يجمع كثير من الباحثين والمحللين أن الصدر شخصية غير مقروءة وغير خاضعة لأدوات التحليل السياسي ، فقرارات الصدر السياسية وليدة قناعاته فقط ، فهو غير متأثر بآراء النخب او حتى الجماهير في التيار الصدري ، لكني مع ذلك اختلف مع من يعتقد ان التنبؤ بقرارات الصدر امر غير ممكن ، فمن خلال التتبع لتأريخ الصدر السياسي نجد انه أداء مضطرب نوعاً ما رغم كونه منضبط ومقيد بحدود يمليها تأريخ الاسرة ورموزها. السيد مقتدى الصدر هو ابن المرجع الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر رحمة الله تعالى عليه والصدر الثاني مارس سياسة المناورة في نشاطه الدعوي والمرجعي ضد نظام صدام حسين، فشعارات “كلا كلا امريكا كلا كلا إسرائيل” كانت شعارات مقبولة لدى النظام ، إلا ان الصدر الثاني استخدمها بذكاء لتمرير شعارات اخرى تنال من النظام حينها. سياسة المناورة مارسها الصدر مقتدى ايضا وفي اكثر من مناسبة، ففي عام ٢٠٠٤ دخل الصدر العملية السياسية دخول المتنازل للمصلحة العامة ، ثم ساهم مساهمة الزاهد (في المناصب) في تشكيل كل الحكومات المتعاقبة، وفي كل مره كان يفرض شروطه بيد ويأخذ تعهدات بأخرى مقابل تمرير تلك الحكومات. ورغم الانسحابات المتكررة ورغم ادعاء الكتلة الصدرية عدم ترشيحها شخصيات سياسية لشغل المناصب الحكومية، التيار الصدري استطاع في النهاية ان يتغلغل في كل مفاصل الدولة ويوجد فيها تمثيلا له.
في الازمة السياسية الحالية ، كان بإمكان الصدر الذهاب للمعارضة البرلمانية بدل الإنسحاب وبذلك كان سيجبر من عارض مشروعه مشروع الأغلبية الى مناقضة نفسه والقبول بمشروع الصدر لكن بموقع الحاكم الباحث عن السلطة بأي ثمن. بهذا كان سينتصر الصدر بمشروعة مشروع “حكومة الأغلبية الوطنية” وعندها كان سيشكل الصدر والمستقلون كتلة برلمانية معارضة وواعدة انتخابياً ، وعندها سيحسب للصدر ايثاره وتنازله من أجل المشروع الوطني والاصلاح، الا ان الصدر اختار ان يجعل من انسحابه مناورة سياسية وذلك بجعل الانسحاب مشكلة او حجر عثرة امام كل الاحزاب و القوى السياسية (حلفاء وغير حلفاء) ، في سبيل شد لجام العملية السياسية اليه ثم فرض شروط استثنائية مقابل السماح بإستئناف فعاليات العملية السياسية المعلقة حالياً ، ومن وجهة نظري التجربة أثبتت ان الصدر فرض علويته على كل القيادات السياسية باستثناء اثنين وهما ؛ المالكي وبارزاني ، واما الاول فهو الان بحاجة لتصفير المشاكل مع الصدر لكن بشرط ضمان تكافؤ العلاقة بين الاثنين وهذا ما لا يرغب به الصدر دائماً ولأسباب معقدة تتعلق بشخصية الصدر، اما الثاني فيستخدم اسلوب سياسي محترف لتجنب الخلاف الحاد مع الصدر رغم وجود تقاطعات جذرية بينهما خصوصاً فيما يتعلق بالتطبيع والنزعة الانفصالية، فبارزاني يدرك ان الخلاف مع الصدر ان وقع لن يطبب بسهولة ونتائجه سلبية على مشاريع برزاني الاستراتيجية.
ومما تقدم اعلاه اتوقع ان الصدر سيتراجع عن موقفه في نهاية المطاف لصالح القبول بالحوار شريطة رضوخ الجميع لقواعد جديدة هو يمليها، وان لم يحصل ذلك فقد يلجأ الصدر لفعاليات تصعيدية لحث الفاعل الدولي (بطريقة غير مباشرة) للضغط على اطراف معينة في العملية السياسية وإجبارها على التسليم لرغبات الصدر. هكذا اقرأ الصدر ، لكن لا استطيع التنبؤ بنجاح أو فشل مناورات الصدر التي افترضها اعلاه. فغير معلوم مدى تأثير الغرب على الأحزاب بصورة عامة والشيعية على وجه الخصوص ، ايضا موقف ايران غير مقروء اتجاه مشروع الصدر بصورته النهائية. وقبل كل ذلك هل الفاعل الغربي متفاعل مع الحدث الداخلي العراقي من الاساس، و هل يرى في الصدر شخصية موثوقة (بنظر الغرب) لرعاية اجراءات اصلاحية تنعش مشروع التغيير (الامريكي-٢٠٠٣) في العراق؟ كل هذه الأسئلة بحاجة لدراسة وتحر للتنبؤ بدور الفاعل الدولي والاقليمي اتجاه مناورات الصدر السياسية.