الفساد في بلاد الرافدين .. نبتة شيطانية غرزتها “أميركا” ويرويها “ملوك الطوائف” العراقية !

الفساد في بلاد الرافدين .. نبتة شيطانية غرزتها “أميركا” ويرويها “ملوك الطوائف” العراقية !

وكالات – كتابات :

وصف معهد (تشاتهام هاوس) البريطاني؛ أداء النخب السياسية الحاكمة في “العراق”، منذ مرحلة المحاصصة التي أسس لها الأميركيون في البلد، بأنه: “جشع مميت” من خلال الفساد الذي يقتل: “بهدوء” من العراقيين أكثر مما فعلته اشتباكات واضطرابات ما بعد الانتخابات الأخيرة.

يُذّكر التقرير البريطاني بداية بما أعلنه رئيس الوزراء العراقي السابق؛ “حيدر العبادي”، في 09 كانون أول/ديسمبر 2017، عندما قال: “لقد أنجزنا مهمة صعبة للغاية. وصل أبطالنا إلى آخر معاقل (داعش) وقاموا بتطهيرها”.

وأشار التقرير إلى أن كثيرين اعتبروا هذه اللحظة التي تمثلت في إلحاق الهزيمة بتنظيم (داعش)، ستُدّخل “العراق” بعدها في مرحلة إعادة الإعمار وفي ما بعد الحرب، غير أنه بالرغم انحسار التهديد الذي تمثله (داعش)، إلا أن البلد ما يزال غارقًا في صراعات لا نهاية لها في الأفق.

تداعيات انتخابات تشرين أول..

وبعدما لفت التقرير إلى أن موجة العنف السياسي؛ في نهاية آب/أغسطس الماضي، استلفتت انتباه العالم، إلا أنه اعتبر أن: “جذور الأزمة تكمن في ديناميكيات الصراع؛ والتي تُعتبر قاتلة لمواطنيه، وإن جهود تحقيق الاستقرار الحالية لن تتطور”.

وذّكر التقرير البريطاني؛ بالمواجهات الأخيرة التي نشبت بين الموالين لـ”مقتدى الصدر” وأنصار (الإطار التنسيقي)؛ في “بغداد”، والتي جعلت كثيرين يُحذرون من أن “العراق” كان على شفا حرب أهلية مجددًا، مضيفًا أن هذه الأحداث كانت من تداعيات انتخابات تشرين أول/أكتوبر 2021، وأن “الصدر” عندما أدرك الخطأ الذي أقدم عليه بطلبه من نوابه الاستقالة؛ أرسل أتباعه من أجل “غزو” البرلمان لمنع أي عملية سياسية بدونه، وهو ما تسبب في اندلاع اشتباكات مع قوات الحكومة وخصومه الشيعة وسقوط القتلى بالعشرات.

وذكر تقرير المعهد البريطاني؛ بأنه منذ العام 2003، أعلن عدد من القادة العراقيين والأجانب تحقيق انتصارات عسكرية في “العراق”، كالرئيس الأميركي؛ “جورج بوش”، وذلك بعد 06 أسابيع فقط من الغزو، على متن حاملة الطائرات (إبراهام لينكولن)، بينما كان يتحدث أمام لافتة كتب عليها: “المهمة أنجزت”. كما أن كل رئيس أميركي جاء لاحقًا أعلن عن انتصاره الخاص وبشر بمرحلة: “ما بعد الصراع”.

إلا أن (تشاتهام هاوس) أشار إلى إنه بعد نحو عقدين من الزمن، لم يخلو “العراق” أبدًا من الصراعات، موضحًا أن: “العنف المرتبط بالفساد في القطاعات الرئيسة يُلحق الأذى بالعراقيين يوميًا”.

متابعًا أنه ما بين العام 2006 والعام 2014، خسر “العراق” نحو: 551 مليار دولار بسبب الفساد، مضيفًا أن النخبة الحاكمة تعتمد على الفساد المقبول سياسيًا من خلال نظام تقاسم السلطة عرقيًا وطائفيًا، أي نظام المحاصصة، والتي تستهدف الاستفادة من ثروة “العراق”؛ الذي قد تصل ميزانيته السنوية إلى نحو: 100 مليار دولار.

