وكالات – كتابات :
رصد معهد (الشرق الأوسط) الأميركي ما أسماه: “أزمة النخبة” والسياسة القائمة على التوافق، متناولاً بالتحديد التباينات داخل (الإطار التنسيقي) في صراعه مع (التيار الصدري)، ورؤية قادة (الإطار) للسيد؛ “مقتدى الصدر”، وارتباط “إيران” بما يجري في “العراق” إزاء الأزمة الأخيرة المستعصية على الحلول حتى الآن.
وذكر التقرير الأميركي؛ أن محور الخلاف بين (الإطار التنسيقي) و(التيار الصدري)، مرتبط بالمنافسات السياسية القديمة والخلافات الشخصية في التنافس على المناصب الحكومية، مضيفًا أنه برغم “الحوار الوطني”؛ الذي لم ينضم إليه الصدريون، فإن هناك مخاوف من حدوث أعمال عنف في المستقبل ما لم يتفق كلا المعسكرين على تنازلات مقبولة بالنسبة للطرفين.
وضع يُثير إحباط “إيران”..
وأشار تقرير المعهد الأميركي؛ إلى أن تحالف (الإطار التنسيقي) ينقسم بين: “المتشددين” و”المعتدلين”؛ حول عملية تشكيل الحكومة ونهج التعامل مع “الصدر” بشكلٍ خاص، وحول القضايا السياسية الأوسع، وأنه لذلك من الصعوبة بمكان توجيه المناورات السياسية في مسار متماسك.
وينقل عن أعضاء في (الإطار التنسيقي) قولهم؛ إن هذا الوضع يُثير إحباط “إيران” واللاعبين الشيعة العابرين للحدود؛ لأنهم يُفضلون أن يكون “البيت الشيعي” موحدًا. كما أن أعضاء (الإطار) يُعتبرون بشكلٍ عام أن اشتباكات؛ 29 آب/أغسطس الماضي، كانت بمثابة “خسارة” للصدريين و”انتصار” لقوى (الإطار)، وهم يرسمون صورة عن أنفسهم على أنهم اللاعبون العقلانيون الذين يتصرفون وفق القانون، بخلاف “مقتدى الصدر”.
حسابات سيئة للغاية..
مستعرضًا تطورات العملية السياسية في “العراق”؛ منذ انتخابات تشرين أول/أكتوبر 2021، وصولاً إلى ترشيح قوى (الإطار)؛ “محمد السوداني”، لرئاسة الوزراء، قبل أن يُشير إلى أن: “أول سوء حسابات كبير”؛ كان بقرار “الصدر” أن يستقيل نوابه من البرلمان، بينما كان سوء الحسابات الثاني هو قرار قوى (الإطار) المضي قدمًا وبسرعة في جهود تشكيل الحكومة، كما لو أنه من الطبيعي أن يكون: “أحد أكبر اللاعبين السياسيين”، في “الصدر”، يقف على الهامش لكي يراقب.
واعتبر التقرير؛ أنه في ظل هذه الحسابات الخاطئة، استمرت التوترات بين المعسكرين في التصاعد؛ خلال شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس، مع اقتحام “مجلس النواب”، واقتحام الصدريين أيضًا المكاتب السياسية لتيار (الحكمة)؛ بزعامة السيد “عمار الحكيم”، في محافظتي: “بغداد وديالى”، بعد مقابلة تلفزيونية انتقد فيها “الحكيم”؛ (التيار الصدري).
ولفت أعضاء في قوى (الإطار) إلى أن هذه القضية كانت بمثابة اختبار ضد عضو (الإطار): “الأضعف عسكريًا”؛ لكي يقيس الصدريون، حجم رد الفعل.
الانقسام داخل “التنسيقي”..
وأشار التقرير الأميركي إلى أن (الإطار التنسيقي) نفسه؛ منقسم إزاء النهج الأمثل للتعامل مع “الصدر”، إذ بينما يدعو البعض إلى اتخاذ مواقف معتدلة أكثر من أجل احتوائه وتفعيل مختلف القنوات السياسية داخل “العراق” وخارجه، يرفض “المتشددون” ذلك قائلين أن عليهم دفعه إلى الخلف لكي: “يتعلم الدرس”.
وممن هم في الجناح المعتدل؛ لفت التقرير إلى “هادي العامري وعمار الحكيم وحيدر العبادي” وآخرين، بينما يضم الجناح المتشدد: “نوري المالكي” والقادة السابقين لجماعات منشقة عن (التيار الصدري)؛ الذين يقودون الآن تنظيماتهم الخاصة، مثل: “قيس الخزعلي”؛ من (عصائب أهل الحق) وغيرهم.
ومع اقتحام الصدريين؛ البرلمان، قال مسؤول في حزب سياسي داخل (الإطار التنسيقي) أنه كان هناك إجماع متزايد على أن “الصدر” قد تمادى، وهو ما يتطلب إجراءات تصعيدية، كما وصف ما جرى وقتها بأنه كان: “مؤامرة” و”خطة كبيرة يدعمها الصدريون” من أجل الاستيلاء على السلطة.
