عرضت قناة ال BBC اللندنية الناطقة بالإنكليزية يوم أول أمس ضمن أشهر برامجها (HARD TALK ) او حديث ساخن, لقاءاً ساخنا مع نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني الذي كان في زيارة الى لندن لحضور اجتماع للطاقة . كانت المقابلة عبارة عن محاكمة علنية للشهرستاني والحكومة العراقية على الملأ أدارها المقدم التلفازي ذائع الصيت (Stephen Sackur ) الذي عمل كصحفي في العديد من المؤسسات والوكالات الإعلامية منذ عام 1986 والحائز على جائزة افضل صحفي في بريطانيا لعام 2010.
في مستهل البرنامج أشار المقدم الى ان العراق يتجه من جديد نحو نزاع أهلي مسلح ، كما واجه الشهرستاني – وهو يقرأ في ملف بين يديه – بأقوال كان قد ذكرها الشهرستاني عام 2008 في حين انها لم تتحقق لغاية الآن ، قائلا له انك وعدت قبل حوالي خمس سنوات بأن الحرب الطائفية والأهلية انتهت وأصبحت من الماضي ولكننا نراها تعود في هذه الأيام , ومن جهة اخرى قلت في نفس ذلك العام بأن العراق سيقوم بتصدير ما يصل الى أربعة ملايين ونصف برميل يوميا من النفط بعد عدة سنوات ، ولكن ذلك لم يتحقق ايضاً. كما أنكم اليوم تقدمون تنازلات للأكراد لغرض كسب ودهم مع قرب الانتخابات البرلمانية . فوجىء الشهرستاني بهذه الاتهامات وتردد قبل ان يجيب اجابة غير مقنعة ، حينها تبادرت الى ذهني أقوال الحاج عبد الزهرة , الرجل الحر الطاعن في السن من أبناء الناصرية التي كذب فيها الشهرستاني على شاشات الفضائيات . بل حتى رئيس الوزراء نفسه كدب نائبه في احدى لقاءاته الإعلامية حينما قال ( اذا كانت الشهرستاني يكذب علي فماذا افعل !! ) مرورا بأعداد كبيرة من الذين شخصوا هذه الأكاذيب وعبروا عنها إعلامياً ، ولكنني لم أكن أتصور انني سأستمع يوما ما الى احد أشهر البرنامج التلفازية في العالم وهو يكذب هذا الرجل ( الاسلامي!! ) ايضاً وامام مشاهدين من مختلف الجنسيات والبلدان على شاشة قناة تعد من بين اكثر القنوات مشاهدة ومحل احترام واعتبار .
بعدها قام مقدم البرنامج بتوجيه الاتهامات الى الحكومة العراقية من خلال الشهرستاني قائلا له : ( ان الحكومة التي يديرها رئيس الوزراء الذي هو رئيسك !! تقود البلاد الى حرب طائفية وهنالك اتهامات من منظمات حقوق إنسان وأخرى مدنية داخل العراق وخارجه ومنها منظمة هيومن رايتش ووتش ) . حينها أجاب الشهرستاني بان ذلك هو (خطأ في الحسابات) فسارع مقدم البرنامج الى مقاطعته بالقول ( استخدامك لمصطلح خطأ في الحسابات غير موفق او صحيح ) ، اننا امام وقائع وحقائق ,فالحرب تنعت بأنها موجهة ضد طائفة معينة وان إلقاء القبض على نائب في البرلمان يتمتع بحصانة هو خطأ ارتكبته حكومتك .
أجابه الشهرستاني بأن إلقاء القبض على السيد النائب جاء بقرار من محكمة وضمن اجراءات قضائية وليس بتوجيه من الحكومة . حينها انتفض المقدم ستيفن بشكل مثير للانتباه مستفهما من الشهرستاني ( وهل القضاء لديكم مستقل ؟). مستطردا بان هنالك رؤية لدى كثيرون في العراق بأن البلد يتجه نحو بناء ديكتاتورية جديدة ومن بين هؤلاء الناشطة في المجتمع المدني هناء أدو رد التي كانت معارضة إبان النظام السابق وهي معارضة اليوم ايضا.
هذه الاسئلة والاستفهامات وطرح الحقائق في هذا البرنامج الشهير واسع الاطلاع يعطي مؤشرا بان العالم بدأ يتفهم بان العراق انحدر نحو الطائفية والصراع الأهلي ، وعاد مرة اخرى الى غياهب الديكتاتورية ويؤشر عليه عدم استقلال القضاء وحيادتيه وعدالته ، فضلا عن كذب مستشري لدى كبار مسؤوليه وبخاصة الإسلاميين منهم وللأسف الشديد ، وهو ما سيسجله التاريخ ضد من يحكم العراق في هذه الحقبة من الزمن..
هذه الجوانب الخطيرة الماثلة امام الرأي العام العالمي اليوم ، بالتأكيد لن تكون لصالح العراق ومستقبله . فعدم رضا الدول العظمى على النظام الديكتاتوري السابق نتيجة ضغوطات الرأي العالمي هو الذي أطاح به وأدى الى التغيير الكبير الذي حصل في العراق عام 2003 .
فهل يتعظ من يحكم الآن من تلك الدروس والعبر ، أم سيكابر كما كابر الذين من قبلهم حتى ذهب الله بريحهم.