18 نوفمبر، 2024 3:16 ص
Search
Close this search box.

لماذا ابتكرت امريكا حزب الدعوة الشيعي؟!

لماذا ابتكرت امريكا حزب الدعوة الشيعي؟!

في خضم الحرب الباردة بين الكتلة الراسمالية والكتلة الشيوعية,وبعد ان اكتشفت الكتلة الرامسالية ان خير وسيلة لمجابهة المد الشيوعي هو التحالف مع الاحزاب الدينية لصد التمدد الالحادي للشيوعية, فقد نجحت الراسمالية في تكويت كتلة دينية عابرة للاديان والطوائف تتكون من مسلمين ونصارى ويهود غايتهم محاربة الالحاد ,ولهذا ظهرت في تلك الفترة حملة دينية نشطة تم الترويج لها اعلاميا وسياسيا وحتى اقتصاديا.
فاصدرت مجموعة كتب عالمية تهتم بنقض الشيوعية من خلال اثبات وجود الله عن طريق العلم الحديث,فظهرت كتب من امثال “العلم يدعوا للايمان”,وكتب اخرى كثيرة لكتاب نصارى ومسلمون ويهود  غزت الاسواق وغايتها التبشير بالدين ضد الادينيين.
وتحت نفس السياق ظهرت موجة عارمة لتشكيل الاحزاب الدينية,فظرت في الغرب الكثير من الاحزاب ذات الصبغة الدينية كحزب المسيحيين الاحرار,والاتحاد الديمقراطي المسيحي,وغيرها من الاحزاب التي ما زالت الى الان تحكم الكثير من الدول الغربية وعلى راسها المانيا!.
وفي الوسط الاسلامي,تم تشجيع ظهور احزاب دينية كان اشهرها,حزب التحرير وحركة الاخوان المسلمين,لم يكن في ذلك الوقت الشيعة سوى اقلية مطمورة لا يعتد بوجودها,خصوصا وان ايران التي تمثل اكبر كتلة شيعية,كان يحكمها العلمانيين بقيادة الشاه.
في ذلك الوقت كان اغلب المتدينين الشيعة منخرطين في احزاب سنية اسلامية,حيث لم تكن تلك الاحزاب السنية تفرق بين المسلمين بحجة ان عدوها هو الشيوعية الالحادية وليس لها عدو من الداخل سوى المسلمين العلمانيين او المسلمين “المتحللين” اذا صح وصفهم.
ولذلك فقد كان اغلب زعماء وقيادات الشيعة السياسيين منضوين اما تحت حزب التحرير الذي كان يهدف لاعادة الخلافة الاسلامية لانتاج مجتمع اسلامي(الحصول على الحكم من اجل تغيير المجتمع).
او تحت قيادة الاخوان المسلمين الذين كانوا يريدون انشاء مجتمع اسلامي ينتج في النهاية قيادة اسلامية(تغيير المجتمع كمقدمة لانتاج قيادة اسلامية).
عندما كان الخطر الشيوعي يقترب من حدود ايران بعد ان احتل الاتحاد السوفيتي افغانستان,ادرك الغرب انه بحاجة الى حركة دينية قوية داخل ايران للحد من النفوذ الشيوعي,فتم السماح لانشقاق شخصيات شيعية من حزب التحرير والاخوان,وتشكيل حزب شيعي “اسلامي” مستقل يحمل نفس نكهة حركة الاخوان المسلمين لكن بنكهة شيعية,فظهر في تلك الفترة حزب الدعوة الاسلامية “الشيعي).
اغلب قيادات حزب الدعوة هم في الاصل عناصر فاعلة في حزب التحرير تم فصلهم من الحزب بعد قاموا بترتيب حركة انقلابية في العراق دون اخذ الاذن من قيادة الحزب.وفي نفس الوقت انشقت عناصر شيعية كمحمد باقر الصدر عن الاخوان وعناصر اخرى,ليشكلوا وبدعم امريكي حزبهم السياسي الشيعي الاول,حزب الدعوة الاسلامية!!.
كانت اولى نظريات محمد باقر الصدر في نظرية الحكم في الاسلام هو ايمانه بنظرية الشورى,وهي النظرية التي يؤمن بها اهل السنة وعلى اساسها حكم ابو بكر وعمر وعثمان وعلي,الا ان الشيعة المتطرفية الذين حاولوا ايجاد صيغى جديدة للحكم الشيعي لا تتماها مع النظرية السنية,باعتبار ان النظرية السنية تحطم كل ما بناه الشيعة حول اسطورية علي ابن ابي طالب فيما يتعلق بالوصية له ولاولاده بالخلافة,لذلك فقد عكف الخميني طيلة تلك الفترة على اختراع نظرية شيعية جديدة تعتمد على ولاية الفقية,كحل وسطي بين النظرية الشيعية الاصولية التي تعتبر ان اي حاكم شيعي قبل ظهور المهدي هو طاغوت وكفر يجب محاربته.وبين النظرية السنية التي تعتبر ان الحاكم او الخلافية يتم انتخابه بالشورى بين نخبة المسلمين,فجاءت ولاية الفقيه لتقول بان الحاكم يجب ان يكون مرجعا شيعيا يتم اختياره من قبل العلماء,اي انها في الاساس تعتبر استنساخا لنظرية الشورى السنية سوى ان الخميني قصر الحكم على رجال الدين,وبهذا منح لنفسه وباقي المعمين الحق الحصري في الرئاسة ,رغم انه لم يخبرنا كيف يمكن تحديد المعممين الذين سينتخبون الولي الفقيه!.