ونقل التقرير عن هذا المسؤول قوله وهو يبتسم؛ أن: “الصدريون حاولوا الاستيلاء على القصر الحكومي تمامًا مثلما فعل أنصار (الرئيس الأميركي السابق دونالد) ترامب.. إلا أن (سرايا السلام) خسرت بسرعة وغادرت في غضون ساعات”.
وتابع قائلاً أن آية الله السيد “علي السيستاني”؛ لا يتدخل في النزاعات السياسية، إلا أنه وجه رسالة غير مباشرة إلى “الصدر” يسأله فيها: “ما هذا ؟”، مضيفًا أن دعوة “الصدر” للانسحاب كان سببها: “واقع ساحة المعركة”.
رؤية أوحادية لـ”الإطار”..
وبرغم إشارة تقرير المعهد الأميركي؛ إلى أن أعضاء (الإطار) يقدمون أنفسهم على أنهم: “الفائزون” بعد اشتباكات “المنطقة الخضراء”، وأن “الصدر” و(سرايا السلام) هم: “في موقف ضعيف بعد هزيمتهما”، ذكر التقرير أن (الإطار التنسيقي) كثيرًا ما يتعرض للانتقاد بسبب انقسامه وافتقاره إلى رؤية مشتركة بخلاف التصدي لـ”الصدر” وعرقلته.
ونقل عن ممثلين لأحزاب داخل (الإطار) نفيهم وجود انقسامات كبيرة، أو إنهم وصفوا الخلافات بأنها طبيعية وودية بين: “الإخوة” الساعين للبحث عن أفضل طريق للمُضي قدمًا.
إلا أن التقرير أوضح أن مسؤولي قوى (الإطار)؛ الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، قدموا وجهات نظر أكثر واقعية ودقة؛ حيث أقروا بوجود انقسامات سببها عدة عوامل، أولاً أن ما يربط القوى داخل (الإطار) معًا هو خيط مشترك يتمثل في معارضتهم لحكومة الأغلبية التي يطرحها “الصدر” أو أي حكومة قد تنتقص من سلطتهم، وهم بخلاف ذلك يقرون بأن بينهم اختلافات كثيرة.
والعامل الثاني، ينقل التقرير عن مسؤول في (الإطار) إشارته إلى عودة مقاتلي (الحشد الشعبي)؛ بعد هزيمة (داعش)، قائلاً إن: “كل الجيوش في العالم تعود من الحرب لتتعامل مع خلافاتها”، مشيرًا بذلك إلى أن الانقسامات داخل (الإطار) يمكن تفسيرها جزئيًا بصراع سياسي على السلطة؛ حيث تسعى القوى إلى الاستفادة من المكاسب وتقليل الخسائر في حقبة: “ما بعد داعش”.
دور “إيران” واللاعبون عبر الحدود..
ونقل التقرير الأميركي؛ عن خبير عراقي في الشؤون الإيرانية مقرب من قوى (الإطار التنسيقي)، قوله أن المناصب المهمة في السفارات الإيرانية في المنطقة يتم تعيينها من جانب (الحرس الثوري) الإيراني، لأن: “العراق ولبنان” على سبيل المثال، دولتان مهمتان وتحظيان بالأولوية بالنسبة إلى (الحرس الثوري).
كما نقل عن أحد المسؤولين الحزبيين في (الإطار التنسيقي) والمُطّلع على جهود تشكيل الحكومة، قوله إنه: “حتى رئيس الوزراء؛ مصطفى الكاظمي، لديه علاقات جيدة مع (الحرس الثوري) الإيراني” منذ توليه منصبه، موضحًا أن: “كل رئيس وزراء يحتاج أن يتمكن من تحقيق علاقات متوازنة مع نظرائه الإقليميين والدوليين”.
وبحسب ما نقل التقرير عن أعضاء في (الإطار التنسيقي)، فإن الصراع المستمر بين الشيعة قد يؤدي إلى زعزعة استقرار “العراق” وهو ليس في مصلحة “إيران”. ويعتبر هؤلاء أن “طهران” تُفضل تشكيل حكومة يقودها تحالف شيعي موحد وواسع، ولهذا تعتبر أن مشروع: “الأغلبية السياسية” التي طرحها الصدريون تُمثل تهديدًا لهذه الرؤية.
إلا أن أحد المسؤولين في قوى (الإطار) قال قبل اندلاع اشتباكات؛ نهاية آب/أغسطس، أن “إيران” نفسها منقسمة إزاء النهج الأمثل للتعامل مع “الصدر”، وهو ما يعكس نفسه بانقسامات داخل (الإطار التنسيقي) بين: “المعتدلين” و”المتشددين”.
ولفت التقرير إلى أن الجهات الشيعية العابرة للحدود حاولت دائمًا الحفاظ على نظام وحدة “البيت الشيعي” طوال السنوات. ونقل التقرير عن مسؤول عراقي، قوله إن أطراف لاعبة مختلفة سعت لإصلاح العلاقة بين: “المالكي” و”الصدر”، بما في ذلك ممثلين عن (حزب الله) اللبناني؛ في الشهور التي سبقت أزمة الصيف.
ونقل التقرير عن نائب في (حزب الله) اللبناني، قوله إن التماسك الداخلي بين الشيعة يُمثل أولوية بالنسبة للمنطقة بشكلٍ عام وبالنسبة لـ”إيران” بشكلٍ محدد، وأن أي جهد يستهدف تقويض هذا التماسك، يُعتبر: “مؤامرة” تقودها جهات خارجية.
“محمد السوداني”..
حاول مسؤولون في (الإطار التنسيقي) توضيح الظروف المحيطة بترشيح “السوداني” والدفاع عن اختياره، مشيرين إلى وجود لجنة داخل (الإطار) وقد تم اختياره كأفضل مرشح بالإجماع. كما يقولون أن ما من أحد؛ حتى الآن، قدم سببًا وجيهًا حتى لا يتم ترشيحه، حيث قال أحد المسؤولين إنه: “إذا كان لدى شخص ما مخاوف، فيتحتم طرحها علنًا في البرلمان، وإلى الآن، لم يُقدم أحد حجة تتمتع بالمصداقية لرفض ترشيحه”.
بينما قال مسؤول آخر في (الإطار)، فإنه مثلما أن مصير “العراق” لا يتوقف على “الصدر”، وأن تشكيل الحكومة يجب أن يستمر، فإنه أشار أيضًا إلى أنه في حالة تقديم اعتراضات رسمية جدية تتعلق بـ”السوداني”، فإن مصير “العراق” لن يتوقف لـ”السوداني” أيضًا.
ونقل التقرير عن أحد مسؤولي (الإطار التنسيقي) تحذيره من التحرك بسرعة في تشكيل الحكومة، داعيًا إلى إجراء مفاوضات إضافية مع الكُرد والسُنة، وخاصة زعيم الحزب (الديمقراطي الكُردستاني)؛ “مسعود بارزاني”، ورئيس البرلمان المستقيل؛ “محمد الحلبوسي”.
وبينما لفت هذا المسؤول إلى أن هذا سيحول دون حدوث رد فعل عنيف محتمل، إلا أنه في الوقت نفسه قد يؤدي إلى تشكيل حكومة ضعيفة.
ونقل التقرير عن أحد مسؤولي (الإطار) تساؤله عما إذا كان: “بارزاني والحلبوسي قد تخليا عن الصدر بالفعل أم لا”. كما أعرب مسؤول عن أسفه لأن الحزب (الديمقراطي الكُردستاني) و(الاتحاد الوطني الكُردستاني) لم يتوصلا إلى اتفاق حتى الآن على مرشح للرئاسة.
اللاعب المنطقي والعقلاني..
وذكر التقرير الأميركي؛ أن مسؤولي قوى (الإطار) رسموا لأنفسهم صورة اللاعب المنطقي والعقلاني الذي يتصرف وفقًا للقانون وقرارات القضاء، لكن بعضهم رسم صورة لـ”الصدر” على أنه رجل طموح ومتعطش للسلطة وغير منتظم ويسعى للسيطرة على كل شيء. وقال أحد مسؤولي (الإطار) أن صورة “الصدر” هذه تُثير: “المشاكل داخل القيادة الصدرية، حيث لم يكونوا مرتاحين إزاء ما كان يجري، وشعورهم بأنهم لم ينجزوا شيئًا”.
كما شددت قيادات (الإطار) على أن “الصدر” لا يتمتع بالمؤهلات الدينية لكي يكون مرجعًا ويحل محل آية الله “السيستاني”، إلا أنه يسعى ليكون الزعيم الأعلى في “العراق”. ونقل التقرير عن أحد مسؤولي قوى (الإطار) قوله أن “الصدر” يُريد أن يكون الشخصية العراقية المعادلة لشخصية السيد “حسن نصرالله”، زعيم (حزب الله) اللبناني.
الجمود السياسي..
ونقل التقرير الأميركي؛ عن مسؤول في قوى (الإطار) قوله بأسف أن الوضع: “سيبقى على ما هو عليه، وهو ما قد يستمر لأسابيع أو شهور”.
وفي المقابل، اقترح أحد مسؤولي الأحزاب المطلع على المفاوضات ثلاثة خيارات محتملة لتسوية أزمة تشكيل الحكومة، وهي أن يُقنع (الإطار التنسيقي)؛ نواب (التيار الصدري)، بالعودة إلى البرلمان، وأن يؤيد (الإطار) مرشحًا آخر لرئاسة الوزراء، أو أن يتوصل “هادي العامري” إلى نوع من التفاهم مع “الصدر”.