لا زالت أصوات المتظاهرين والمحتّجين في التظاهرات التي اندلعت في عموم الوطن العراقي والمطالبة بإلغاء الرواتب التقاعدية و الامتيازات والمنافع للرئاسات الثلاثة والوزراء والنوّاب و أصحاب الدرجات الخاصة , ترّن في آذان العراقيين جميعا , فهذه الرواتب والامتيازات والمنافع أصبحت تشّكل عبئا ثقيلا على ميزانية البلد , ولا زال موقف المرجعيات الدينية التي انضمت إلى مطالب الجماهير الغاضبة بإلغاء هذه الرواتب والامتيازات الخرافية هو الآخر قائما حتى هذه اللحظة , فهذه الرواتب والامتيازات الخرافية أصبحت هدفا بحد ذاتها لكل الساعين والطامحين لهذه المناصب , وكانت سببا رئيسيا في قتل الروح الوطنية عند هذه الطبقة من السياسيين , بحيث لم يعد هنالك أي شعور بأهمية استثمار موارد البلد في البناء وتصحيح الاختلال الهيكلي في الاقتصاد الوطني وتحويله من اقتصاد وحيد الجانب ومستهلك فقط , إلى اقتصاد متنوع ومنتج , فلا زالت موارد النفط تشّكل 95% من مجموع إيرادات البلد العامة , ولا زالت النفقات التشغيلية تشّكل أكثر من 70% من مجموع النفقات العامة , وهذا متوّقع جدا في ظل هكذا قوانين لا تراعي إلا امتيازات الطبقات الطفيلية الحاكمة , وفي ظل هكذا نوّاب وسياسيون فاقدين لأي قدر من الحرص على موارد البلد وثروات أجياله القادمة .
وقانون التقاعد العام الذي أقره مجلس النوّاب يوم أمس وخصوصا المادة 37 منه , هو التفاف شيطاني واضح وصريح على قرار المحكمة الاتحادية العليا الخاص بإلغاء الرواتب التقاعدية للنوّاب , والتفاف أيضا على مطالب الشعب ومرجعياته الدينية الداعي إلى إلغاء الفوارق بين طبقة السياسيين الطفيلية وبين مكوّنات الشعب الأخرى من أجل تحقيق العدالة وتقليل الفوارق الاجتماعية بين طبقات الشعب , وبالرغم من أنّ القانون قد رفع من الحد الأدنى لرواتب شريحة واسعة وعريضة من أبناء الشعب العراقي , إلا أنه في الجانب الآخر قد أعاد وكرّس كل الامتيازات اللامعقولة واللامنطقية للرئاسات الثلاثة والوزراء والنوّاب و أصحاب الدرجات الخاصة وبشكل أكبر من السابق .
فالذي يقول أنّ هذا القانون هو إنجاز وطني كبير تحقق للشعب , نقول له إنه إنجاز للطبقة السياسية الحاكمة , فالقانون هو كارثة وطنية تضاف إلى سلسلة كوارث هذه الحكومة وهذا البرلمان , ومحاولة خلط السمّ بالعسل من خلال دمج المطالب المشروعة للشعب مع مطالب الطبقة السياسية الطفيلية , مرفوض وغير مقبول ولا ينمّ عن أي إحساس أو شعور وطني صادق , وما دامت هذه الرواتب والامتيازات والمنافع الخرافية باقية , فلا أحد يتوّقع الخير لهذا البلد .
والشعب يريد أن يعرف بالأسماء النوّاب الذين صوّتوا لصالح لهذا القانون الكارثي , للتمييز بين المزايدين والمنافقين من النوّاب وبين اولائك الذين يحملون هموم فقراء الشعب بحق وحقيقة , لأننا سئمنا زعيق هؤلاء المتاجرين بهموم الشعب , الشعب لن يسكت وهذا القانون لن يمرر , ومجلس النوّاب الذي أقرّ هذا القانون سيذهب إلى مزبلة التأريخ غير مأسوف عليه .