عندمااخترع خميني  نظرية الولي الفقيه,اعتقد الغرب بانه حصل اخيرا على اهم “اختراع” يمكن ان يستخدمه لمنع الشيوعية من احتلال ايران والذي كان احتلالها شيوعيا يعني سقوط العراق ودول الخليج تلقائيا بيد الكتلة الشيوعية!!.
لذلك تم سحب الخميني الى الغرب,والى فرنسا تحديدا,لحمايته وحماية اختراعه “العظيم” هذا من ان تغتاله يد المتطرفية الشيعة من الاوصوليين الرافضين لاي تجديد في نظرية “الانتظار المهدوي ” الشيعية !.
ولهذا تم توفير اقصى درجات الحماية للخميني,كما تم توفير كل الامكانيات المطلوبة لنشر نظريته والترويج لها وله داخل ايران وخارجها.فكان يتم توزيع ملايين اشرطة الكاسيت التي تتضمن خطب وبيانات الخميني على الشعب الايراني مجانا ,بينما كان الشعب الايراني يتمنى لو وزعت عليه ارغف الخقز بدلا من تلك الخطب “التكفيرية”,خصوصا وان اغلب تلك الخطب كانت عبارة عن خطب نارية تكفر الشيوعية والالحاد والبعث ,وتحارب الشاه بحجة انه يساعد على نشر الانحلال والفسوق والخلاعة!.
في ذات الوقت الذي احكم فيه البعثيين الاشتراكيين الحكم على العراق,كان الخميني ونظريته قد “استوت” تماما على نار الغرب الهادئة,واصبح من الضروري ان يخرج من دائرة النظرية الى دائرة التطبيق,وفي ذات الوقت الذي كان  صدام حسين البعثي يتسلم مقاليد الحكم من احمد حسن البكر ,كان الخميني يجمع ملابسه واغراضه  بانتظار ركوب الطائرة الفرنسية التي ستقله مباشرة الى طهران لينزل حاكما عليها ويباشر بتطبيق اختراعه الجديد “ولاية الفقيه”!!.
بمجرد وصول خميني للسطلة,تم الاعلان عن ولادة اول دولة دينية في الشرق الاوسط بعد اسرائيل !!,وكانت اول خطوة قام بها الخميني هو محاربة الشيوعيين في ايران,حيث تمت تصفيتهم بسرعة خارقة,فقتل واعتقل وهجر الملايين منهم,وبمجرد ان  تم الانتهاء من خطر الشيوعية في ايران,تم التحول لتصفية البعثيين في العراق,باعتبار ان البعثيين هم الخط او الوجه الثاني للشيوعيين,وان البعث العراقي كان بمثابة امتداد للكتلة الشيوعية.
عندما تم الانتهاء من خطر الشيوعيين ,وتفكك الاتحاد السوفيتي,ظهر للغرب ان الخطر الاسلامي هو الخطر الاكبر في هذه المرحلة, ومن هنا ظهرت فكرة تحويل ايران من دولة اسلامية الى دولة شيعية,فانبثقت فكرة اسرائيل الشيعية في ايران,والتي يراد لها ان توقف المد الاسلامي المتطرف الذي بدا يسير من افغانستان الى المغرب العربي مرورا بالعراق والشام ومصر ذهابا وايابا ,وان تعزل الدول الاسلامية الاسيوية عن الدول الاسلامية الافريقية,مثلما كان هدف اسرائيل اليهودية هو منع تواصل الدول العربية الافريقية مع نظيرتها الاسيوية!!.
ولهذا فان بوادر ظهور النزعة الشيعية في ايران لم تبدا الا بعد اعلان تفكيك الاتحاد السوفيتي,وتحديدا في سنة 1990,حيث تحول الخطاب الايراني فجاة من التوجه الاسلامي الى التطرف الشيعي,ثم توسع ذلك التطرف الشيعي بعد 2003,حيث اصبح التطرف الشيعي هو السائد في الخطاب الايراني وفي خطاب اغلب الاحزاب والتيارات المدعومة من قبل ايران,حيث اريد لذلك التطرف الشيعي ان يواجه التطرف السني الذي تقوده اقلية من اهل السنة يتبنون فكر الجهاد والعمل المسلح ,ويسعون لاحياء فكرة الخلافة الاسلامية التي اصبحت دول الغرب والشرق تعتبرها الفكرة الاكثر خطورة على مستقبل العالم !!.
الامر المفاجيء للغرب,هو ان الاقلية السنية المتطرفة والتي كان اصحابها يعدون بالعشرات  ,قد توسعت بطريقة لم يعد باستطاعة الشيعة مواجهتهم لوحدهم,ولذلك تطلب الامر اليوم ان تتحد كل اذرع واحزاب وجبهات المشروع الغربي في كتلة واحدة لمواجهة تلك الجماعة المتطرفة,ولهذا توحدت فجاة امريكا مع ايران مع السعودية مع اسرائيل مع الاخوان المسلمين مع تركيا لمواجهة عدو واحد اسمه المتطرفين السنة او “داعش”!!.
نحن اليوم نشهد بوادر الحرب العالمية بين محورين ,محور “السوبر بور” متمثلا بامريكا وروسيا واسرائيل وايران والسعودية,و محور “المايكرو بور” متمثلا بداعش التي اصبحت تضم بين جنباتها اكثر من خمسين قومية منهم عرب وافارقة واسيويين وشيشان وصينيين وحتى امريكان!.
وليس امامنا ونحن نرى هذه المباراة الغير متكافئة سوى انتظار النتيجة,ومن ثم التصفيق للفائز,او الدخول للحلبة كضحايا تذاع احيانا  كارقام صحيحة او ربما “كسور عشرية” لا اكثر ولا اقل !.

أحدث المقالات