26 نوفمبر، 2024 1:22 م
Search
Close this search box.

شارع المتنبي شارع الحياة

شارع المتنبي شارع الحياة

غيرُ العراقي الذي يتابع قنوات الاخبار يتصوّر ان البلد عبارة عن ساحة قتال مسلح وانفجارات دامية تحصد كل يوم عشرات الاشخاص من دون توقف. زيارة صباحية الى شارع المتنبي قلب بغداد النابض ومعينها الثقافي ستغير كل هذه التصورات المخلوطة، بل ستعزز مبدأ ان طوائف العراق وقومياته ومنابعه الفكرية كافة موجودة جنباً الى جنب مع محافظة كل شخص على معتقده الفكري ومذهبه الايدلوجي. لعل المقولة القديمة (الاختلاف لا يفسد للود قضية) هي من جعلت هذا الشارع يعج بآلاف العراقيين وبعض الوافدين. من يرى شارع المتنبي يوم الجمعة تغادره الفكرة السابقة  انه عبارة عن مكان مخصص للبيع الكتب والقرطاسية وغيرها من لوازم المعرفة. ولكن تحول بجهود بعض المؤسسات الحكومية وتعاونها مع منظمات المجتمع المدني الى حلقة صراع فكري يستطيع الزائر فيها ان يجد ضالته منها. شعر وقصص ومسرح وموسيقى وغناء ومعارض وجدال حر هي بعض حصيلة هذا المكان البغدادي المتفرد بطقوسه التي لا تتعرف بعامل الخوف والهاجس الامني. هذه التسميات المخيفة للبعض تزيد من اصرار هذا الشارع على ان يقدم الاكثر مع ابتكار وسائل جديدة لمخاطبة الجمهور بصورة مباشرة من دون رتوش. مع دخول بعض العناصر الجديدة الى شارع المتنبي خصوصا بعض الاطفال والمراهقين، يدفع نوع الاول الفضول والاطلاع ويحرك الثاني البحث عن المتعة. زاد الشارع ألقاً، ودخول عناصر جديدة حالة صحية قد تكون بدايتها متعثرة وتلاقي بعض الانتقاد ولاسيما عند مشاهدة بعض الفتيان وهم يتجولون من دون مراعاة لبعض قواعد الاستماع وعدم الاستقرار لدقائق في مكان واحد كأنهم فراش يبحث عن الورود. ولكن مع مرور الزمن يمكن ان توجه مواصلة الذهاب الى شارع المتنبي عقولهم وتجرها الى معين ثقافي معين وما اكثر الروافد هناك.
يمكن ان نصف شارع المتنبي بانه مسرح عام كل ممثليه من الهواة يتحركون، يقولون ما يشاؤون، احيانا يهرجون بكل عفوية من دون تدخل من المخرج. والاجمل في الشارع هو الزحم الكبير من الشخصيات الثقافية التي يمكن ان نشاهدها  في كل محفل او تجمع ثقافي. ربما تكون هناك حالة سلبية واحدة وهي كثرة دخان السجائر  المتطاير من ايدي البعض. ولا اعرف سر علاقة بعض المثقفين بالسجائر، ولكن مع وجود هذه النزعة هناك لافتات منع التدخين  معلقة على الاماكن الحكومية مع اطلاق العنان لها عند المقاهي، حيث يختلط دخان السجائر مع الاغاني القديمة والمناقشات الساخنة واقداح الشاي وهي تعانق المعالق في حركة دائرية لاتتوقف الا عند رغبة صاحبها، وعلاقته بداء السكر.
ختاماً أردد مقولة قالها شاعر شاب امام جمع من الجمهور (العرب يحسدون العراقيين على شارع المتنبي)! ربما هذا الحسد العربي من النوع النافع الذي يجعلنا نتمسك بشارع الثقافة والابداع والحياة.

أحدث المقالات