وكالات – كتابات :
صبَّ “البيت الأبيض” جامَّ غضبه على منظمة (أوبك+)، بعد قرارها الأربعاء 05 تشرين أول/أكتوبر 2022، خفض إنتاج “النفط” بشكلٍ كبير؛ حيث قالت المتحدثة باسمه؛ “كارين جان بيير”، إن: “قرار (أوبك بلس) علامة واضحة على أن التحالف النفطي منحاز إلى روسيا؛ وسط التنافس المتزايد على السلطة مع الغرب”. مشيرة إلى أن: “حرب بوتين تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي، وبالتالي فإن القرار سيؤثر سلبًا على البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل”؛ على حد مزاعمها.
أما الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، فقد نقل عنه مساعدوه أنه: “يُشعر بخيبة أمل من القرار قصير النظر لـ (أوبك بلس)، وهو سيُضر بالدول التي تُعاني أصلاً من ارتفاع الأسعار، بينما يتعامل الاقتصاد العالمي مع التأثير السلبي المستمر لغزو بوتين لأوكرانيا”.
“أوبك+” تتحدى “بايدن”.. ماذا يعني ذلك ؟
يُطلق على “منظمة البلدان المصدرة للنفط”؛ (أوبك)، أحيانًا اسم: “البنك المركزي لسوق النفط”. ويجتمع كل شهر “الكارتل” وحلفاؤه، حوالي: 23 دولة تُنّتج: 40% من نفط العالم، لتحديد أهداف الإنتاج، التي تتمثل في إبقاء الأسعار مرتفعة ومستقرة. ولكن مثلما يُجادل محافظو البنوك المركزية حول سرعة ارتفاع أسعار الفائدة، يختلف أعضاء منظمة (أوبك بلس) – كما تُعرف المجموعة الأوسع – حول مدى سرعة تحويل حنفيات “النفط”.
كانت القمة التي عقدت يوم 05 تشرين أول/أكتوبر 2022، قصيرة، لكن القرار الذي ظهر بخفض إنتاج “النفط” كان مثيرًا للجدل كما تصفه مجلة (إيكونومست) البريطانية. واجتمعت منظمة (أوبك+)؛ التي تشمل “روسيا”، وجاهيًا لأول مرة منذ وباء (كورونا)، وأكد الوزراء الذين خرجوا من قاعة اجتماعات “فيينا”، أنهم سيخفضون الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميًا، وهو ما يُعادل 2% من إجمالي الإنتاج العالمي لـ”النفط”. وبعد شهور من تقلب السوق والأهداف الضائعة، يبدو أن الاتحاد عقد العزم على استعادة السيطرة على أسعار “النفط”.
ويحد قرار التخفيضات في إنتاج “النفط” من الإمدادات في سوق تواجه في الأصل شُحًّا، رغم ضغوط من “الولايات المتحدة” وغيرها من الدول التي نادت بضخ المزيد، بحسب وكالة (أ. ف. ب). كما قد يؤدي إلى تعافي الأسعار التي تدنت إلى نحو: 90 دولارًا بعد أن كانت بلغت قبل ثلاثة أشهر: 120 دولارًا، جراء مخاوف من ركود اقتصادي عالمي ورفع أسعار الفائدة الأميركية وارتفاع الدولار.
كما يمكن للقرار أن يُعزز خزائن “روسيا” قبل حظر “الاتحاد الأوروبي” لمعظم صادراته من نفطها في وقتٍ لاحق من هذا العام ومحاولة “مجموعة الدول السبع” للحد من أسعار “النفط”، بحسب وكالة (دويتشه فيله) الألمانية.
ما مبررات خفض إنتاج “النفط” من وجهة نظر “أوبك” ؟
الأعضاء في (أوبك بلس) يقولون إنهم قلقون من انخفاض الطلب، وانخفض (خام برنت)، المعيار العالمي، من: 125 دولارًا، في حزيران/يونيو، إلى: 93 دولارًا للبرميل حاليًا؛ حيث أدى ارتفاع أسعار “البنزين” بعد الحرب “الروسية-الأوكرانية” إلى انخفاض الاستهلاك.
وتُنذر أزمة “الغاز” في “أوروبا”، وسياسات “الصين” الشديدة في مكافحة (كورونا)، وارتفاع أسعار الفائدة، بركود اقتصادي عالمي. و”الدولار” الذي يتم تحديد أسعار “النفط” به، يجعل الوقود لا يزال أقل تكلفة خارج “أميركا”.
وتقول الـ (إيكونومست)، إنه نادرًا ما أتيحت لمنظمة (أوبك) مثل هذه الفرصة لتحديد الأسعار. ولا يوجد بلد خارج (أوبك) لديه القدرة على زيادة الإنتاج بسرعة، في الوقت الذي تنخفض فيه المخزونات العالمية من “النفط”.
ولا تزال مخزونات “النفط الخام” في “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”، وهي نادٍ من البلدان الغنية، أقل بكثير من متوسطها في الخمس سنوات. وتعمل “الصين” على خفض مخزوناتها في محاولة لإشباع مصافي التكرير المتعطشة لها. وقد يرتفع حجم “النفط” الموجود في البحار، لكن هذا يرجع فقط إلى الرحلات الطويلة التي تستغرقها الناقلات في الوقت الذي يتكيف فيه السوق مع العقوبات على “روسيا”.
تقول المجلة البريطانية إن أعضاء (أوبك) فشلوا في الاستثمار في الإنتاج؛ مما أدى إلى فجوة بين الإنتاج المستهدف والفعلي. وفي الواقع، لن يتم تطبيق الخفض إلا على الأعضاء الذين يصيبون أهدافهم أو يقتربون منها. ويتوقع “إحسان خومان”؛ من بنك (MUFG)، أن تُحقق المراجعة خفضًا حقيقيًا يصل إلى: 1.1 مليون برميل في اليوم.
ومع ذلك؛ فإن تكتيك (أوبك) يُحقق ما يُريد، على الأقل في الوقت الحالي. فقد ارتفع سعر “النفط”؛ بنسبة: 11%، منذ 26 أيلول/سبتمبر، عندما ظهرت شائعات عن خطط (أوبك بلس) لأول مرة بخفض الإنتاج.
وهذا يجعل التخفيض جديرًا بالاهتمام حتى بالنسبة لـ”المملكة العربية السعودية”، التي ستقلّص إنتاجها بنسبة: 5%. وبعد نهاية اجتماع (أوبك)، قال وزير الطاقة السعودي إنه ما لم تتغير السوق، ستظل القيود على إمدادات “النفط”؛ حتى نهاية عام 2023.
تأثيرات عكسية.. هل يمكن لـ”أميركا” مقاضاة “أوبك بلس” بعد قرارها ؟
لكن هذا القرار لا يخلو من المخاطر بحسب محللين غربيين. لم تتعاف حصة (أوبك+) في السوق بعد من التخفيضات الضخمة التي أجرتها في عام 2020؛ لدعم الأسعار وسط إنهيار في الطلب بسبب جائحة (كورونا). وقد يؤدي خفض الإنتاج مرة أخرى إلى تآكل الحصة السوقية لمنظمة (أوبك).
كما أن الخفض هو: “إزدراء” للرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، بحسب وصف الـ (إيكونومست)، الذي زار “المملكة العربية السعودية” مؤخرًا، في محاولة لإقناعها بضخ المزيد، قبل انتخابات التجديد النصفي الصعبة؛ الشهر المقبل في “الولايات المتحدة”.
وبعد قرار (أوبك)، أعلن “البيت الأبيض” أنه سيُفرج عن: 10 ملايين برميل أخرى من احتياطيات “الولايات المتحدة” الإستراتيجية الشهر المقبل. كما يُعطي القرار دفعة لمشروع قانون (nopec)، وهو مشروع في “الكونغرس” الأميركي من شأنه أن يسمح بمقاضاة (أوبك بلس) بموجب “قانون مكافحة الاحتكار”، على الرغم من أنه سيتعين عليه التغلب على معارضة المشرعين وشركات “النفط”؛ الذين يخشون الانتقام.
ويسمح المشروع بإلغاء الحصانة السيادية التي تحمي (أوبك) وشركات “النفط” الوطنية في دولها الأعضاء من الدعاوى القضائية. وإذا أصبح (NOPEC) قانونًا ساريًا، سيكون بمقدور المدعي العام الأميركي مقاضاة (أوبك) أو أعضائها أمام محكمة اتحادية. كما سيُمّكنه كذلك مقاضاة منتجين آخرين في (أوبك+)؛ مثل “روسيا”.
يقول محللون غربيون إنه يمكن لقرار (أوبك) التأثير على الطلب في السوق؛ حيث من المحتمل أن تؤدي الأسعار المرتفعة إلى مزيد من تقليل شهية المستهلك، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الضرر لموقف (أوبك بلس). كما يؤدي خفض الإنتاج في سوق ضيقة إلى مزيد من التقلبات، وسيؤدي عدم اليقين الإضافي إلى تثبيط عزيمة المستثمرين والمقرضين؛ مما يُقلل السيولة في أسواق “النفط” الورقية.
الرهان على الأزمات داخل “أوبك”..
قد يؤدي القرار أيضًا، بحسب الـ (إيكونوميست)، إلى إعادة إشعال التوترات الدبلوماسية داخل (أوبك) نفسها؛ ونظرًا لأن الحصص لم تُعد تعكس الإنتاج الفعلي، فإن التخفيضات الأخيرة يتحملها عدد قليل من الأعضاء – “العراق والكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة” – والذين تم منعهم بالفعل من الإنتاج بقدر ما يستخرجون.
“الإمارات العربية المتحدة”، التي حصلت على زيادة طفيفة في حصتها؛ في تموز/يوليو، تُخطط لتوسيع طاقتها الإنتاجية من: 04 ملايين برميل في اليوم؛ إلى: 05 ملايين برميل في اليوم؛ في عام 2025، ومن شبه المؤكد أنها ستُحثّ على إعادة تنظيم الحصص في المفاوضات المستقبلية داخل (أوبك). وستُقاوم الشركات ذات الأداء الضعيف مثل: “أنغولا ونيجيريا” هذا الأمر، على أمل أن يتمكنوا يومًا ما من إعادة بناء قدراتهم.
ومن المفارقات أن “روسيا” يمكن أن تعرض الحل على (أوبك بلس)، فهي لطالما كانت من أشد المدافعين عن زيادة الإنتاج. لكن من المُرجح الآن أن ينخفض إنتاجها قريبًا، نتيجة الحظر الأوروبي المُقرر أن يبدأ في كانون أول/ديسمبر، وعلى المدى الطويل، ستظهر نتائج انخفاض إنتاجها بحسب الـ (إيكونوميست)؛ حيث ستمنعها العقوبات من الوصول إلى الشركاء الأساسيين والشركات.