منذ سنة 2003 يعيش العراق في دوامة إضاعة الفرص وإهدار الموارد، التي
كانت كفيلة بنقله من الاعتماد الكلّي على النفط والارتهان بأسعاره، إلى
صناعة اقتصاد رأسمالي قوي يعتمد على الإنتاجية، ويقلِّل الاعتماد على
الدولة من قبل القطاعات المختلفة. بدأت هذه الفرص بعد رفع الحصار
الاقتصادي على العراق سنة 2003، حيث لم تستغلّ الحكومة الجديدة الناشئة
بقيادة علاوي الوضع لصناعة جوّ آمن يسمح بالاستثمار والاعمار ورفع العبء
عن القطاع العام، بل بدلًا من ذلك كانت الحكومات المتعاقبة جمعيهم
(حكومة إبراهيم الجعفري وحكومة المالكي الأولى (2006-2010)) شبه منخرطة
بالعنف الطائفي، وتسويق الازمات متسبِّبة بتأجيج الأوضاع التي مالت نحو
عدم الاستقرار. يكمن في ضعف وهشاشة النظام السياسي الناجم عن هذه
المحاصصة الطائفية والعرقية التي تمَّ تبنيها بعد عام 2003، إضافة إلى
قلة الخبرة والإدارة، ويُستثنى من ذلك ربما الحزبَين الكرديَّين اللذين
تمتّعا بحكم ذاتي منذ ما بعد حرب الخليج الثانية عام 1992. كان الجعفري
والمالكي وغيرهم يتحدثون عن اعطائهم الفرصة الكافية من الوقت ولكن اتضح
فيما بعد انها للمناورة والخديعة وتسخيرها للسرقات . هذه دول العالم في
شتى انحاء المعمورة فيها أحزاب قليلة مقابل تقديم الانجازات والمشاريع
الاستراتيجية وتوزيع عادل للثروات عكس ما يجري في بلادنا العراق الاحزاب
تسرق الثروات والشعب يواجه الأزمات . ساسة فاشلون يضحكون على أنفسهم
ويخدعون الشعب في كل سنة وقرب الانتخابات وأثناء حدوث الأزمات بتقديم
الخدمات وانجاز المشاريع وتوزيع عادل للثروات وتوفير فرص العمل ولكن تلك
الشعارات نراها فقط في يوم التسلط والتسلق على الشعب ، وحين يصلون ينسون
كل البرامج والوعود ويمكثون العهود وهذا ديدن ساسة العراق بعد التغيير
والانفتاح على كل أنحاء العالم . الآن يقع على الذين يرمون الحكم وتغيير
خارطة الطريق الحكم بعدالة وانصاف مهما كانت مسمياتهم وتوجهاتهم علمانية
او اسلامية ولبرالية . إذا ما أرادت الأحزاب الجديدة إلى حدّ كبير،
المشاركة الفاعلة في العملية السياسية وتغيير النظام وتعديل الدستور ،
فينبغي عليها أن تتغلّب على تحدّياتها المؤسّساتية ونسيان الخلافات
والابتعاد عن شخصنة الأصنام وردع المفسدين ، وتحسّن قدرتها والصدق في
الطروحات والبرامج وتعمل على ضرورة توفير ما يحتاج إليه الشعب على
المدى القصي الطويل وينبغي الوصول الى السلطة بشكل سلمي وديمقراطي وترك
النقيض في الليل اخوة وفي النهار أعداء يتخاصمون . الشعب ينتظر التغيير
هذه المرة و وضع برامج واضحة ومفصّلة تتجاوز الحديث عمّا يعارضه الحزب
لتحدّد ماتنوي عمله، أي تلبية حاجات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية
الحقيقية وخاصة فيما يتعلق بتوزيع الثروات اذ لا يمكن للاشخاص يتقاضون
المليارات واخرين يستلمون الفلاسين ومنهم ولا فلس وملايين ينتظرون رحمة
وشفقة الحكومة بالشمول بالرعاية الاجتماعية و بتوزيع دنانير معدودة لا
تكفي لعدة ايام ، ساسة ودرجات خالصة يستلمون رواتب فلكية اضافة الى
السرقات التي تحدث بالمليارات والفقراء حسرة عليهم شراء الباقلاء !. أصبح
الان ضرورة الابتعاد عن القومية والطائفية والحزبية بسبب الفشل الذريع في
كل هذه التجارب والدليل غياب النمو وكثرة البطالة وخراب المدن .