلان .. ونخفي قصوره.. وأخطاءه.. وحتى نخفي إجرامه.
ـ فيما نبرز أخطاء وسلبيات فلان .. ونخفي فضائله وايجابياته.
ـ فنمدح فلان بدون وجه حق .. وقد يصل المدح الى تقديسه.. والى إقامة نصب له.
ـ ونذم فلان بدون وجه حق.. ونغمض أعيننا عن كل محاسنه وايجابياته.
ـ وننسى الكثير من الشخصيات التي خدمت العراق.. ولا نعطيها حقها.
ـ وأحكامنا تتغير حسب الظروف والأزمان.. فالخائن قد يصبح الوطني الأول.
ـ والمجرم أو الخائن قد يصبح شهيداً.. ونمنحه الامتيازات ونقيم له النصب.
(يا جماعة: متى نصحو.. متى نتعلم ؟.. متى نعرف حقوقنا وحقوق الآخرين؟
ـ متى نترك الإساءة للآخرين؟.. وشتم الآخرين؟.. ولصق التهم بالآخرين؟
ـ متى نعرف واجباتنا ؟.. وننفذها بحب ؟..ووفق القوانين والأنظمة؟؟؟؟؟؟؟
ـ والاهم : متى نعترف بأخطائنا ؟؟ ونصححها؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟).
( ادرسوا التاريخ .. وأقراؤه بنظرة متفتحة .. بعيداً عن الأحكام المسبقة).