(( خاطرة))
يعتبر العراق من البلدان الموجودة في الشرق الاوسط والتي تعاني من عدم الاستقرار وعدم توفر الامان وذلك بسبب الحروب التي مرت بها البلاد فنحن جيل الستينات نتحدث عن ما راينا في هذا البلد العجيب الغريب من حروب وفتن بين ابناء الشعب وبينه وبين دول الجوار….. في سبعينات القرن الماضي كنا في مرحلة من العمر لا نفقه فيها شيء ولانعرف الفرق بين كلمة متوفي وكلمة شهيد ولأننا عرفنا ان الشهداء هم احياء ولا يعتبرون من الاموات وفي احد الايام وعلا ما تذكر في عام 1974 وعندما كنا نسكن في احدى قرى جنوب الموصل شاهدت سيارة تأتي من الشارع العام وقد وضع فوقها صندوق خشبي وملفوف في العلم العراقي وعندما تقربت منها وجدت احد ابناء عمومتي وهو يبكي بصوت عالي ولا اعرف في الحقيقة اي شيء عن هذا الموضوع وكل ما عرفته ان والده استشهد فيما يسمونها في وقتها حركه الشمال والتي كانت الحرب قائمة بين ابناء الشعب الواحد بسبب سياسات خاطئة فرضتها علينا الهيمنة الغربية وفرقت بين ابناء هذا الشعب على اساس القومية او على اساس مذهبي طائفي كما حدث بعد عام 2003…
ذهبنا الى المقبرة ودفنا ذلك الشهيد الذي يعتبر اول شهيد في قريتنا كنت اسال نفسي في حينها لقد دفناه مثل باقي الموتى فلماذا يسمونه شهيد…
وعندما كبر بنا العمر قليلا واصبحنا في مرحلة بداية الشباب اقنعنا السياسيون من خلال اعلامهم الحكومي ان الشهداء يقتلون في المعارك دفاعا عن الوطن وعن الارض وعن الشرف وكانوا يشدون بنا الحماس الوطني ونحن ننشد أنشودة الشهيد في مدارسنا التي تعلمنا فيها بان الدفاع عن الوطن واجب مقدس وان التضحيات بالأرواح والمال لابد من ذلك…
استمر بنا الحال الى عام 1980 عندما دخل العراق في حرب طاحنة مع ايران وبغض النظر عن المسببات والتفاصيل التي يتكلم بها السياسيين ومن يدعون الوطنية وغيرها الا اننا خسرنا تقريبا اكثر من 1,000,000مليون شخص في هذه الحرب الطاحنة وكانوا يسمونهم شهداء وكان اهلهم يتقاضون راتب شهيد ولديهم حقوق ومنح خاصه ومع تغير الزمن وبعد نهاية هذه الحرب بسنتين دخل العراق بحرب اخرى مع الشقيقة الكويت وقد تكلم في حينها بعض المسؤولين بالطبقة السياسية الحاكمة والتي فجاه اعترفت بخطأها في الحرب الاولى مع ايران لتنتقل بنا لهذه الحرب الثانية….
وما انتهت هذه الحرب وذهب ضحيتها الكثير من ابناء هذا الشعب حتى تم فرض على العراق حصار جائر اتخذته الامم المتحدة وفرضته على العراق ولمدة اكثر من عشر سنوات….
وقد عاش العراقيون معاناة صعبة وقاسيه مع هذا الحصار الجائر حيث عانوا من الجوع والجهل والمرض….
وبعدها بسنوات جاءت امريكا ومن والاها بجيوشها واساطيلها واحتلت العراق عام 2003 وغيرت النظام بالكامل.. ومنذ تلك اللحظة ولحد كتابة هذه المقالة لم يهدأ حال البلد ولم يستفاد الشعب شيء رغم ان الوضع الاقتصادي للمواطن افضل مما هو قبل عام 2003 ولكن عدم توفر الامان يجعل المواطن يعيش بدوامة دائمه وما زال العراق يقدم ويقدم بالتضحيات والشهداء والسؤال الان وخاصة ان كل حكومة لديها قوانين خاصه بشهدائها وكأنهم ليس جميعهم من ابناء هذا البلد الواحد وجميعهم يحمل الجنسية العراقية…
فالشهداء في السبعينات لا يتقاضون حقوقا اليوم مثل شهداء الثمانينات وشهداء الثمانينات والتسعينات لا يتقاضون حقوق مثل شهداء ما بعد عام 2003 والجميع متفاوتون من ناحيه الراتب ومن ناحيه الحقوق الخاصة الاخرى ولكن يبقى السؤال الملح والمهم ماذا لو رجع هؤلاء الشهداء الى بلدهم وشاهدوا بان الدول التي حاربوها هي اليوم من تشارك في ادارة الحكم في بلدهم؟؟؟؟؟؟
وماذا لو عاد الشهداء وشاهدوا عوائلهم وهم يعيشون تحت مستوى خط الفقر؟؟؟؟ وماذا لو رجعوا وشاهدوا وطنهم وهو مسلوب الإرادة تتحكم فيه دول الجوار والدول العظمى التي تسيطر بقوتها المفرطة؟؟؟
ماذا لو عادوا وشاهدوا ان الاراضي التي دافعوا عنها يوما باسم المبادئ والشرف والقومية والمذهب هي مجرد كذبة اخترقها لهم السياسيون لكي يحافظوا على هذا الكرسي اللعين؟؟؟ وماذا؟ وماذا؟ وماذا؟؟
ولكن لا جواب وما زالت القوافل مستمرة لشهداء العراق وما زال العراق البلد الوحيد الذي تقرر به قوانين وفق شهوة الحاكم ويتم تغييرها بحجة ان من قررها ذهب مع النظام الذي سبقه وانه اي الشهيد لا يستحق مثل من استشهد في عهد النظام الذي يليه…
أسئلة كثيرة بدون اجابة واهمها اننا نعرف ان الشهداء لن يرجعون لان دمائهم قد سالت على هذه الارض التي لم ولن تكتفي يوما من الدماء البريئة…