تعرفون “أبجد هوز حطي كلمن….” التي لا نعلم مّن الذي تمكن من جمع حروف العربية بها , لتأتي بلا معنى وبقليل من الوزن , لكنها تساهم في حفظ أحرفها الثمانية والعشرين.
وبهذه الصورة تبدو تفاعلاتنا وما يتحقق في واقعنا الصاخب المتعثر بأبجديات ذاته وموضوعه.
فأصبحنا مجاميعَ وفئات منشغلة بتسمياتها التدميرية , التي حولتها إلى موجودات ضعيفة , ومُمتلكة من قبل الآخرين , الذين سخروها لتحقيق المطلوب إثباته , بعد أن قدمت لهم البرهان مسبقا , فوفرت عليهم الجهد والإجتهاد.
فصرنا نتسمى , بائيون وتائيون وثائيون وحائيون وخائيون وجيميون , ……..وسينيون وشينيون وعينيون وغائيون و…….ميميون ونونيون وهائيون وواويون ويائيون.
وما يجمع هذه التسميات ويستوعبها , تسمية “الواويون” , من “الواوي” أي “الحصيني” أو الثعلب أو إبن آوى.
فجميع التسميات تتخلق بأخلاق هذا الحيوان المعروف بمكره وألاعيبه وأكاذيبه وخداعه , ولا يهمه إلا كيف يملأ بطنه , ويقتل ضحيته ويدفنها إذا كان شبعانا , وما أكثر قصصه وحيله خصوصا عندما يكون في حضرة الكبار من سادة الغابة , كما تروي لنا أساطير خيال البشر , لتشير إلى سلوكنا بالرمز والمثال.
والمشكلة التي تواجه هذه التسميات أنها مغفلة ومحشوة في ترس يزداد سمكا , فيمنعها من التواصل وبناء الحياة اللازمة للحفاظ عليها جميعا , ذلك أنها تتناسى بأن الأحرف لابد لها أن تتصل بدنيا وصوتيا مع بعضها لبناء الكلمة والعبارة , وأن تكون على سطر يحتويها وفي كتاب يحفظها.
وكتاب أية أبجدية هو الوطن , وكن ما شئت ورأيت , فهذا لا يعني شيئا , بقدر ما تعنيه الكيفية التي تتعامل بها وتتواصل مع الآخرين في سطور الكتاب , الجامع الضامن المحافظ على قيمة ما فيه من العبارات والمفردات والأساطير الإنسانية.
تَسمّى بأي حرف تشاء , ولكن لايمكنك أن تكون حَرْفي الطباع والمزاج , فتقتل عقلك بحرفك الذي تسميت به , وتوهمت بأن اللغة حرف واحد , وصوت واحد وحسب!
إن مثل هذا الإندحار هو الذي يتسبب في صناعة التداعيات وتحقيق الويلات , وسرقة السعادة والبهجة , ويؤدي إلا تجريد الآخرين من إنسانيتهم وحقوقهم وبشريتهم , فيتم الإنقضاض عليهم بقسوة ووحشية وإرادة محق وإهلاك فاحش.
وعندما تدخل المسميات في حالة التمترس والدفاعية , وتخوض غمار التحديات والمواجهات السلبية , فأنها تسلك طريق الإتلاف والهلاك الأكيد.
فلا عيب في التسمي , ولكن في أن نجهل بأن هناك مسميات ومسميات , وأن الضوء الذي يرينا كل شيئ , هو حزمة ألوان متعددة متفاعلة بأمواجها المختفلة , لتمنحنا جمال المنظر وبهاء الوجود وفيض الشعور بالحياة!!
فهل سنتخلص من “الواوي” الذي فينا لكي نعرف الحرية والديمقراطية؟!!