قبل أيام ، كثُر الحديث بين المتقاعدين ، تلك الشريحة الواسعة المسحوقة ، ممن لا يُسمَع صوتُها ، عن قرب أقرار قانون التقاعد ، وكأنها بُشرى وشيكة تداوي جراحهم ، وتنصف حقوقهم بعد طول انتظار وصبر (ايوب) ، عسى أن يعيشوا ما تبقى من العمر الذي (أهدروه) في خدمة الوطن ، وقد اُعتقوا من الفاقة وشظف العيش وضيق ذات اليد ، ورافق ذلك الكثير من التطبيل والتزمير التي تذكّرنا (بمكارم) النظام البائد.
ولكوني أحد المتقاعدين ، كنت أعطي هذا السجال أذن من طين ، وأذن من عجين وكأنه لا يعنيني ، ولا داعي لسرد القائمة الطويلة من مبررات يأسي المزمن هذا ، من كل ما يسمونه (مكسب) من هذه الحكومة .
أتذكر الهرج والمرج والتبجّح بمكسب يتيم ، هذاالذي رافق خروج (العراق) من تحت طائلة البند السابع ، وكأنه الكأس المقدسة التي ستُخرج البلد من وضعه المزري الى حيث الجنان وأنهار الخمر والعسل ، فمِن جهة كان ثمنه باهظا اذ فرّطنا بأرضنا ، ومن جهة ، ما الذي عَكَسَه على حياتنا اليومية ؟ إن العراقي قد يأس من عشرات الوعود ، وفوق ذلك ، انبرى ليواجه حكمٌبالأعدام مع وقف التنفيذ ، كان قد أصدره الزمن الأرعن الذي جاء بالارهاب أمام عجز الحكومة ،وفوق ذلك ،عليه مواجهة شبح الجوع .
أتذكر التصويت على الدستور المليء بالحفر والمطبّات والألغام كشوارعنا البائسة التي أهلكت سياراتنا ، فأذا بمسخ فضفاض ، ناصيته بيد السياسيين ، يوجّهونه كيفما شاؤوا ، دون أن يكفل للمواطن حقوقه .
خرج قانون التقاعد من قمقمه أخيرا ، وأذا به مسخا هو الأخر ، ينقاد (للأقوياء) ، ويشيح بوجهه المشوه عن الفقراء ، فاين ذهبت تظاهراتنا وأحتجاجاتنا التي مزّقت حناجرنا ضد قانون تقاعد الرئاسات الثلاث ؟ وتحمّلنا ما تحمّلنا من جفاء وحصار قوى الأمن لنا ، قوى الأمن التي لا تمتلك أي أستراتيجية لمواجهة الأرهاب ، حتى صارت كل أيام اسبوعنا دامية ، وأذا بها تستعد بكامل عدّتها وعددها لمواجهتنا ؟ ، أين ذهبت الوعود (الحكومية) ، لتلبية هذا المطلب الشعببي ، الذي ساندته كل المرجعيات والمنظمات المدنية ، والشارع ؟.
قانون يُنصف ﺁكلي (الهمبرگر والكنتاكي) على ذكر قناة (البغدادية) ، بأسم (الخدمة الجهادية) ، من المقيمين في منتجعات أصقاع الأرض ، أما مَن كابدَ يوميات الحصار وويلات الحروب وسطوة النظام داخل الوطن ، فخيبَتُهُ مدوّية ، كالخيبات السابقة ، فبرلماننا كالضرس المنخور الملتهب في فك الشعب وكأنه جسم ٌغريب ، لا يضرس الطعام ، لكنه ألمٌ دائم .