لست رومانسياً ثورياً لأعتقد ان حركة الاحتجاج التشرينية النقية ستحوّلنا في زمن خارق الى بلاد سعيدة لايبحث فيها الفقراء عن لقمة في مزابل البلاد ،ولاتصدع رؤوسنا فيه خطابات الطائفية المبتذلة ويصبح القانون سيدا سائداً على رئيس الجمهورية كما يسود على شغيلة البسطيات .
تشرين تؤسس لوعي جماهيري جديد ينفض عن نفسه فوضى الاندفاعات الثورية التي تدفع اثماناً باهظة مقابل مردودات متواضعة يحمّلونها كل سلبياتها ويصادرون ايجابياتها !
في الاول من تشرين بذكرى الانتفاضة بسنتها الثالثة ، اثبتت تشرين انها استطاعت ان تتجاوز كل محاولات اغتيالها وتقزيمها كفوران شبابي مرّة ومحاولات تسقيطها باساليب الخبث الحزبية لدى سلطة الفساد والطائفية ، ولأول مرّة تظهر تشرين خارج الاحتواء السياسي من قبل قوى محسوبة على حركة الاحتجاجات ، واثبتت امكاناتها الجماهيرية في بغداد وساحات الاحتجاج في محافظات الوسط والجنوب ، والتحوّل المهم ان شباباً من محافظات غربية وشمالية شاركت بذكرى الانطلاقة الثالثة دون تسميات جغرافية أو مكوناتية .
في ذكراها الثالثة أفرزت الانتفاضة عناصرها الفوضوية والانتهازية معاً فطردتهم من ساحاتها كما حصل مع علاء الركابي ، لتشق طريقا نضالياً يتسم بالواقعية والرؤية السياسية الأكثر قبولاً لاستقطاب شرائح اجتماعية جديدة الى صفوفها ، ونجحت في تأكيد نوعية جماهيرها رغم محاولات متواضعة مكشوفة لإضفاء نوع من الدعم من قوى ، لاترفضها الانتفاضة ولاتريد ان تكون تحت عباءتها في الوقت نفسه .
وحدة الموقف الجماهيري ، رغم وجود ساحتين ، التحرير والنسور ، الا ان الجمهور اثبت عمق وعيه بوحدة الاهداف حين انتقل الكثير من جمهور النسور الى التحرير بعد قراءة بيان اللجنة المركزية واعلان الانسحاب من النسور .
اثبت شباب تشرين قدرتهم على مواجهة قوى القمع السلطوية التي واجهتهم بعنف غير مبرر بمجرد تجاوزهم لحائط الصد الأول ، وكان بإمكان الشباب الذهاب بعيداً في تجاوز الخط الثاني ، لكنّ قيادة التحرير إرتأت أن تحقن الدماء لتكسب المزيد من التعاطف الشعبي والدولي .
تنوّع اساليب النضال الجماهيري السلمي وتصاعده وانخراط شرائح من الاغلبية الصامتة الى ساحات الاحتجاج مع وضوح الاهداف وواقعية البدائل عن سلطة الفساد والطوئفة وتوحيد جهود القيادات الميدانية ، قضايا كفيلة برفع زخم الانتفاضة وتحويلها الى جبهة سياسية جماهيرية فاعلة قادرة على ارغام الطبقة السياسية وهي في مرحلة موتها السريري ، على الاستجابة الحقيقية لمطالب الانتفاضة حتى تحقيق هدف التغيير الشامل بالأدوات السلمية المتاحة والممكنة والمبتكرة بابداعات الجماهير ومفاجأة سلطة الفساد والمحاصصة بتنويعات نضالية تجعها دائماً في موقف المدافع حتى تحوّل انتفاضة تشرين الى ظاهرة سياسية ورقم صعب في المشهد السياسي العراقي .
هذا هو الطريق الذي نراه لاحتجاجات الضمير العراقي في مواجهة كل الخراب الذي انتجته سلطات القمع الفساد والطوئفة والمحاصصة ..