وبرغم أن هذه الإيرادات هدفها تأمين الخدمات الرئيسة للمواطنين، إلا أن التقرير أشار إلى أن الفساد جعل العراقيين يُعانون من شُح الكهرباء والمياه النظيفة بينما تُباع أدوية منتهية الصلاحية، ما يقود إلى الخلاصة بأن “العراق” بين أحد أدنى متوسطات الأعمار على مستوى العالم.

وبعدما لفت إلى أن غالبية العراقيين يشعرون بخيبة أمل من النخبة والنظامه السياسي القائم، وأن البلد يضم مع أحد أكبر معدلات تزايد حجم جيل الشباب في المنطقة، حيث أن ثُلثي سكانه البالغ عددهم: 42 مليون نسمة تقل أعمارهم عن: (25 عامًا)، أكد التقرير أن النظام ليس قادرًا على استيعاب نحو مليون شخص ممن يولدون سنويًا، إذ يُكافح مئات الآلاف من الخريجين لإيجاد وظائف، ويُهاجر كثيرون إلى “أوروبا” هربًا.

وأضاف أن شبكات المحسوبية للنخبة؛ والتي تشكلت منذ العام 2003، وقامت على ثروة البلد، تستبعد جيل الشباب المتزايد من السكان، ولهذا فإن عددًا متزايدًا من العراقيين تخلوا عن النظام، وهو ما تمثل في استمرار تراجع نسبة إقبال الناخبين مع كل انتخابات جرت، حيث بلغت: 30% فقط في العام 2021.

قمع “ثورة تشرين”..

وتناول المعهد البريطاني تظاهرات شباب “العراق” قبل الانتخابات بعامين، حيث قاموا بثورة ضد النظام، ليوضح بعدها أن النخبة السياسية، المُفلسة في إيديولوجيتها وأدائها الاقتصادي، سعت للرد على التشرينيين، وانتقلت إلى ممارسة العنف المباشر من أجل قمع التحركات الشعبية، مما أسفر عن مقتل مئات المتظاهرين وإصابة آلاف آخرين، مضيفًا أنه منذ ذلك الوقت، واصل النظام استخدام العنف للحد من حرية التعبير والاحتجاج.

ولفت إلى أن أحد الأشخاص الذين على دراية بذلك هو الساخر السياسي البارز؛ “أحمد البشير”، الذي من أجل أن يتمكن من الاستمرار في عرض حلقاته المصورة على التلفزيون و(يوتيوب)، والتي تصل إلى ملايين العراقيين، أصبح يعيش ويعمل خارج “العراق” بسبب التهديدات التي تلقاها ضد حياته. وخلال مؤتمر لـ (تشاتهام هاوس) في العام الماضي، قال “البشير”: “لم يُعد هناك حرية تعبير في العراق”.

يعود الفساد إلى التحالف بقيادة “أميركا”..

وختم التقرير البريطاني؛ بالإشارة إلى أن العراقيين كانوا: “رهائن للنظام السياسي الذي تم وضعه بعد العام 2003″، حيث عمل التحالف الذي تقوده “الولايات المتحدة” مع أحزاب سياسية لتأسيس المحاصصة، واكتسبت هذه النخبة الحاكمة منذ ذلك الوقت ثروتها وسلطتها من خلال الفساد.

وقال التقرير إن النظام السياسي في “العراق” يُراهن على قدرته على مقاومة الاحتجاجات الثورية الشعبية، محذرًا من أن جهود اللاعبين العراقيين والدوليين في إطار جهودهم لتحقيق الاستقرار، فإنهم يُركزون على محاولة إنجاز تسوية قصيرة الأجل داخل النخبة، وهو حل هدفه الحد من العنف المباشر الذي وقع هذا الصيف آملين أن يقود ذلك إلى تحقيق التغيير.

إلا أن (تشاتهام هاوس) نبه إلى أن مثل هذه التسوية لن تُعالج الصراع اليومي الذي يستنزف العراقيين، وإنما ستُعزز الوضع القائم من خلال تجاهلها مجددًا لديناميكيات العنف، الذي سيستمر في حصد خسائر أكبر بالأرواح.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة