قصة الحضارة (35): نهم الحروب والفتوحات قضى على الحضارة الأشورية

قصة الحضارة (35): نهم الحروب والفتوحات قضى على الحضارة الأشورية

 

خاص: قراءة- سماح عادل

يتناول الكتاب نهاية الحضارة الأشورية، وكيف أن طبيعة تلك الحضارة كانت سبب فناءها، حيث أن اعتمادها على الغزوات والحروب والفتوحات جعلها تضمحل وتنحل، بسبب إهمال الزراعة وباقي مجالات الحياة الاقتصادية لصالح نهم الحرب، واعتمادها الكامل على ما تجلبه الحروب، وأيضا دخول عدد كبير من الأسرى داخل نسيج الشعب الأشوري مما أثر على تماسكه ووحدته القومية. وذلك في الحلقة الخامسة والثلاثين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.

خاتمة أشور..

يحكي الكتاب عن أسباب انحلال أشور وسقوط نينوى: “بيد أن “الملك العظيم، الملك القادر، ملك العالم، ملك أشور” أخذ في آخر أيامه يندب سوء حظه. وآخر ما خلفه لنا من الألواح يثير مرة أخرى مسألتي سفر الجامعة وسفر أيوب:

“لقد فعلت الخير لله والناس، للموتى والأحياء؛ فلم إذن أصابني المرض وحل بي الشقاء؟ إني عاجز عن إخماد الفتن التي في بلدي، وعن حسم النزاع القائم في أسرتي، وأن الفتائح المزعجة لتضايقني على الدوام، وأمراض العقل والجسم تطأطئ من إشرافي، وهأنذا أقضي آخر أيامي أصرخ من شدة الويل؛ بائسا في يوم إله المدينة، ويوم العيد. إن المنيّة تنشب في أظفارها، وتنحدر بي نحو آخرتي. أندب حظي ليلا ونهارا، وأنوح وأعول وأتوجع: “أي إلهي! هب الرحمة لإنسان وإن كان عاقا حتى يرى نورك!”.

ولسنا نعرف كيف قضى أشور بانيبال نحبه. فأما القصة التي وضعها بيرُن في قالب مسرحية، والتي تقول أنه أشعل النار في قصره فهلك وسط اللهب، فإن مردها إلى كتسياس وهو مؤرخ مولع بإيراد كل ما هو غريب، وقد لا تكون إلا أسطورة من الأساطير. ومهما تكن ميتته فقد كانت نذيرا بما سيؤول إليه أمر بلاده ورمزا لآخرتها، لقد كانت هي الأخرى مقبلة على الفناء لأسباب بعضها من صنع يده.

ذلك أن حياة أشور الاقتصادية كان جل اعتمادها على ما يصل إليها من خارجها، وقد أسرف ملوكها في الجري على هذه السياسة الحمقاء، فكان مصدر حياة البلاد هو الفتوح الخارجية التي تأتيها بالمال الوفير من الغنائم والمتاجر. وتلك سياسة تعرضها للخراب في أية لحظة إذا ما هزمت جيوشها في واقعة حاسمة.

وسرعان ما أخذت الصفات الجسمية والخلقية. التي جعلت الجيوش الآشورية رهيبة لا تقهر في ميدان القتال، تضعف بتأثير الانتصارات التي نالها هؤلاء الجنود؛ ذلك أن كل واقعة تنتصر فيها أشور كان يهلك فيها أقوى جنودها وأبسلهم، فلا ينج من القتل إلا الضعاف والمترددون والحذرون يعودون إلى بلادهم ليكثروا من نسلهم، وتلك خطة مآلها إضعاف النسل، ولعلها كانت من أسباب ارتقاء الحضارة لأنها انتزعت من بلاد أشد الناس وحشية، ولكنها قوضت الأساس الحيوي الذي شادت عليه أشور قوتها. وكان اتساع فتوحها سببا آخر من أسباب ضعفها”:

ضعف الوحدة القومية..

ويواصل الكتاب عن أسباب النهاية: “ولم يكن إقفار الحقول وزراعها لإطعام إله الحرب النهم هو السبب الوحيد في هذا الضعف، بل كان له سبب آخر وهو أن فتوحها جاءت إليها بالأسرى وبملايين من الأجانب مملقين الذين تناسلوا كما يتناسل المعدمون البائسون، فلم يبقوا على شيء من الوحدة القومية في الجسم والخلق، وكانوا لكثرتهم المطردة قوة معادية تعمل على الضعف والانحلال بين الفاتحين أنفسهم. وأخذ هؤلاء الرجال القادمون من البلاد الأجنبية يزداد عددهم في الجيش نفسه، بينما كان الغزاة أنصاف الهمج يهاجمون البلاد من جميع أطرافها، ويستنزفون مواردها في سلسلة لا آخر لها من الحروب للدفاع عن تخومها غير الطبيعية”.

غزو البابليين..

وعن غزو البابليين يذكر الكتاب: “ومات أشور بانيبال في عام 626 ق.م، وبعد أربعة عشر عاما من موته اجتاح البلاد جيش من البابليين بقيادة نبوخذ نصر ومعه جيش من الميديين بقيادة سياخار وجحافل أخرى غير نظامية من السكوذيين أهل القفقاز. وسرعان ما استولت هذه الجيوش على القلاع الشمالية بسهولة عجيبة. وخربت نينوى تخريبا لا يقل في قسوته وشموله عما فعله ملوكها من قبل بالسوس وبابل، وأشعلت النار في المدينة، وذبح أهلها أو سيقوا أسرى، ونهب القصر الذي شاده أشور بانيبال من عهد قيصر ثم دُمّر أشنع تدمير.

وهكذا اختفت أشور من التاريخ، ولم يبق منها إلا بعض أفانين الحرب وأسلحتها وتيجان لولبيّة لبعض عمدها النصف (الأيونية)، وبعض النظم الإدارية لحكم الولايات التي انتقلت منها إلى الفُرْس ومقدونية وروما. وظل الشرق الأدنى بعض الوقت يذكر لها قسوتها في توحيد نحو اثنتي عشرة دولة صغيرة تحت سلطانها؛ وتحدّث اليهود عن نينوى حديثا ينطوي على الحقد والضغينة ووصفوها بأنها: “المدينة الدموية، التي تفيض بالكذب واللصوصية”. وما هي إلا فترة قصيرة حتى نسى الناس أسماء ملوكها العظام ما عدا أعظمهم قوّة وبطشا، وأصبحت قصورهم خربات دارسة تحت الرمال السافية”.

وفي النهاية:
“وبعد مائتي عام من الاستيلاء على نينوى وطأت جيوش زتوفون التي تبلغ عدتها عشرة آلاف مقاتل الأكوام التي كانت من قبل نينوى، ولم يدر بخلدها قط أن هذه الأكوام بعينها هي موضع الحاضرة القديمة التي كانت تحكم نصف العالم. ولم تقع أعين هذه الجيوش على حجر واحد من حجارة الهياكل التي حاول جنود أشور الأتقياء أن يجملوا بها أعظم عواصمهم. وحتى أشور نفسه إلهها الخالد أمسى في عداد الموتى “.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة